حسين يوسف

حين تتحول جريمة فردية إلى معول هدم… من يشوّه إصلاح التعليم في مصر؟

الإثنين، 15 ديسمبر 2025 06:27 م


رغم الاستياء الشديد، والغضب المشروع، والرفض القاطع لأي حوادث تحرش فردية بالأطفال، ومع التسليم بأنه لا يختلف اثنان على أن حوادث التحرش بالأطفال جرائم مكتملة الأركان، مشينة، ومرفوضة جملةً وتفصيلًا، ولا تقبل التبرير أو المواربة أو التخفيف، بل تستوجب أقصى درجات المحاسبة والعقاب الرادع، دون تهاون أو تساهل، ومع الإدانة الكاملة للوقائع المؤسفة التي شهدها عدد محدود جدًا من المدارس لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، والتي كان المتهمون فيها من العاملين في الخدمات المعاونة، لكن ما يثير الدهشة والسخط في الوقت ذاته هو موجة الهجوم غير المبرر، بل والمنفلت، ضد وزير التربية والتعليم، ، وتحميله مسؤولية وقائع فردية لا تمثل ظاهرة عامة، ولا تعكس الواقع الحقيقي للمنظومة التعليمية في مصر. فقد سارع البعض، دون روية أو تحليل، إلى شن حملات تشويه منظمة، وكأن الهدف لم يعد حماية الأطفال، بل النيل من جهود إصلاح حقيقية تمضي فيها الوزارة بخطوات ثابتة.، وكأنهم وجدوا في تلك الوقائع الفردية فرصة سانحة لتصفية حسابات أو لهدم ما يتم بناؤه منذ تولى محمد عبد اللطيف مقاليد الوزارة.

لا أحد عاقل يمكن أن يقبل أو يبرر ما حدث لأطفالنا، ولا أحد يساوم على سلامتهم أو أمنهم النفسي والجسدي، فالأطفال خط أحمر، والاعتداء عليهم جريمة مكتملة الأركان تستوجب أقصى درجات المحاسبة والعقاب الرادع. لكن في الوقت ذاته، لا يجوز أبدًا القفز من إدانة الجريمة إلى جلد الدولة، ولا من محاسبة المخطئ إلى تصفية حسابات ضد منظومة بأكملها، ولا من واقعة فردية – مهما كانت بشعة – إلى تصوير المشهد وكأنه انهيار شامل للتعليم في مصر، خاصة أن المتهمين فيها ليسوا من المعلمين أو القيادات التعليمية، بل من فئة العمالة المساعدة، وهو أمر شديد الأهمية يجب عدم تجاهله عند التقييم والتحليل.

ما حدث هو جرائم فردية مدانة، نعم، لكنها ليست نهجًا مؤسسيًا، ولا تعبيرًا عن خلل شامل في المنظومة التعليمية كما يحاول البعض الترويج له. وهنا يبرز السؤال الأهم: لماذا هذا الهجوم العنيف والمركز على شخص وزير التربية والتعليم؟ ولماذا الإصرار على تجاهل الحقيقة الواضحة، وهي أن ما حدث لا يمثل واقع منظومة، بل انحرافًا فرديًا يُحاسَب فاعله؟ ولماذا هذا الإصرار على تجاهل ما تم من إصلاحات وإنجازات حقيقية على الأرض؟

لقد سارع البعض، وبمنتهى التربص، إلى استلال السكاكين الإعلامية لا لمواجهة الجريمة، بل للتقطيع في سيرة السيد محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم، في مشهد أقرب إلى الاغتيال المعنوي المنظم، منه إلى الغضب المشروع. تجاهلوا عمدًا حجم الإصلاحات، وتناسوا عن سبق إصرار أن الرجل يقود واحدة من أصعب وأعقد معارك الإصلاح في الدولة المصرية، معركة إصلاح التعليم، مما يشير إلى أن هناك من لا يريد لهذه الإصلاحات أن تكتمل، ولا يرغب في نجاح خطة إصلاح منظومة التعليم بالكامل، تلك الخطة التي شدد عليها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة، وبشكل واضح لا لبس فيه، حين أكد أن إصلاح التعليم لم يعد رفاهية أو خيارًا، بل ضرورة وجودية تتماشى مع الطفرات الهائلة التي طالت كل مفاصل الدولة المصرية.

والحقيقة التي لا يريد المتربصون الاعتراف بها، أن إصلاح التعليم لم يكن يومًا مهمة سهلة، ولا مسارًا مفروشًا بالورود، بل هو طريق مليء بالألغام، ومواجهات مفتوحة مع مصالح مترسخة، وعقول اعتادت الفشل وتقاوم التغيير. ولهذا، فإن أي هزة – مهما كانت محدودة – تُستغل فورًا لإجهاض المشروع، وخلط الأوراق، وبث الفزع، وتشويه الصورة.

وللأمانة أن تعامل وزارة التربية والتعليم مع تلك الوقائع الفردية كان تعاملًا ناجعًا، سريعًا، وحاسمًا، ولبّى كل تطلعات الرأي العام الحريص. فالوزارة لم تتجاهل، ولم تبرر، ولم تحاول التخفيف، بل سارعت فورًا بوضع المدارس التي وقعت بها الحوادث تحت الإشراف المباشر، واتخذت إجراءات فورية لضمان عدم تكرار مثل هذه الوقائع.

كما أصدرت تعليمات مشددة لكافة المدارس، تضمنت ضرورة تركيب كاميرات مراقبة في جميع أرجاء المدارس، ومنع تواجد الطلاب بعد انتهاء اليوم الدراسي لأي سبب، إلى جانب المراجعة الأمنية الدقيقة والشاملة لكل العاملين في الخدمات المعاونة، وهو ما يعكس وعيًا حقيقيًا بخطورة الأمر، وإدراكًا كاملًا لمسؤولية الوزارة تجاه أبنائنا، وفى رأيي أن هذه ليست ردود أفعال مرتبكة، بل قرارات وزارة واعية بخطورة الموقف، ومدركة لمسؤوليتها، وتعمل على سد الثغرات بدلًا من التستر عليها. ومع ذلك، لم يشفع هذا للبعض، لأن الهدف لم يكن الإصلاح، بل الهدم.

ومع كامل الرفض والغضب لما تعرض له أطفالنا، يجب أن نكون منصفين وعقلانيين، الوضع العام في مدارسنا، رغم التحديات، لا يخرج عن السيطرة، وليس مفزعًا ولا كارثيًا كما يحاول البعض تصويره عمدًا. بل إن الواقع، إذا ما قورن بغيره من الدول التي يُنظر إليها باعتبارها “نموذجية”، يكشف حجم المبالغة والتضليل في الخطاب المتداول.

ومن المؤسف أن يتم تصوير المشهد وكأن المدارس المصرية أصبحت بؤرًا للخطر، في خطاب يفتقد للإنصاف ويغيب عنه الحد الأدنى من المقارنة الموضوعية. فالحقيقة، رغم قسوتها، تقول إن ما يحدث في مصر – رغم رفضنا له – لا يقارن بما تشهده دول كبرى يُنظر إليها باعتبارها نماذج متقدمة.

ففي دول مثل الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا، تسجل سنويًا آلاف حالات التحرش داخل المدارس، فمثلا تشير تقارير إدارة المعلومات الجنائية الفيدرالية في الولايات المتحدة إلى تسجيل ما يقرب من 17 ألف حالة تحرش جنسي داخل المدارس خلال نحو أربع سنوات فقط، وهو رقم صادم يعكس أن هذه الجرائم ليست حكرًا على مجتمع بعينه، ولا دليلًا على فشل منظومة بعينها، وإنما ظاهرة عالمية تتطلب المواجهة بالقانون والوعي، لا بالصراخ والتسييس.

إن تضخيم الوقائع الفردية وتحويلها إلى فزاعة إعلامية لا يخدم طفلًا واحدًا، بل يخلق مناخًا من الهلع، ويهز الثقة، ويضرب الاستقرار، ويفتح الباب أمام حملات تشويه منظمة تستهدف مشروع الدولة في إصلاح التعليم، وهو المشروع الذي أكد السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي مرارًا أنه أولوية وطنية لا تقبل التأجيل، فالقيادة السياسية كانت واضحة: لا دولة حديثة بلا تعليم حديث، ولا تنمية بلا إنسان مؤهل، ولا مستقبل بلا منظومة تعليمية كفؤة، متطورة، وقادرة على مواكبة العصر. ومن هذا المنطلق، جاءت خطوات وزير التربية والتعليم متناغمة مع رؤية الدولة واستراتيجية 2030.

خطوات بدأت بالمعلم، باعتباره العمود الفقري للعملية التعليمية، وامتدت إلى إنشاء آلاف الفصول الجديدة لمواجهة التكدس، وتغيير جذري في فلسفة المناهج للابتعاد عن الحشو والتلقين، والتركيز على الفهم، والتحليل، وبناء العقل، كما شملت إدخال أدوات التعليم الحديث، مثل الحاسب الآلي والذكاء الاصطناعي، لإعداد الطالب لعالم لا يعترف إلا بالعلم والمهارة.

وصولًا إلى نظام البكالوريا الجديد، الذي يستهدف تخريج طالب مؤهل علميًا ومعرفيًا، قادر على الاندماج في سوق العمل، والتعامل مع الطفرات المتسارعة في كافة فروع المعرفة، بدلًا من تخريج حافظٍ للنصوص، أسير للامتحان.

إن ما يحدث اليوم هو معركة وعي بامتياز، معركة بين من يريد محاسبة الجاني وحماية الطفل وبناء المستقبل، ومن يريد استغلال الألم لهدم المنظومة، وتشويه الإصلاح، وإعادة إنتاج الفشل. بين من يرى الدولة مشروعًا يجب دعمه وتقويمه، ومن لا يرى فيها سوى ساحة لتصفية الحسابات.

حماية أطفالنا واجب لا نقاش فيه، ومحاسبة المجرمين فرض لا تراجع عنه، لكن هدم منظومة بأكملها، وشيطنة وزير يقود إصلاحًا شاقًا، هو جريمة لا تقل خطورة. فالأوطان لا تُدار بالانفعالات، ولا تُبنى بالتحريض، بل بالعقل، والعدل، والدعم الواعي لكل جهد مخلص،ولهذا، فإن الرهان الحقيقي اليوم ليس على الصراخ، بل على الوعي… وليس على الهدم، بل على الإصلاح.

ومن هنا، فإن الانسياق وراء حملات التخويف والفزع المصطنع لا يخدم مصلحة طفل، ولا يحمي طالبًا، بل يخدم فقط من يسعون لعرقلة خطط إصلاح التعليم، وإفشال أي محاولة جادة لتحديث هذه المنظومة المعقدة والمتشابكة.

وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف لا يعمل في دوائر مفرغة، ولا يتحرك بعشوائية، بل يقود جهدًا جبارًا لإصلاح منظومة التعليم بعد عقود من التجارب التي لم تحقق النجاح المنشود. وهو جهد يتسق بشكل مباشر مع استراتيجية الدولة 2030، التي تضع التعليم في قلب مشروع بناء الدولة الحديثة، باعتباره أساس التنمية الحقيقية، وأداة إعداد الإنسان القادر على التعامل مع عالم سريع التغير.

ولذلك، فإن المطلوب اليوم ليس جلد وزير، ولا شيطنة منظومة، بل دعم الإصلاح، ومحاسبة المخطئ، والوقوف صفًا واحدًا لحماية أبنائنا، وفي الوقت نفسه حماية مشروع وطني يستهدف صناعة مستقبل أفضل للتعليم في مصر.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة