حازم حسين

نظرة على غزة من نيويورك.. الأيديولوجيا ليست وطنا ولن تكون بديلا عن الوطن

الخميس، 06 نوفمبر 2025 02:00 م


من غزة إلى نيويورك؛ يبدو أن العالم يتغيّر فعلاً. ومن المبكّر الجزم بما إذا كان التغيير للأفضل أم الأسوأ، أو بمقداره وديناميكيته أيضًا. يُعاد تصميم النظام الدولى ببطء وسيولة، وتتخطّفه الاحتمالات من كل جهة؛ إنما المؤكّد أنه لن يظل على حاله، ولن يكون مثاليًّا، لسبب واحد بسيط، أن البشر بطبائعهم ليسوا مثاليين بالمرّة، وأنهم لا يتّفقون أبدًا على تصوّر واحد.

دخلت القضية الفلسطينية طورًا جديدًا بعد طوفان الأقصى، وأدخلت الجميع معها فى حساباتٍ مُعقّدة للغاية. كأنه أثر الفراشة الذى تحدّث عنه درويش فى إحدى قصائده؛ غير أنه كان إعصارًا فى الحقيقة، عُمِّدت وقائعه بالدم والوحشية المفرطة، ووضعت الأطراف كلها إزاء أسئلة لا قِبَل لها بها، ولا تتسلّح فى مواجهتها بأجوبة وافية.

لا حديث طيلة الساعات الماضية إلا عن مُفاجأة نيويورك، أو بالأحرى الانقلاب الكبير فى العام الأول من ولاية ترامب الثانية. فاز المُهاجر الاشتراكى بالمدينة بعد سبع سنوات فقط من استحصاله على الجنسية الأمريكية، ومن بين مخالب وأنياب ليست أشرس فى أى مكان، كما فى أكبر مُدن الولايات المُتحدة، وأكثرها تعبيرًا عن نزعتها الامبراطورية ورأسماليتها المتوحشة.

الحزب الديمقراطى فى أسوأ حالاته؛ حتى أنه كان مُنقسمًا على مُرشحه الرسمى الشاب زُهران مَمدانى. والترامبية تبتلع غيرها من أطياف اليمين، فيما رياح التطرُّف تهبُّ على العواصم الكُبرى بتكرارية دؤوب. وعلى قدر ما يصعب نسبة النتائج المُتحققة فى انتخابات الثلاثاء إلى الأيديولوجيا؛ فإنه لا يُمكن تجنيبها تمامًا فى الوقت نفسه، ولا التحلل من إشاراتها الوامضة بما تنطوى عليه من دلالات.

من التبسيط المُخلّ أن يُنظَر لحاكم نيويورك الجديد من جهة كونه مُسلمًا، أو بالإحالة إلى مواقفه الشخصية تجاه الجرائم الإسرائيلية طوال شهور العدوان على غزة. ولا معنى للإشارة إلى خلفيته العِرقية؛ ذلك أنه فى بلدٍ تأسّس على أكتاف المُهاجرين بالأساس، والجذور القريبة نسبيًّا للرئيس نفسه تُطلّ من بلادٍ بعيدة.

بيد أن ما يتعذّر التفسير به وحده، لا يصح كذلك أن يُستَبعَد فى الرؤية الشمولية الكاملة. وانتخاب «مَمدانى» حصيلة مُسبّبات عِدّة؛ لعل أهمها البَرَم من سياسات الإدارة الجمهورية، والحاجة الطبيعية إلى تخليق التوازن من الداخل، فضلا على الإشارة إلى قدرٍ لا يُستهان به من التحوّلات النفسية والفكرية لدى قواعد الناخبين؛ خاصة الشباب مِمّن ينفلتون من عقال الماضى، ولا يجدون فى الحاضر ما يُطمئنهم على البلد الذى يأملون أن يكون حاضنة لمستقبلهم الغامض.

انحرف الديمقراطيون فى الخطاب والممارسة، ولا يُمثّل الشاب الطالع رغمًا عن النُّخَب التقليدية عودة للمنابع الصافية؛ إنما هو أقرب إلى الانحراف على الانحراف. وما غَطِّيت اندفاعته الحادة إلى اليسار؛ إلا بانجراف اليمين إلى ما وراء المُعتاد. وهو فى الأخير موجة لن يتعدّى أثرها الشاطئ، ولا تُؤسِّس لتيّارٍ جديد فى نهر الحزبية أو تركيبة الحُكم؛ ذلك أنه لا يستند لجناحٍ أيديولوجى مُهيمن، ولا يُرَحَّب به قائدًا داخل العائلة، وتمنعه الولادة فى أوغندا من مُجرّد الحلم بأن يصّاعد على الدَّرَج وصولاً إلى رأس المنظومة.

غالبُ الظن أنه جُملة اعتراضية، وصرخة غضب تُشهَر فى وجوه الطبقة السياسية التقليدية من الحزبين. إنه تصويت عقابى للجمهوريين وعلى رأسهم ترامب، وتقريعى للديمقراطيين من أوباما إلى بايدن وكامالا هاريس، وبطبيعة الحال طائفة المُتعثّرين منهم الآن فى الاشتباك مع الإدارة أو تلافى ضرباتها، والتسبُّب معها فى أطول إغلاق حكومى عرفه الأمريكيون طوال تاريخهم.

قبل أيام تحدث ترامب فى حوار مع CBS، داعيًا الناخبين بمن فيهم القاعدة الجمهورية إلى التصويت للديمقراطى أندرو كومو. بالرغم من هوية الرجل السياسية، وما حاق به من اتهامات الفساد والاستغلال الجنسى؛ فقد برّر الرئيس ترويجه له على حساب مرشح حزبه؛ بأنه يُفضَل الديمقراطى السيئ على الشيوعى. وربما ذهب المقترعون فى خيارهم إلى الفكرة نفسها؛ أى إلى السيئ بدلاً من الأسوأ.

ووراء ذلك؛ ثمّة غضب مكتوم من سياسات داخلية وخارجية، كان المحفّز على إعادة تعويم اليسار فى أجواء يمينية واضحة؛ لأن السياق بدا كما لو أنه يُنتَزَع بعُنف من العام إلى الخاص، ومن الخلاف والجدل على الأفكار، إلى الشخصنة ونزاعات الذوات الفردية. تُختَزَل الدولة فى الإدارة، وهى بدورها لا تتجاوز شخص سيّدها. ما يفرض الحاجة إلى إرساء عقبات، أو البحث عمّن يستطيعون أن يقولوا لا، حتى لا يكون الخضوع الجماعى عنوانًا للمرحلة.

والتناقض الجلىّ بين حرب ترامب الشعواء على الديمقراطيين عمومًا، ودعايته التطوّعية لكومو ببراجماتية واضحة ومفهومة، هو ذات ما يُرَى منه فى مُقاربته للأزمة الفلسطينية، ومُحرّكات اللحظة الراهنة من عُمر صراعها الطويل، وغير القابل للحسم فى القريب.

إذ لا يكتفى البيت الأبيض بالانحياز للسرديّة الإسرائيلية فحسب؛ بل يستميت فى الإبقاء على توازنات القوى داخل تل أبيب، ولا يجد حرجًا فى توجيه رئيس الدولة العبرية بالعفو عن نتنياهو من تُهَم الفساد، أو إسداء الأوامر فى صيغة النصيحة لزعيم المُعارضة، ووجوب أن يعمل مع غريمه بدلاً من أن ينافسه أو يسعى إلى وراثته.

صحيح أنه وضع خطّة متعددة المراحل لإنهاء الحرب؛ لكنها خرجت غامضة ومُعبّأة بالمخاطر والتحديات. وما التجأ لتلك الطريق أصلاً؛ إلا عن اصطدام باستحالة مواصلة المسير فى غيرها. وخيار الضرورة لا يُبنَى عليه تقييم حقيقى للرؤى والنوايا، لا سيما مع تركيبة مزاجية وسريعة الانفعال والتقلُّب، وتُدير المسائل الكُبرى بمنطق الأعمال التجارية الصغيرة، وأولوية المنفعة اللحظية على الأثر طويل المدى.

بُنِيَت الخطّة بالفلسفة نفسها؛ أى المبادرة الغامرة لإحراز نجاح خاطف، ثم مواصلة الحركة لاحقا بالقصور الذاتى، وقوّة الحقائق المُخلّقة على الأرض. كانت بدايتها أسهل المراحل الثلاثة، ورغم هذا تعرّضت للتشويش والتشغيب من طرفيها، وما تزال القاهرة فى محاولات مستميتة لإنقاذها وتثبيت وقف إطلاق النار، وتُدِفِّع العربات المُعطّلة هُنا وهناك للانتقال إلى المسائل المفصلية التى يصح الحديث بعدها عن وقف الحرب أو التمهيد للسلام.

وعندما تفرغ حماس من تسليم الجثامين؛ لن يكون معها ما تتفاوض عليه أو تقايض به إلا هياكلها وسلاحها. بينما تحتفظ إسرائيل بكامل عنفوانها، وتقضم من القطاع ما يزيد على نصف مساحته، وهى الأحق بالبحث فى آليات التطويق وتحصين الصفقة من نواياها المُضمرة. أى أن تتوافر الظروف الكفيلة بالتدرُّج فى البنود العشرين، مع سدّ الثغرات التى يُمكن أن ينفلت منها نتنياهو وعصابته لإرباك التعافى أو تأبيد حال الجمود.

لن تعود الحرب طالما لا يُريدها ترامب؛ لكن واجبه أن يكون ضامنًا حقيقيًّا للخروج منها تحت كل الأوضاع والاحتمالات. وهذا ما لا يتحقق للأسف فى مشروع القرار الذى أعدّته الأُمميّة، استجابة لمطالبات وضغوط مصرية بأن تكون «قوّة السلام» المقترحة للعمل فى القطاع، مفوّضة بموجب قرار واضح من مجلس الأمن، بمهام وصلاحيات وآجال مُحدّدة.

وما تردّد عن المسوّدة حتى الآن؛ بحسب ما نشره موقع أكسيوس وتداولته جهات وثيقة الصلة بالإدارة أو أروقة المجلس؛ أن ينطوى على تفويض بشأن الأمن وتوزيع المساعدات، وبمنطق أنها قوّة تنفيذية لا مجموعة لحفظ السلام، وبفسحة ممتدّة لآخر 2027 مع إمكانية التجديد، والتزامات بشأن نزع سلاح الفصائل؛ إنما يتجاور كل هذا مع مزايا ومسموحات واسعة لجيش الاحتلال، تتضمّن فى ثناياها ما يُوحى بالبقاء طويلاً، أو يُقيّد مدى الانحساب المنصوص عليه فى الورقة الأساسية.

والحال؛ أن إسرائيل لم تكن بعيدةً من ورشة الصياغة، بل إنها صاحبة الإسهام الأكبر فيها على ما يبدو. لأن المُشار إليه يمنحها كل ما تطلّعت إليه، ويسلب من حماس وحلفائها ما تبقّى لهم، ولا يُقدّم شيئًا ملموسًا للغزّيين إلا وعود الطعام والإعمار، دون خُطط تفصيلية أو مستهدفات قابلة للقياس. وكل ما يُتَوَقّع الخلاف عليه؛ فإنه يُحال لمجلس السلام الذى يترأسه ترامب، ولا يعرف أحد إلى الآن كيف سيتشكّل أو يجتمع أو يتّخذ قراراته ويُلزم بها الطرفين.

وإذا كان مُقرّرًا أن يُعهَد بالقطاع إلى إدارة تكنوقراطية غير فصائلية، تُعاونها أجهزة تنفيذية مُنتقاة وقوات شرطة مُدرّبة؛ فإن مجلس السلام هُنا فى وضعية الحاكم المباشر فعليًّا؛ فيما يتعامل مع إسرائيل كشريك أو ندٍّ مساوٍ له؛ أى أن له كل الصلاحيات على طرفٍ، ولا ولاية له إطلاقًا على الآخر، ومع الانحياز المعروف فقد يتحوّل إلى مندوب للعدو، أو نائب عن مصالحه فى بيئةٍ مُهَدّمة، ولا يُستَبقَى من ماضيها إلا إرث الانقسام والقطيعة مع الضفة الغربية وسلطتها الشرعية.

ذاك الانقسام الحاضر بثِقَله الغبى إلى الساعة، أكان فى الاختلاف على الإدارة الانتقالية، أم فى التنازُع على احتكار الصورة فى برواز لا يجد جدارًا يتعلّق عليه من الأساس. اجتمعت الفصائل وتشاورت، ثم عادت مُجدّدًا من دون فتح. رام الله ترى وجوبيّة ربطها بمهمّة الانتقال من الآن، وحماس تُعطيك من طَرف اللسان حلاوة؛ لكنها على ما يبدو تتقبّل أن تُوجّه خسائرها لرصيد الاحتلال، ولا تستفيد بها منظمة التحرير، أو تكون مُقدّمة لعودة السلطة إلى القطاع مُجدّدًا.

ومع الخراب العميم، وغياب الأفق والرؤية، وعجز الفصائل عن إنقاذ ذواتها أو مداواة جراح القطاع؛ فإن الحلول الواردة من الخارج لا تجد مُنافسًا لها من الداخل، والخواء نفسه يُضعف مواقف القوى الإقليمية الساعية إلى شىء من التوازن ميدانيا وسياسيا وعلى المدى الطويل.

والخلاصة؛ أن كل الضغوط والاعتراضات غير الفلسطينية، بل والفلسطينية أيضًا، لا قيمة لها من دون بناء أجندة وطنية موحّدة، والتلاقى على أُطر واضحة لا ينفُذ العدو من فراغاتها الواسعة، ولا يتطوّع الرماديون بسدّ الثغرات فيها كما يُحبّون أو يعِنّ لهم.

فوز زُهران مَمدانى عَرَض على مرض يستوطن الجسد الأمريكى، والعالم بطبيعة الحال. نسخته الأيديولوجية فشلت فى بيئتها، وتحوّل عنها أنبياؤها ومبشّروها وما زالوا. النموذج الحضارى للغرب قائم على المظالم أصلاً، ومحاولات تصويبه من خارجه قد تسلبه غربيّته وتحضّره، ولن تجعله إنسانيا أيضًا. بالضبط كما كان الإسلاميون لدينا، وبكل تنوّعاتهم، خنجرًا فى خاصرة الدين والوطن على السواء.

ولا يعنى ذلك أن التجربة محكومة بالفشل؛ لكنها تُبشّر بأكثر مما تقدر عليه، وتتعهّد بما يتناقض مع مُسبّبات صعودها بالأساس. ذلك أن الطوباوية المُتصوّرة فيها ستُعمّق الاختلالات بدلاً من ضبطها، وسيتولّد عنها ارتداد أكثر عُنفًا وشراسة لاحقًا، أكان بتضارب المصالح وصراعات القوى الاجتماعية والمؤسسات العميقة، أم بالتجاوب الاضطرارى مع صعود أقطاب عالمية مُنافسة. إنها حالة انتفاض وإنذار؛ بأكثر من كونها مشروعًا قابلاً للاستدامة والتعميم.

سيجد أنصار «الاستبدال العظيم» ما يبيعونه لقواعدهم المُحافظة. ترامب نفسه سيجد نموذجًا يُسقِط عليه دعاياته اليمينية الصاخبة، وكل إنجاز يُحرزه النموذج المطروح سيُنسَب لصاحبه، وكل إخفاق سيرتدّ على أفكاره وخلفيّته المعرفية والعقائدية. سيزدهر اليمين أكثر وأسرع مع مُناوشات يسارية محكومة ومُتقطّعة، أو مع يمين نظير يُناديه ويتجاوب معه من وراء الحدود والمُحيطات. فالمتطرفون فى كل الدنيا عائلة واحدة.

صعود الجناح الأكثر تقدّمية داخل الحزب الديمقراطى ربما يكون نتاجًا لانطفاء بقيّة الأجنحة وذبولها. وعائد النجاح سيتساقط على الجميع، ما يُنعش الحزب، ويُعيد فى الوقت ذاته إذكاء المنافسة داخل البيت بأشرس مِمّا هى مع الجيران.

شكّل الإخوان منذ نشأتهم خطًّا بلا منافس؛ حتى أن أفكار سيد قطب انعكست فى أدبيات الخمينى والجمهورية الإسلامية؛ ثم توزّع السيل فى الأرجاء، وانقسموا على أنفسهم، من الجهاد والجماعة الإسلامية إلى القاعدة وداعش وصولاً لجبهة النصرة، التى تتعثّر اليوم بين حاضرها السياسى وماضيها الإرهابى.

هلل الإسلاميون لفوز زُهران مَمدانى، كما فعلوها فى السابق مع صعود أبو محمد الجولانى على أنقاض العائلة الأسدية فى سوريا، ويفعلونها حتى اللحظة بشأن الطوفان على الرغم من كل تداعياته النكبوية.

وبعيدًا من أن حاكم نيويورك الجديد لا يرى فوزه نصرا للإسلام أصلا كما يعُدّه الأصوليون لدينا؛ فإن مُغامرة السنوار أربكت الشام بكامله، وعصفت بلبنان وصولاً لرأس المُمانَعة فى طهران، وتشبيك الحلقات ببعضها لا يعنى أن المُقاومة أفرزت خصمًا لترامب فى بيئته؛ بل بالأحرى هشّمت توازنات الإقليم بدرجة أكبر، ووضعته أمام امتحانات سابقة لأوانها، ولا يملك مادّتها وإمكانية التصدّى لها؛ فضلا على أن تغيّرات الخارج لن تنعكس عليه الآن، وتداعياتها المُستقبلية ستكون من نصيبه لاحقًا للأسف.

لم تعُد الولايات المتحدة جديرة بقيادة العالم؛ لكنه لا بديل عنها. المنافسون تتوزّع جهودهم على عناوين عِدّة: تحالفات الجنوب فى الاقتصاد، ومناكفات الشرق فى القوّة والسياسة. و«فخ ثوسيديدس» يُوجب القلق أكثر من الارتياح؛ ذلك أن ما كان بين آثينا واسبرطة، لا يجد من يخوضه اليوم مع واشنطن. لا أحد يريد التعجيل بالصدام، ولن يمنع إرجاؤه من وقوعه لاحقا. ناهيك عن أن نتنياهو يستعير صورة اسبرطة؛ ولسنا آثينا أيضًا.

عسكرة الصراع مع إسرائيل ليست الخيار الصائب، فى الطوفان أو سواه. وتبريده ضمن ثنائية مُغلقة أيضًا. الحل فى تدويله، عاطفيا كما جرى طيلة السنتين الماضيتين، وعمليا بقرار تفويض سُلطة الانتقال من مجلس الأمن، وتعديل المشروع الأمريكى ليتضمن نصوصا وضوابط واضحة، ويخلع غزّة من دوّامة الفوضى والسيولة والجمود، ويُعيدها إلى أهلها أوّلاً، ثمّ تحت مظلة الشرعية الفلسطينية؛ مهما بدت هشّة وأضعف من الاضطلاع بالمهام الواجبة.

ربح مَمدانى ليس إنصافا للسنوار من وراء البحار، ولا غضبة الأجيال الجديدة فى الغرب من مواقف حكوماتها. ما يُنصف حماس بكاملها ألا تُكرّر أخطاءها، أو تُعرّض بيئتها للمقامرات غير المحسوبة. الغرب يسبقنا بأميال ضوئية، وإعادة تشكيله اليوم لا تخصّنا من قريب أو بعيد؛ ذلك أننا فى ماضٍ سحيق لمَّا نُغادره بعد.

الدولة الوطنية أوّلاً؛ ثم اللعب فى مكوّناتها بالتعديل والتطوير والترتيب. نحتاج فعلاً للتوقّف عن التفكير بالتمنّى والرغائبية، وعن تعويض إخفاقاتنا بانتصارات الآخرين. بيننا وبينهم ما لا نقدر على جَسره، وما يُتيح لهم الفوز فى كل مواجهة؛ طالما لم نعرف بعد أننا نُبدّد طاقاتنا، ونقف على الجانب الخطأ من التاريخ.

والدليل زُهران نفسه، الذى فاز فى بيئة مُركّبة كأعمق ما يكون التركيب، وبأصوات أغنياء وفقراء ويهود ومُهاجرين من كل الجنسيات، بينما لا يتّفق اثنان فى غزّة وغيرها على تعريفٍ للقضية والوطن. والمُؤكّد أنه لو قُدِّر له أن يكون رئيسًا؛ ودعك من العائق الدستورى، وتعارضت المصالح بيننا؛ فلن يكون أكثر رأفة بالمنطقة وأهلها من بوش وأوباما وترامب، وربما من نتنياهو نفسه.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب