شهدت منطقة الشرق الأوسط، خلال العقدين الأخيرين، تحولًا لافتًا في خارطة المزادات العالمية، حيث أصبحت مدن مثل دبي والدوحة وأبوظبي محطات رئيسية لدور المزادات الكبرى، وعلى رأسها "كريستيز" و"سوثبى" التي وجدت في الخليج العربي سوقا واعدا يجمع بين الشغف بالفن والرغبة في الاستثمار الثقافي.
من أوروبا إلى الخليج: كيف بدأت الحكاية؟
تعود جذور المزادات إلى الحضارات القديمة، إلا أن الشكل الحديث لها تبلور في أوروبا خلال القرن السابع عشر، قبل أن تنتقل إلى الولايات المتحدة وتزدهر عالميًا، ومع مطلع الألفية الثالثة، بدأت دور المزادات العالمية في التوجه نحو الشرق الأوسط، مدفوعة بازدهار اقتصادي وثقافي، وبدعم من حكومات خليجية تسعى إلى ترسيخ مكانة مدنها كمراكز ثقافية عالمية.
في عام 2005، دشنت دار "كريستيز" أول مزاد لها في دبي، لتكون أول دار مزادات دولية تفتتح فرعا دائما في المنطقة، تبعتها "سوثبى" التي نظمت مزادات في الدوحة منذ عام 2009، مركزة على الفنون المعاصرة والمقتنيات النادرة.
دبى تحتفل بمرور 20 عاما على تأسيس كريستيز
ويذكر أن الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، أكدت أنّ الاحتفال بمرور 20 عاماً على تأسيس "كريستيز" في دبي هو احتفاءٌ بمسيرة حافلة من النجاحات، واكبت تحوّل الإمارة إلى مركز للإبداع وملتقى للحوار الثقافي والفني.
وقالت: "رسّخت دبي خلال العقدين الماضيين مكانتها حاضنةً إبداعية، وهيّأت بيئةً خصبة للنمو والتبادل الثقافي، ما أتاح الفرصة للمؤسسات الإبداعية مثل "كريستيز" وغيرها للتطور والازدهار، وأسهم في فتح آفاقٍ جديدة أمام الفنانين والمقتنين في المنطقة.
وأشارت إلى أن دبي تواصل دورها كجسرٍ ثقافي يربط المنطقة بالعالم، وملتقى عالمي للمؤسسات والفنانين والجمهور، ومركز محوري لتبادل المعرفة والاحتفاء بالإبداع وبناء إرث فكري وإبداعي مستدام، بينما يدعم هذا التوجّه شراكات استراتيجية تحرص الإمارة على توسيع دائرتها لتشمل كبرى المؤسسات الثقافية والإبداعية الرائدة حول العالم.
المزادات الخليجية.. بين الفخامة والهوية
في منطقة الخليج، برزت عدة مزادات عالمية ومحلية كمراكز رئيسية لتداول الفنون والمقتنيات النادرة، تأتي كريستيز دبي في الصدارة، كونها أول دار مزادات دولية افتتحت فرعًا دائمًا في الشرق الأوسط عام 2005، وتخصصت في بيع الأعمال الفنية الحديثة والمجوهرات والساعات الفاخرة.
أما سوثبى قطر فقد رسّخت حضورها في الدوحة منذ عام 2009، وركزت على الفنون المعاصرة العربية والتحف الإسلامية، مستقطبة جمهورًا دوليًا من هواة الجمع والمستثمرين.
في أبوظبي، تتعاون المزادات مع مؤسسات ثقافية كبرى مثل متحف اللوفر أبوظبي، حيث تُعرض مقتنيات تراثية وفنون عالمية في سياق ثقافي راقٍ.
وفي الرياض، بدأت المزادات تأخذ طابعًا محليًا ودوليًا، مع اهتمام متزايد ببيع السيارات الكلاسيكية والتحف النادرة، ما يعكس تنامي الاهتمام السعودي بسوق المزادات كجزء من رؤية ثقافية واقتصادية شاملة.
الفن العربي على منصات المزاد
أحد أبرز إنجازات هذه المزادات هو تسليط الضوء على الفنانين العرب، حيث شهدت السنوات الأخيرة بيع أعمال لفنانين مثل محمود سعيد، شفيق عبود، ومنى حاطوم بأسعار قياسية، كما ساهمت هذه المزادات في توثيق الحركة الفنية العربية وإدخالها إلى دوائر الاهتمام العالمي.
المزادات كأداة دبلوماسية وثقافية
لم تعد المزادات مجرد منصات للبيع، بل تحوّلت إلى أدوات دبلوماسية ناعمة، تعكس رؤية دول الخليج في الاستثمار بالثقافة والفن كجزء من استراتيجيات التنويع الاقتصادي، وقد ساهمت هذه المزادات في جذب جامعي التحف من أوروبا وآسيا وأمريكا، ما عزز من مكانة المنطقة على خارطة الفنون العالمية.
رغم هذا الزخم، تواجه المزادات في الشرق الأوسط تحديات تتعلق بتعزيز الشفافية، وتوسيع قاعدة الجمهور المحلي، وتطوير البنية التحتية القانونية لحماية المقتنيات الثقافية، إلا أن المؤشرات الحالية تشير إلى نمو مستدام، خاصة مع التوسع في المزادات الرقمية وتزايد الاهتمام بالفن العربي والإسلامي.

الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي مع ممثلى كريستيز