لعقود طويلة، حيرت مجموعة صغيرة من الرموز والأبجديات الغريبة التي بدت وكأنها لا تنتمي إلى أي نظام كتابة معروف، الباحثين الذين يدرسون مخطوطات البحر الميت والآن، قال أحد الباحثين إن إحدى تلك الكتابات التي طالما اعتُبرت مستحيلة الفك، ربما تكون قد فُهمت أخيرًا، وفقا لما نشره موقع" greekreporter".
يدّعي إيمانويل أوليفيرو، من جامعة جرونينجن في هولندا، أنه فكّ شفرة الأبجدية السرية "ب"، وهي أبجدية غير مألوفة وُجدت في عدد قليل من شظايا مخطوطات البحر الميت، ونظرًا لقلة المواد المتبقية، اعتقد العديد من الخبراء أن هذه الكتابة ستبقى عصية على الفهم، وقد نشر أوليفيرو نتائج بحثه في ديسمبر في المجلة الأكاديمية "اكتشافات البحر الميت".
لماذا قاوم اللغز "ب" التفسير؟
نجت الكتابة الخفية "ب" بشكل شبه كامل في مخطوطتين متضررتين بشدة، تُعرفان باسم 4Q362 و4Q363. وفي عدد قليل من المخطوطات الأخرى، أدرج النساخ رموز الكتابة الخفية "ب" لفترة وجيزة في نصوص عبرية عادية قبل العودة إلى الكتابة الأصلية، ولا توجد مقاطع كاملة ولا أسطر كتابة متصلة.
شكّل هذا النقص عائقًا كبيرًا، فمع غياب النصوص الطويلة للمقارنة وقلة الرموز المتكررة، افتقر الباحثون إلى الأنماط اللازمة عادةً لتحديد الكتابة المجهولة. ولعقود، اعتُبرت المادة مجزأة للغاية بحيث يتعذر تحليلها.
أسلوب مستعار من إنجازات سابقة
لقد تعامل أوليفيرو مع المشكلة باستخدام طريقة رائدة ابتكرها الباحث جوزيف ميليك في عام 1955، والذي فك شفرة نص مشفر آخر من قمران يُعرف باسم Cryptic A. ويفترض هذا النهج نظام استبدال أحادي الأبجدية، حيث يتم استبدال كل حرف عبري أو آرامي برمز واحد بشكل متسق.
لاحظ أوليفيرو أيضًا أوجه تشابه بصرية بين الكتابة الخفية "ب" والكتابة الخفية "أ"، فقد تشابهت عدة رموز مع أشكال حروف عبرية معدلة، مما يشير إلى أن النظامين يتبعان مبادئ مترابطة، وقد عزز هذا من فرضية أن الكتابة الخفية "ب" لم تكن زخرفية أو عشوائية، بل شكلاً منظمًا من أشكال الكتابة.
ما يبدو أن النصوص تقوله
لا تُنسخ مقاطع النص الخفي "ب" النصوص التوراتية حرفيًا، بل تُردد لغةً ومواضيع توراتية مألوفة شائعة في كتابات قمران، ومن المصطلحات التي يمكن تمييزها الإشارة إلى يهوذا، والهجر، و"خيام يعقوب"، وأحداث مُرتبة عدديًا قد تُشير إلى تواريخ. وتنسجم هذه الأنماط مع التقاليد التوراتية الأوسع، حيث تُشير الأرقام غالبًا إلى لحظاتٍ مهمة في التاريخ أو النبوءات.
افترض الباحثون سابقًا أن الكتابات الغامضة تخفي معارف صوفية أو خارقة للطبيعة، لكن أوليفيرو يجادل بخلاف ذلك، إذ يرى أن الكتابة الغامضة "ب" صُممت للدلالة على المكانة الاجتماعية لا لفرض السرية، ومن المرجح أن القدرة على قراءتها كانت مؤشرًا على مستوى التعليم أو الرتبة داخل مجتمع علمي، وقد حجبت هذه الكتابة المعنى دون أن تجعله عصيًا على الفهم تمامًا.
استقبال حذر بين الخبراء
يصف كريستوفر رولستون، أستاذ اللغات التوراتية ولغات الشرق الأدنى في جامعة جورج واشنطن، فك رموز أوليفيرو بأنه معقول ولكنه يصعب تأكيده، وقال إن المنهجية تتبع الممارسات الأكاديمية الراسخة، لكن عدم وجود مخطوطات إضافية يجعل التحقق المستقل شبه مستحيل.
لا تزال خمسة من حروف المخطوطة البالغ عددها 22 حرفاً غير مؤكدة، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى التلف والندرة.