مع بداية موسم الشتاء، بدأ الأطباء حول العالم يرصدون تزايدًا غير مسبوق في حالات الأنفلونزا، إلا أن هذا العام حمل سلالة مختلفة أثارت قلق المتخصصين، تُعرف باسم فيروس H3N2، أو ما يصفه البعض بـ"الانفلونزا الخارقة". هذه السلالة ليست جديدة تمامًا، لكنها اكتسبت خلال الأشهر الأخيرة طفرات جعلتها أكثر قدرة على الانتشار والمراوغة المناعية، ما أدى إلى موجة عدوى واسعة النطاق، خاصة بين الأطفال والبالغين الأصغر سنًا.
وفقًا لتقرير نشره موقع هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية (NHS)، شهدت المستشفيات في الأسابيع الأخيرة زيادة تجاوزت 50% في حالات الأنفلونزا، معظمها ناتج عن سلالة H3N2. ويُرجع الخبراء ذلك إلى ضعف المناعة المجتمعية بعد مواسم خالية نسبيًا من الفيروس خلال فترة جائحة كوفيد-19، إضافة إلى أن الفيروس نفسه خضع لتغييرات جينية طفيفة جعلته أكثر مقاومة للمناعة المكتسبة من العدوى أو التطعيم السابقين.
ما الذي يميز فيروس H3N2 عن غيره؟
ينتمي هذا الفيروس إلى عائلة الأنفلونزا A، وهي السلالة المسئولة عن أغلب موجات الأنفلونزا الموسمية. يميّز العلماء بين الأنواع الفرعية للفيروسات بناءً على بروتينين أساسيين على سطحها: الهيماغلوتينين (H) والنيورامينيداز (N). وعليه، يحمل H3N2 تركيبة محددة من هذين البروتينين تمنحه صفات خاصة من حيث الانتشار والاستجابة المناعية.
ويشير الأطباء إلى أن هذه السلالة تتغير بشكل مستمر وسريع، وهو ما يجعل مواجهتها عبر اللقاحات الموسمية تحديًا متجددًا. فكلما حدثت طفرة في تركيب الفيروس، تقل فعالية المناعة المكتسبة من اللقاح السابق، ما يؤدي إلى ارتفاع عدد الإصابات مع بداية كل موسم شتاء.
مدى خطورة السلالة الحالية
لا يُعتبر فيروس H3N2 أكثر فتكًا من سلالات الأنفلونزا الأخرى، لكن خطورته تكمن في سرعة انتشاره وعدد المصابين الكبير. فحتى وإن بقيت النسبة المئوية للمضاعفات منخفضة، فإن ازدياد أعداد المرضى يؤدي تلقائيًا إلى زيادة الحالات الحرجة التي تتطلب دخول المستشفى، خصوصًا بين الفئات الضعيفة مثل كبار السن، والأطفال، والنساء الحوامل، ومرضى القلب أو الجهاز التنفسي.
وتؤكد البيانات الصحية أن ذروة العدوى الحالية سبقت موعدها المعتاد بأسابيع، ما يشير إلى أن الفيروس بات أكثر قدرة على الانتقال في درجات حرارة أقل من المعتاد.
الأعراض الأكثر شيوعًا
تتشابه أعراض H3N2 إلى حد كبير مع الإنفلونزا الموسمية المعتادة، وتشمل ارتفاعًا في درجة الحرارة، سعالًا جافًا، التهابًا في الحلق، آلامًا في المفاصل والعضلات، وإرهاقًا عامًا.
لكن بعض المرضى أبلغوا عن أعراض إضافية مثل الغثيان واضطرابات الجهاز الهضمي، وهي ليست من العلامات الكلاسيكية للإنفلونزا، ما يعكس تفاعل الجسم المختلف مع هذه السلالة المتحورة.
ويشير الأطباء إلى أن أغلب الحالات تتحسن خلال أسبوع واحد، لكن استمرار الحمى أو صعوبة التنفس أو ألم الصدر يستدعي تقييمًا طبيًا عاجلًا لاحتمال حدوث التهاب رئوي أو مضاعفات أخرى.
هل تحمي اللقاحات من فيروس H3N2؟
اللقاح الموسمي لا يمنح حماية كاملة، لكنه يبقى الدرع الأهم لتقليل شدة المرض ومنع دخول المستشفيات.ويشرح الخبراء أن إنتاج اللقاحات يعتمد على التوقعات الموسمية المبنية على أنماط الفيروس في نصف الكرة الجنوبي قبل أشهر من الشتاء، لذلك قد تختلف فعاليته من عام لآخر.في موسم 2025، أظهرت الدراسات أن الفيروس اكتسب عدة طفرات جديدة بعد تصنيع اللقاح، ما جعل الحماية أقل من المتوقع، لكن التطعيم ما زال يقلل من خطر المضاعفات بنسبة كبيرة.
من هم الأكثر عرضة للإصابة؟
تشير البيانات إلى أن الأطفال بين 5 و14 عامًا هم الفئة الأكثر تعرضًا للعدوى، يليهم الشباب في العشرينات والثلاثينات، والسبب في ذلك زيادة الاختلاط داخل المدارس وأماكن العمل.أما الفئات المعرضة للمضاعفات، فتشمل كبار السن، والمصابين بأمراض مزمنة، وذوي المناعة الضعيفة، والحوامل.وتوصي الجهات الصحية هؤلاء بالحصول على اللقاح سنويًا، ومراعاة ارتداء الكمامة في الأماكن المغلقة خلال موسم العدوى.
إجراءات الوقاية الفعالة
رغم أنه لا توجد وسيلة تمنع العدوى تمامًا، إلا أن العادات البسيطة تظل فعّالة جدًا: غسل اليدين بالماء والصابون بانتظام، تهوية الأماكن المغلقة، تجنب لمس الوجه بعد ملامسة الأسطح العامة، والبقاء في المنزل عند الشعور بأعراض البرد أو الحمى.كما ينصح الأطباء بالابتعاد عن التجمعات الكبيرة في فترات الذروة، والحرص على الراحة وتناول السوائل الدافئة لتعزيز المناعة.
هل تختلف المعالجة عن الأنواع السابقة؟
لا تختلف طريقة العلاج كثيرًا عن الإنفلونزا . فمعظم الحالات تحتاج إلى راحة، سوائل كافية، وخافضات حرارة مثل الباراسيتامول.استخدام الأدوية المضادة للفيروسات للفئات المعرضة للخطر فقط، ويُفضّل إعطاؤها خلال أول 48 ساعة من ظهور الأعراض لضمان فعاليتها.