في عالم تتسابق فيه الشاشات لجذب انتباه الصغار، تظل الكلمة الجميلة والصورة البريئة هما المفتاح الأصدق إلى قلوب الأطفال، ومن بين المبادرات العربية التي آمنت بقدرة الحكاية على بناء الوعي وترسيخ القيم، تبرز الجائزة الدولية لأدب الطفل العربي بوصفها مشروعًا ثقافيًا وإنسانيًا يسعى لصياغة مستقبل يقرأ فيه الطفل العربي نفسه والعالم بعين منفتحة وخيال واسع.
وراء هذه الجائزة تقف مروة العقروبي، رئيسة المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، بروح تؤمن بأن بناء الإنسان يبدأ من أول كتاب يفتحه طفل، فهي ترى في كل قصة بذرة تنمو لتصبح شجرة معرفة، وفي كل رسمة نافذة تطل على عالم جديد.
في هذا الحوار، تتحدث العقروبي بشغف عن دور الجائزة في إثراء أدب الطفل العربي، وعن الحضور المصري اللافت هذا العام، وعن كيف يمكن للكلمة الموجهة للصغار أن تكون جسرًا للتواصل بين الثقافات، وسبيلاً لتشكيل جيل قارئ ومبدع.. إلى نص الحوار..
- بداية.. كيف تقيمين الحضور المصرى فى هذه الدورة بعد أن ضمت القائمة القصيرة 7 إصدارات مصرية دفعة واحدة؟
حين نتحدث عن مصر الثقافية، فإننا نستحضر تاريخاً طويلاً من الإبداع العربي الذي أغنى الوجدان الجمعي وأسس لمفاهيم الكتابة والفكر، فمن أرضها خرجت أقلام خالدة مثل نجيب محفوظ، أول عربي فاز بـ"نوبل" للآداب، إلى جانب أجيال متعاقبة من الكتاب والرسامين والمفكرين، لذلك، فإن الحضور المصري في هذه الدورة لا يعد مفاجئاً، بل امتداداً طبيعي لدور مصر الريادي في تشكيل المشهد الثقافي العربي.
من هنا فإن المشاركات المصرية تظهر في هذه الدورة تنوعاً فنياً وعمقاً موضوعياً يعكسان حيوية المشهد الأدبي في مصر وقدرة مبدعيها على التجديد في أدب الطفل واليافعين. فقد جاءت الأعمال المصرية محملة برؤى إنسانية معاصرة، وتعالج قضايا قريبة من واقع الطفل العربي.
- استقبلت الجائزة 407 مشاركات من 22 دولة.. ما الذي يكشفه هذا الرقم عن تطور مشهد أدب الطفل العربي في الوقت الراهن؟
الجوائز الأدبية تهدف دائماً إلى اختيار الأفضل والأكثر تميزاً من بين الأعمال المشاركة، لكن عندما يتزايد عدد المشاركات كما حدث هذا العام بأكثر من 400 عمل من 22 دولة، فإن المنافسة تصبح أقوى وأصعب، وهذا يجعل مهمة اختيار الفائزين أكثر دقة ومسئولية، خاصة مع تقارب مستويات الجودة وارتفاع وعي الكتّاب والرسامين بالمعايير.
أيضاً يكشف هذا الإقبال الكبير على المشاركة عن المكانة التي وصلت إليها الجائزة خلال الأعوام الماضية، إذ أصبحت منصة مهمة تشجع الكتاب والناشرين على تطوير أعمالهم والارتقاء بإبداعهم في أدب الطفل. كما يدل هذا التنوع على حيوية المشهد الثقافي العربي، ويؤكد أن الإبداع لم يعد مقتصراً على بلد واحد.
- تنوع الفئات الخمس للجائزة بين الطفولة المبكرة واليافعين والكتب غير الخيالية يلفت الانتباه.. كيف ترين تأثير هذا التنوع على تطور المحتوى العربي الموجه للطفل؟
تنوع الفئات في الجائزة يعكس فهماً عميقاً لطبيعة الإبداع الأدبي الموجه للطفل، فكل فئة تبرز جانباً من التميز لا يقل أهمية عن الآخر، فالعمل الأدبي الناجح لا يقوم على النص وحده، بل على انسجام عناصره من فكرة ورسوم ولغة ومعالجة تربوية ولهذا، فإن تقسيم الجائزة إلى فئات محددة من الطفولة المبكرة إلى اليافعين وصولاً إلى الكتب غير الخيالية، يمنح كل فئة مساحة لإبراز الجماليات الخاصة بها، ويتيح تقييم الأعمال وفق معايير دقيقة تراعي خصائص كل مرحلة عمرية.
هذا التنوع أسهم أيضاً في توسيع دائرة الإبداع العربي، إذ شجع المؤلفين والرسامين والناشرين على خوض تجارب جديدة في موضوعات وأساليب مختلفة، تتناسب مع احتياجات الطفل في كل مرحلة من مراحل نموه، كما أوجد توازناً بين الأدب التربوي والخيالي والواقعي، مما جعل المحتوى العربي الموجّه للطفل أكثر تنوعاً وثراءً.
- من وجهة نظرك هل ما زال أدب الطفل العربي يعاني من نقص في الترجمة والانفتاح على الثقافات الأخرى أم أن الوضع بدأ يتغير؟
نحن في الحقيقة لا نعتبر أن الوصول قد اكتمل، فحين نقول إننا وصلنا فلن نصل، الإبداع الثقافي لا يعرف محطة نهائية، وكل إنجاز نحققه هو خطوة جديدة في مسيرة متواصلة، ومن هذا المنطلق، فإن الجائزة أسهمت في تحفيز الإبداع العربي في أدب الطفل، وأنتجت مئات الأعمال المتميزة التي فتحت نوافذ واسعة على العالم، وقدّمت صورة ناضجة للطفل العربي أمام نظرائه في الثقافات الأخرى.
وقد بدأت ملامح الانفتاح فعلاً تتشكل، سواء من خلال الموضوعات التي تعالج قضايا إنسانية مشتركة، أو من خلال اتساع قاعدة المشاركات لتشمل دولاً من خارج العالم العربي مثل فنلندا وسويسرا وماليزيا وتشاد، ما يعكس إدراكاً متزايداً لأهمية التواصل الثقافي والتبادل الأدبي في هذا المجال، ومع ذلك، فإن الطموح لا يزال كبيراً حتى يأخذ أدب الطفل العربي مكانه الطبيعي في المشهد الدولي.
- كيف ساهمت الجائزة الدولية لأدب الطفل العربي في بناء جيل من الكتاب والرسامين والناشرين المتخصصين في هذا المجال؟
على مدى سبعة عشر عاماً، أسهمت الجائزة الدولية لأدب الطفل العربي في تكوين بيئة مهنية متكاملة لأدب الطفل واليافعين في العالم العربي، فالأعمال الفائزة في مختلف دوراتها أصبحت مرجعاً نوعياً يسترشد به المؤلفون والرسامون والناشرون في تطوير أعمالهم.
هذا التراكم المعرفي مكن الجائزة من أن تكون منصة تعليم غير مباشر، فالمبدعون الجدد يدرسون الأعمال الفائزة ويستلهمون منها الأساليب التي توازن بين الجمال الفني والقيمة الفكرية، مما وسع قاعدة المشتغلين في هذا الحقل ورسخ احترافهم له، كما شجعت الجائزة دور النشر على الاستثمار في كتب الأطفال واليافعين، بعد أن رأت أن هذا المجال يمكن أن يحقق حضوراً وتقديراً عربياً ودولياً.
إلى جانب ذلك أطلقت الجائزة برنامج "ورشة" لتأهيل جيل جديد من المواهب العربية في الكتابة والرسم، ما جعل أثرها يتجاوز التكريم إلى التأهيل والتكوين المهني.
- مكتبة الإسكندرية استضافت المؤتمر الصحفي هذا العام.. ما دلالة اختيار هذا المكان تحديدًا للإعلان عن القائمة القصيرة؟
الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة من مكتبة الإسكندرية يحمل معنى كبيراً، لأنه يربط بين المشروع العربي في أدب الطفل وبين التاريخ الطويل للمعرفة الإنسانية، فالمكتبة تعد من أهم رموز الثقافة في العالم، واختيارها للإعلان يؤكد أن الكتاب العربي أصبح جزءاً من المشهد العالمي للثقافة والمعرفة.
- في ظل التحولات الرقمية كيف تنظرين إلى مستقبل كتاب الطفل؟ هل ترين أن التكنولوجيا تهدد القراءة الورقية أم تمنحها شكلاً جديدًا من الحياة؟
المعرفة غاية، والكتاب سواء كان ورقياً أو رقمياً مجرد وسيلة للوصول إليها، فالطفل يمكن أن يتعلم ويتأثر من قصة مكتوبة، أو من عرض مسرحي، أو من فيلم وثائقي، أو حتى من لوحة فنية تحمل فكرة أو قيمة، لذلك، لا يمكن النظر إلى التحول الرقمي كتهديد، بل كتحول طبيعي في طرائق الوصول إلى المعرفة والتعبير عنها، فأحياناً قد تحدث صورة واحدة أو مشهد مرسوم أثراً أعمق في وعي الطفل من صفحات طويلة من النصوص.
انطلاقاً من هذه الفكرة، نرى أن التكنولوجيا منحت كتاب الطفل شكلاً جديداً من الحياة، فهي لم تلغ القراءة الورقية، لكنها أضافت إليها بعداً تفاعلياً يقرّب الطفل من النص ويجعله جزءاً من التجربة، وقد بدأت ملامح هذا التحول تظهر بوضوح في المشاركات التي تستقبلها الجائزة. ومع ذلك، يبقى التحدي الحقيقي هو الحفاظ على جوهر القصة، أن تظل اللغة رشيقة والفكرة إنسانية والقيمة واضحة، مهما تغيّر الشكل أو الوسيط.
- ما الرسالة التي تودين توجيهها للكتّاب والناشرين العرب المشاركين في الجائزة خاصة الجيل الجديد من المبدعين؟
رسالتي لهم أن يعيشوا في عالم الأطفال قبل أن يكتبوا لهم؛ أن يجلسوا معهم، ويستمعوا إلى قصصهم الصغيرة، ويلاحظوا كيف يفكرون ويتخيلون. ففكرة بسيطة أو موقف عابر قد يتحول إلى قصة تبقى في ذاكرة آلاف الأطفال، وعالم الطفولة مليء بالتفاصيل التي يمكن أن تلهم الكاتب أو الرسام ليعبّر بصدق عن مشاعر الطفل وحياته اليومية، إذ الكتابة والرسم للأطفال مسئولية تربوية وثقافية تتطلب وعياً عميقاً بخصائص الطفل واهتماماته، خاصة في هذا العصر.