حازم حسين

نتنياهو من الفساد إلى طلب العفو.. اعتراف خفى بالانحراف وتنكيل ظاهر بالدولة والقانون

الثلاثاء، 02 ديسمبر 2025 02:00 م


يرى نفسه فوق الدولة. لا يقيم وزنا لقانون أو عُرف، ويحتقر النظام الذى ترقى من خلاله ليصبح أطول رؤساء الوزراء بقاء فى الحكم.

نتنياهو ليس سياسيا عاديا فى تاريخ إسرائيل القصير، واستثنائيته نابعة من القدرة على التلاعب بالجميع طوال الوقت، وعلى أن يحتفظ بموقعه المركزى فى المعادلة، سواء كان فى السلطة أو خارجها. والأهم أنه يحتال على الحلفاء دوما، ثم يعودون للعمل معه أو التسليم بصدارته. يهين وعى الجمهور وإرادتهم، لكنه يحوز ثقتهم من جديد، فى دوامة لا تعبر إلا عن غباء أصيل فيهم، أو مهارة فذة لا تتوافر لسواه.

متسلط فى الممارسة، كاذب فى الخطاب، وفاسد بقرائن موثقة، وما زال بارعا فى أن يقفز على الموانع والتناقضات، وأن يختزل الساحة كلها فى ذاته المتضخمة، ويحشر البلد بكامله فى جيب بنطاله الخلفى الصغير.

لجأ العجوز المُجرّب أخيرا، وبعد عناد ومكابرة كبيرين، إلى الخيار المرّ الذى لا يتناسب مع طبيعته وتركيبته النفسية، ربما ليهرب من بدائل واحتمالات أشد مرارة، وقد بات مقطوعا بأنها المآل الوحيد لسلسة محاكماته المتصلة منذ سنوات.

ابتلع شعوره المفرط بالعظمة، ونفث زفرة المضطر إلى ما لا يحب ويرضى، ذاهبا بلا رغبة حقيقية منه إلى طلب العفو من الرئيس إسحاق هيرتزوج، بدلا من استكمال الجولة لمُنتهاها مع المحاكم، والوقوف فى قفص الإدانة بين مخاطر السجن، أو التذلل لاحقا من موقع المجرم المطوق بجرائمه الثابتة.

صحيح أنه ليس مقاتلا، لكنه من نوعية البشر الذين لا يستسلمون بسهولة، وما أقدم على الخطوة إلا لأغراض أبعد من اللحظة الراهنة، وتتخطى تعقيدات موقفه المأزوم فى ساحات القضاء.

يمثل زعيم الليكود للمحاكمة فى ثلاث قضايا، بأرقام 1000 و2000 و4000، تتنوع بين الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. يعود المسار القانونى إلى قرار الادعاء بتوجيه اتهامات بالفساد لرئيس الوزراء إبان وجوده فى الحكم أوائل العام 2018، ثم نُقلت الوقائع للمحاكمة القضائية فى 2020.

وطوال ما يزيد على خمس سنوات ظل على حال الإنكار، ولم يُفوّت فرصة للتهرب من الجلسات الدورية، وقد تعاظم ذلك فى السنتين الأخيرتين على وقع الحرب الدائرة فى غزة، وادعائه أن الجدول الزمنى للمحاكمة يتعارض مع التزاماته السياسية، ويعطله عن الاضطلاع بمهامه الاعتيادية.

كان يتعمد جدولة الاستقبالات والزيارات والفعاليات الرسمية فى مواعيد تتقاطع مع أيام الإدلاء بشهادته، وكثيرا ما حرّض الأجهزة الأمنية على إصدار تقارير بشأن المخاطر الأمنية، والحاجة الماسة إلى التقليص والاختزال والإلغاء بحسب الأحوال.

أحدث المحاولات كانت قبل ما يقل عن أسبوعين، عندما قرر أن يزور خط التماس الشمالى مع الجبهة السورية فى موعد المحكمة، واضعا الجولة تحت صفة الضرورة والاستعجال، من دون مبرر ظرفى أو عملانى ملموس.

بدت الأجواء عادية تماما، والزيارة أقرب إلى نزهة خريفية آمنة، ما يعنى أنه كان يمكن إرجاؤها أو شطبها من أجندته أصلا، لكنه كان كعادته يوظف موقعه فى السلطة التنفيذية، ليقوّض صلاحيات القضاء وسلطته فى إدارة المنازعات المفتوحة. كأن نتنياهو الحاكم، يؤازر نتنياهو المتهم، على حساب الدولة وصورتها ونظامها القانونى، ونقضا لكل دعاياتها عن الديمقراطية المدنية الوحيدة فى غلاف إقليمى من الشمولية والاستبداد.

لا يعرف وصفة للإفلات من الطوق الخانق، لكنه ظل يدور حول نفسه على أمل أن تنحلّ العقدة، إلى أن فوجئ بمزيدٍ من التعقيد والتقييد.. أُخضع فى الفترة الماضية لاستجواب مضاد، فوقف على منصة الشهود أمام الادعاء مرتبكا وخائر القوى واللياقة الذهنية. تلعثم ولم يُقدّم ردودا مُقنعة، وغادر القاعة غالبا وهو مُتيقّن من أن اصطياده بات مسألة وقت لا أكثر، وعليه اللجوء مُرغمًا إلى البحث عن حلول من خارج الصندوق.

عاد أسبوعين وعدة أيام للوراء، ليتلقّف مناشدة صديقه دونالد ترامب من فوق منصة الكنيست. وقتها أشاد به الرئيس الأمريكى، ودعا هيرتزوج الجالس على مُقربة منه إلى العفو عنه، لأنه بحسب ما يراه شريك فاعل، ولعب أدوارا مهمة، ولا ينبغى أن يُسأل فى بعض الهدايا البسيطة، إذ لا أحد يهتم بعلبة سيجار أو زجاجة شراب.

وقتها ابتسم «بيبى» من موقعه فى الصف الأول، وما كان يحسب أنه سيُضطَر إلى افتداء نفسه باعتراف ضمنى صريح، ولو امتنع عن ذكره فى المُناشدة، أو تمادى فى التعالى عليه فى مذكرته الإيضاحية المكتوبة، وبالصوت والصورة.

قدّم رئيس الحكومة التماس العفو من نسختين: الأولى رسمية صغيرة لا تتجاوز أربع عشرة ورقة من خلال محاميه أميت حدّاد إلى القسم القانونى فى الرئاسة، والثانية شخصية مُستفيضة، تمتد لنحو 111 ورقة، ومُوجّهة باسمه إلى الرئيس شخصيا، وليست رسمية على أى حال، إذ نشر فريق هيتزوج أولاهما وأبقى الأخرى طىّ الكتمان، لكن صاحبها خرج سريعًا فى مقطع مُصوّر ليستعرض فحواها، ولا اعتراف فيه أو تلميح بالندم، إنما حديث صريح ومُعمّى عن البطولة والتضحية، وعن أن تخلية سبيله من التقاضى مصلحة وطنية لا شخصية، وهو لا يبحث عنه لغرض فى نفسه، إنما لخدمة إسرائيل فى البدء والمُنتهى.

يُلام من داخل الائتلاف وخارجه، على أنه رحّب بخطة ترامب ذات البنود العشرين فى غزّة، وسلّم بالوصاية الأمريكية على تل أبيب فى خيارتها الحربية والسياسية. وإذ يعجز عن إنكار الأمر، لِمَا يترتّب عليه من إغضاب سيد البيت الأبيض، فإنها لا يتوقف عن تأكيد سيادة الدولة واستقلال قرارها، وأنه لا يُملَى عليها شىء، وبالأخص ما يتضاد مع مصالحها وأولوياتها. إنما فى المقلب الآخر، يُذكّر بدعوة حليفه للعفو عنه، ويؤكّد اتفاقه معها لأجل أن يتمكن من العمل معه فى ظرف استثنائى قد لا يتكرر.

صحيح أنه مُجبَر على الرضوخ بشأن وقف الحرب، لكنه يستدعى رائحة الهيمنة اختيارًا عندما تتعلّق المسألة بقضاياه وبراءته الشخصية.
لم تعُد إسرائيل جيشًا نشأت له دولة على حواشيه، ولا دولة سائلة بلا دستور أو حدود واضحة، انتظارًا لتوقيع التوراة على الجغرافيا والديموغرافيا، إنما صارت شخصًا واحدًا يحتكر الواضح منها، ويُوظّف الغامض لأجل إطالة بقائه، واللعب بالتوازنات المستقرة والهشّة على السواء، من أوّل القضاء والأجهزة الأمنية، وإلى نزعته الإمبراطورية التى تفوح روائحها رغم محاولات الإخفاء، والشراكة العائلية الظاهرة فى إدارة شؤون الحُكم، حتى أن زوجته «سارة» تكاد أن تكون مُناوبةً له فى رئاسة الحكومة، أو وزيرًا أول فيها بلا حقيبة.

وإذ تُمثّل مُطالبته بالعفو مفاجأة فى الوقت والصيغة المطروحة بها، فإنه غالبًا يُمهّد من خلالها للحفاظ على موقعه لولاية جديدة. صحافة إسرائيل تقول إنه يرغب فى الوصول إلى الانتخابات الاعتيادية، خريف العام المُقبل، بصحيفة بيضاء من غير إدانة ولا شبهات.

غير أنه لا يغيب عن الصورة احتمال السعى إلى استباق الآجال الزمنية المُحدّدة، وتأمين السياق الضامن لإرباك الخصوم والحلفاء معًا، عبر الدعوة إلى انتخابات مُبكّرة حالما يقف على مُكتسَب قابل للصرف والتسويق، ويستوثق من إمكانية العبور بأكثرية تُتيح لها بناء ائتلاف جديد، لا سيما مع رخاوة المعارضة وانقسامها العميق على نفسها.

الحال الراهنة تمنحه أفضلية على مُنافسيه جميعًا. ما يزال متفوقا على كل بدائله المطروحة، وتتنوّع حظوظ الليكود بحسب الاستطلاعات، لكن الآخرين يفتقدون فرص التوصّل إلى أغلبية قادرة على انتزاع السلطة من يده.

إن نجح فى إبقاء أجواء غزة على حالها، بين حضور مهيمن فى نصف القطاع، وتجميد له نكهة الحرب فى النصف الآخر، فبإمكانه أن يستحصل على السبق أمام الصناديق.

لن تتغير الوضعية لأربعة أشهر أو خمسة مقبلة على الأقل، إذ تُخطط واشنطن لبدء نشر قوة الاستقلال الدولية اعتبارا من منتصف يناير، وانتهاء نزع السلاح فى أبريل، وإلى الموعدين سيظل مُحتفظًا بمواقعه الحالية، وأى تعثّر للمسار يحقق له مزيدًا من التقدم، إن باستدعاء مناخ الحرب مُجدّدًا، أو بالتمدد وتثبيت تموضعه الحالى على اتّساع جبهة الجنوب.

وذلك، فضلاً على تطورات الشمال مع حزب الله، وما تتيحه له من مكاسب سهلة وانتصارات غير مُكلّفة، وفاعلية دعائية تُنشّط غُدد الرهبة والارتياب فى نفوس الصهاينة، حتى أنهم يُقدّمونه على كل الساسة والجنرالات فى الاستبيانات، كما لو أنه لا أحد سواه يصلح لقيادة البلد فى ظرفها الدقيق.

بعيدًا من إجراءات العفو الطويلة نسبيًّا، فقد تفجّرت القنبلة وتحقق الأثر المطلوب منها. الرئاسة ستنظر المذكرة، ثم تُحيلها إلى الإدارة المُختصة فى وزارة العدل، وبعد أن تتلقّى إفادتها يُحال الأمر إلى المستشار القانونى للرئاسة، لإعداد رأىٍ فنّى وافٍ يشتمل على توصية بشأن الطلب، إمّا أن يُصدر الرئيس قرارا بالعفو، ويُرسله إلى وزير العدل لتوقيعه وإخطار نتنياهو به مع سريان مفعوله، أو أن يرفض الأمر بإخطار واضح، والأغلب أن النتيجة شبه مضمونة، لأن الحكومة بكاملها تدعم ذلك، وهيرتزوج ميّال إليه، ولا أحد منهم لديه رغبة أو فائض شجاعة لإحباط السيد دونالد فى مكتبه البيضاوى.

جرى العُرف على أنه لا عفو من دون إدانة أو صفقة تسوية. وبالمنطق البسيط، فالمُتهم برىء إلى أن تثبُت إدانته، ما يعنى أن نتنياهو ليس مُجرمًا فى نظر القانون حتى الآن، ليُعفَى عنه مِمّا لم يُلصَق به رسميًّا بحُكم باتّ.

ثمّة سابقة واحدة قبل أكثر من أربعة عقود، وكانت للمفارقة مع حاييم هيرتزوج، الرئيس الأسبق ووالد الرئيس الحالى. وقتها اتُّهم ضبّاط من جهاز «الشاباك» بقتل أسيرين فلسطينيين خارج القانون، بعدما جرى اعتقالهما دون مقاومة ولا كانا يمثلان خطرًا على القوات. فُتِحَت قضية «الخط 300»، ثمّ عُفِىَ عن المتهمين ليس من دون إدانة فحسب، بل قبل أن تبدأ المحاكمة من الأساس.

ومن الأب للابن، كأن دراما إسرائيل تتقصّد أن تُنتج أسوأ فصولها ضمن القوالب نفسها، بالضبط كما وقف حاييم أمام الأمم المتحدة إبّان استصدار قرار اعتبار الصهيونية شكلا من العنصرية فى نوفمبر 1975، ليُذكّر الأسرة الدولية بليلة الزجاج المكسور فى ألمانيا النازية، ولم يجد ابنه حرجًا قبل ثلاثة أسابيع فى استعادة الموقف نفسه، وذكرى الأب والكريستال، فيما جنوده يُمارسون إبادة جماعية نازية الطابع بحق المدنيين فى غزة.

لا أحد فى الائتلاف يعترض على العفو عن رئيسه. الجميع يُرحّبون، بينما المُعارضة من صميم أدوارها أن تعترض، وتتذرّع بالمنطق القانونى عن وجوب الإدانة أولا، أو الإقرار بالذنب على الأقل، والتوصل إلى صفقة تسوية يتنحّى المتهم بموجبها عن أدواره السياسية.

هكذا قال لابيد ويائير جولان وغيرهما، وأسالت النخبة الصحفية حبرًا غزيزًا فى النقد والاستهجان، لأن نتنياهو يذهب إلى الخيار السهل بعدما انكشف تحت منصة القضاء، وبعد أن كذب بلا توقّف، ومن دون أن يعترف أو يتحمل أية مسؤولية عن تجاوزاته الشنيعة.

نقلت «جيروزاليم بوست» عن مصادر مقربة لرئيس الحكومة، أنه لا يفكر فى تسوية قانونية يُغادر بمقتضاها مقابل البراءة. ولا حاجة لتقارير صحفية أو مُتحدثين من أهل الكواليس، فالمعروف عن نتنياهو أنه لن يُغادر موقعه بسهولة، وما قدّم الالتماس أصلاً لغرض الإفلات من السجن، بل لأن يظلّ فوق السجون والسجّانين والذين يقضون بإدخال المجرمين وراء قضبانها.

يُمكن تخيّل صورته قبل أن يوافق على تحبير المذكرة، إذ يمتعض ويشمئز ويمص كيلو جرامًا من الليمون أو برتقال يافا السليبة، ثم يُوعِز لمحاميه بمخاطبة عروسة الماريونت المُسمّاة رئيسًا، والتواضع قليلاً أمام الأراذل، لأجل أن يتمكن الامبراطور من تمرير حصان طروادة خاصّته، قبل أن يخرج منه نظيف الوجه والسيرة، وقادرًا على الاقتصاص بأثر رجعى مِمّن أمعنوا فى إذلاله والحطّ من مكانته السامية.


لا يُخفى الزمّار لحيته، ويموت ولا تتوقف أصابعه عن الاهتزاز. زعيم الليكود يُجاهز القضاء بالعداء، ويختصم المنظومة القائمة على أمل تمكين السلطة التنفيذية من رقبة المحكمة العُليا وما دونها.

له سلسلة طويلة مع صراع المؤسسات، بدأها بالجيش منذ العام 2009 وما زال يستكملها حتى الآن، لكن قدرًا من طاقته ومجهوداته تركّزت على القضاة. وقد بُنِى ائتلافه الأخير على مشروع واضح للمساس بمكانته القائمة، والتحايل على قوانين الأساس التى تقوم مقام الدستور الغائب. طرحه تحت عنوان «الإصلاح» فى أول ولايته، وقد تسبب فى غضب وقلاقل داخلية لم تتوقّف إلا بعد مقامرة السنوار الغبية فى الطوفان، وتجدّد الحديث عنه ثانية فى الفترة الأخيرة، وسيتعالى بعدما يعود صاحبه أقوى عقب البراءة، ومُحمّلاً بمرارته العميقة إزاء الذين طوّحوا عليه الاتهامات من فوق المنصّة العالية.

نتنياهو لا يُريد العفو بعد الإدانة، ما يعنى أنه لن يتطوّع بالاعتراف بما لم تُثبته المحاكم عليه. سابقة الأب حاييم يُمكن أن يُكررها الابن يتسحاق، ورغبة ترامب فوق نظام الدولة وتسمو على إرادة الجميع.

احتمى فى منصبه من المساءلة، ويتستّر من سيف القانون وراء درع حليفه العظيم، وطالما أنه مُسيّر فى كثير من الشؤون العامة وفق رغائب البيت الأبيض، فلا غضاضة من الاضطرار فى الخاص، ويا حبّذا لو أهان الآخرين معه، وأجبرهم على الرضوخ، حتى لا يُعَيّر وحده بهيمنة الأمريكيين ووصايتهم على إدارته وقرارها السياسى.

الفساد يبدو ثابتًا فى حقّه لدرجة يتعذّر دفعها، وطلب العفو ينطوى على اعتراف ضمنى بالجُرم والانحراف، لكنه لا يُفسَّر إلا من جهة التنكيل العلنى والمقصود بالدولة، وإثبات أنها أقل قيمة لديه من مصلحته الخاصة. كانت الحرب وإفساد مفاوضات إنهائها وسيلته الاحتيالية للهروب من المساءلة عن إخفاقات الطوفان، لكنه فى قضاياه الثلاثة لم يجد ثغرة خفيّة، فاضطر إلى إخراج لسانه للجميع، وإلى وَضع حذائه المُشتَرَى بالرِّشى والملوّث بالدم البرىء، فوق القانون والقضاء، وعلى رأس البلد بمَن فيه.

كتبتُ من قبل أن إسرائيل صارت أقرب لجمهوية موز كاملة الأوصاف، إنما مع نتنياهو حتى صفة الجمهورية غير مُتحقّقة للأسف. رئيس حكومتها لا يُريدها هكذا من الأساس، إذ يمتلئ بنزعة امبراطورية تتنافى مع طبيعة الدولة، وتضيق عنها الجغرافيا.

ليس عابرًا أن يستذكر أثينا واسبرطة عندما تحدّث عن الحصار وتهاوى الصورة دوليًّا. كانت لديه تشبيهات أفضل وأقرب زمنيًّا، لكنه لا يرى العصبة الصهيونية خارج الصيغة الاسبرطية المُعتلّة: محدودية المكان والمعرفة، ووفرة العنف والسلاح، وعنصرية تُطبّق على الداخل والخارج معا، ومعايير لا يمكن الحديث عنها، طالما يحكمها الهوى ولا تُقام بعمومية وتجرُّد.

هكذا يُساءل إسرائيلى عادى فى مخالفة مرورية أو سرقة عدّة شيكلات، وينجو الحاكم من وقائع فساد تزكم الأنوف وتحجب الشمس، وفوق النجاة يظلّ سيّدًا على كيان لامع من الخارج، مُشوّه فى الأعماق، وفوق سوءاته القديمة يكتسب مزيدًا من طبقات القُبح والانحراف. يليق بهم نتنياهو ويليقون به، لأنهم من العجينة نفسها ولو أنكروا. مسوخ يتبادلون الأقنعة والأدوار، ولا يمكن أن يعيش مع الضبع فى قفصه إلا فصيلته من الضباع.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب