حسين يوسف

هزائم المنتخبات ناقوس خطر.. تطوير منظومة الكرة المصرية والتخلى عن سياسة رد الفعل

الأحد، 14 ديسمبر 2025 10:22 ص


كشفت الإخفاقات الأخيرة لمنتخباتنا الوطنية، سواء منتخب الشباب تحت 20 سنة أو منتخب الناشئين تحت 17 سنة أو منتخب مصر الثاني في كأس العرب، حقيقة لا يمكن تجاهلها بأن الكرة المصرية بحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة، لا تُجَمِّل الواقع ولا تكتفي بتبديل الوجوه، بل تعالج جذور المشكلة عبر تطوير منظومة متكاملة تعمل بعقلية احترافية وعلمية، فالفشل الذى حدث ليس مجرد نتائج سلبية عابرة يمكن تجاوزها بالصبر أو تبريرها بظروف المنافسة، بل جرس إنذار مدوٍّ يكشف خللًا عميقًا فى منظومة الكرة المصرية بأكملها، فهذه النتائج لم تكن صدمة مفاجئة بقدر ما كانت حصيلة تراكمات لسنوات من غياب التخطيط الممنهج والاعتماد على الحلول المؤقتة.

المشكلة لم تعد في خسارة بطولة، أو خروج مهين من البطولات، وإنما في غياب مشروع واضح المعالم، تُدار من خلاله كرة القدم في مصر باعتبارها صناعة احترافية لا تحتمل الارتجال ولا تعترف بالمجاملات، فالآن لم تعد كرة القدم مجرد هواية أو نشاط ترفيهي، بل تحولت إلى صناعة متكاملة لها قواعدها الاقتصادية والفنية والإدارية، وتدار بالأرقام والبيانات بقدر ما تُدار بالموهبة، ومن هذا المنطلق، لم تعد الموهبة وحدها كافية لصناعة الانتصارات، الألقاب اليوم تُبنى في غرف التخطيط، ومراكز البحث والتحليل، وأكاديميات الناشئين، قبل أن تُحسم داخل المستطيل الأخضر. بينما لا تزال الكرة المصرية أسيرة ردّ الفعل، تتحرك بعد الإخفاق لا قبله، وتغيّر الأجهزة الفنية دون أن تغيّر الفلسفة أو المنهج، فتظل النتائج رهينة الصدفة لا ثمرة للعمل المؤسسي، ولذا فإن أي حديث جاد عن النهوض بالكرة المصرية يجب أن يبدأ من الإقرار بأن العمل العشوائي لم يعد مجديًا، وأن المستقبل لن يُبنى إلا بخطط واضحة، وأهداف محددة، ومسارات تنفيذ قابلة للتقييم والمحاسبة.

إن أخطر ما تواجهه الكرة المصرية حاليًا هو التعامل معها بعقلية الهواية في زمن الاحتراف. كرة القدم أصبحت اقتصادًا وصناعة واستثمارًا، تتطلب إدارة علمية، وتخطيطًا طويل المدى، واستعانة بكفاءات تمتلك المعرفة الحديثة وأدوات العصر، ومن هنا تبرز الحاجة الملحّة لإفساح المجال أمام الكفاءات الشابة ، داخل إطار مؤسسي يضمن الاستمرارية والاستقرار.

فأحد أهم مفاتيح الإصلاح يتمثل فى الاستعانة بالكفاءات الشابة المؤهلة علميًا وعمليًا، سواء في التدريب أو الإدارة أو التحليل الفني، فالعناصر الشابة المؤهلة علميًا، القادرة على التعامل مع التكنولوجيا، وتحليل البيانات، وتطوير الأداء البدني والذهني للاعبين، حين تُمنح الفرصة وتُدعَم بالخبرة المؤسسية، تكون أكثر قدرة على مواكبة تطورات اللعبة الحديثة، من استخدام التكنولوجيا وتحليل الأداء، إلى فهم متطلبات اللاعب المعاصر بدنيًا وذهنيًا، ولا يعني ذلك إقصاء أصحاب الخبرات، بل خلق شراكة حقيقية بين الخبرة والتجديد، داخل إطار مؤسسي منظم.

كما أن تطوير منظومة الناشئين يجب أن يكون حجر الزاوية في أي مشروع إصلاحي، ولا يمكن الحديث عن نهضة حقيقية دون البدء من القاعدة. فمنتخبات الناشئين والشباب ليست مجرد مراحل انتقالية، بل هي العمود الفقري لأي مشروع كروي ناجح فالدول التي حققت قفزات نوعية في كرة القدم لم تبدأ من المنتخب الأول، بل من القاعدة، اكتشاف المواهب في سن مبكرة، وتوحيد فلسفة اللعب بين جميع المنتخبات، ووضع مناهج تدريب وطنية، وربط المنتخبات بالأندية والأكاديميات ضمن منظومة واحدة، يمثل الطريق الوحيد لضمان تخريج أجيال قادرة على المنافسة القارية والعالمية، لا مجرد المشاركة الشكلية.

ولأن التجارب الناجحة لا تُكذّب، فلن يضيرنا إذا ما اتخذنا من تجارب من سبقونا نموذجًا عمليًا وملهما نحتذى به، ولن نشطح بخيالنا ونتجه إلى النماذج الغربية، بل هناك نموذجا شبيه لظروفنا وبيئتنا، استطاع أن يحقق نجاحات كبيرة وعظيمة، وأقصد بها التجربة المغربية. فقد اختارت المغرب طريق التخطيط طويل المدى، واستثمرت في البنية التحتية، وأنشأت أكاديميات حديثة، ووفرت بيئة احترافية حقيقية للاعب والمدرب وكانت النتيجة نهضة واضحة تُوجت بوصول المنتخب المغربي إلى الدور نصف النهائي في كأس العالم، في إنجاز تاريخي غير مسبوق عربيًا وإفريقيًا، إلى جانب النجاحات اللافتة لمنتخبات الفئات السنية، ومنها تتويج منتخب الشباب بلقب عالمي مستحق.


هذه التجربة تؤكد أن النجاح لا يأتي بالمصادفة، وأن الاقتباس من التجارب الناجحة لا ينتقص من قيمة أي دولة، بل يعكس وعيها ورغبتها في التطور، ومصر، بتاريخها الكروي العريق وإمكاناتها البشرية الهائلة، قادرة على تحقيق نهضة مماثلة وربما أكبر، إذا ما توفرت الإرادة والرؤية الواضحة.

إن الاسترشاد بهذه التجارب لا ينتقص من قيمة الكرة المصرية، بل يعكس وعيًا بحجم التحديات ورغبة صادقة في الإصلاح، فمصر تمتلك تاريخًا كرويًا عريقًا، وجماهيرية طاغية، ومواهب لا تنضب، لكنها في حاجة إلى عقل يدير هذه الثروة، ومنظومة تحميها من الإهدار.

الكرة المصرية اليوم تقف على مفترق طرق حاسم: إما الاستمرار في الدوران داخل دائرة الإخفاقات وتبادل الاتهامات، أو اتخاذ قرار شجاع بالتحول إلى التخطيط العلمي والعمل الاحترافي. فالإصلاح الحقيقي لا يبدأ بتغيير الأسماء، بل بتغيير الأفكار، وبناء مشروع وطني يضع المستقبل نصب عينيه، ويعيد للكرة المصرية مكانتها التي تستحقها إقليميًا ودوليًا.

إن المطلوب اليوم ليس البحث عن شماعات نعلق عليها الإخفاق، ولا الاكتفاء بردود أفعال موسمية عقب كل خسارة، بل الشروع فورًا في بناء مشروع وطني لتطوير كرة القدم، تشارك فيه الدولة والاتحاد والأندية والقطاع الخاص، ويُدار بعقلية احترافية شفافة، تضع مصلحة الكرة المصرية فوق أي اعتبارات أخرى.

ختامًا، تبقى كرة القدم مرآة للتخطيط والانضباط بقدر ما هي لعبة جماهيرية، وإذا أردنا استعادة مكانتنا الطبيعية على المستويين القاري والدولي، فعلينا أن نؤمن بأن التطوير ليس قرارًا لحظيًا، بل مسارا طويلا يحتاج إلى صبر، وعلم، وإدارة واعية وحينها فقط، يمكن للكرة المصرية أن تعود إلى الطريق الصحيح، مسترشدة بالتجارب الناجحة، ومتسلحة بطموح لا يعرف المستحيل.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة