كشفت دراسة جديدة، شملت فحص مومياوات عمرها 7000 عام من صحراء أتاكاما في تشيلي، أن حجم أدمغة الصيادين وجامعي الثمار في عصور ما قبل التاريخ كان أصغر بكثير من حجم أدمغة السكان المعاصرين، مما يشير إلى قرون من المعاناة الغذائية في واحدة من أكثر بيئات الأرض قسوة.
حللت الدراسة، التي نشرت مؤخرًا في مجلة Scientific Reports، 68 جمجمة قديمة من حضارة تشينتشورو العريقة، ووجدت أن متوسط حجم الجمجمة لديهم أقل بنسبة 12% من متوسط حجم الجمجمة لدى التشيليين المعاصرين، يلقي هذا الاكتشاف ضوءًا جديدًا على كيفية تأثير الظروف البيئية القاسية في التطور البشري بأمريكا الجنوبية في عصور ما قبل التاريخ.
سكن شعب تشينتشورو ساحل صحراء أتاكاما بين 7500 و3500 عام مضت، وخلفوا أقدم بقايا مومياء محنطة صناعيا معروفة في العالم، والتي سبقت التحنيط المصري بآلاف السنين، وباستخدام تقنية التصوير المقطعي المحوسب المتقدمة، قام باحثون من مؤسسات تشيلية ودولية بقياس أحجام جماجم هؤلاء الأفراد القدماء، وقارنوها بكل من السكان الزراعيين قبل العصر الإسباني والسكان التشيليين المعاصرين.
كشفت النتائج أن متوسط الحجم الداخلي للجمجمة لدى ذكور تشينتشورو بلغ 1390.65 سم³، بينما بلغ لدى الإناث 1247.65 سم³، وهو أقل بكثير من نظرائهم المعاصرين.
النظام الغذائي البحري والقيود الغذائية
اعتمدت استراتيجية عيش شعب تشينتشورو بشكل شبه كامل على الموارد البحرية، فقد أكد التحليل النظائري أن نحو 90% من غذائهم كان يتكون من الأسماك والرخويات والثدييات البحرية ورغم أن المحيط وفر مصادر بروتين مستقرة، إلا أن هذا النطاق الغذائي الضيق ربما ساهم في سوء التغذية خلال فترات النمو الحاسمة.
وأشار الباحثون في دراستهم المنشورة في Nature Scientific Reports إلى أن "سوء التغذية في مرحلة مبكرة من الحياة يرتبط باستمرار بانخفاض حجم المخ وضعف الإدراك، مما يسلط الضوء على الأهمية الحاسمة للطاقة الكافية وتناول العناصر الغذائية خلال فترات النمو العصبي".
كانت صحراء أتاكاما شديدة الجفاف، إذ لا يتجاوز معدل هطول الأمطار السنوي مليمترًا واحدًا، وتكاد تفتقر كليًا إلى الموارد الغذائية الأرضية، وقد أجبر هذا القيد البيئي شعب تشينتشورو على تطوير تكيفات ملحوظة مع الحياة الساحلية، لكنه أدى أيضًا إلى نمو أطفالهم دون الحصول على العناصر الغذائية المتنوعة المتاحة للمجتمعات الزراعية اللاحقة أو للسكان المعاصرين.
وبناء على تحليل الهيكل العظمي، قدر الباحثون أن متوسط طول ذكور تشينتشورو بلغ نحو 161 سم، بينما بلغت الإناث نحو 151 سم أي أقصر بكثير من سكان تشيلي الحاليين.
التحول الزراعي لم يحدث فرقا كبيرا
من المثير للدهشة أن الدراسة كشفت أن الانتقال من نمط الحياة البدائي إلى نمط الحياة الزراعي قبل نحو 4000 عام أحدث تغييرات طفيفة فقط في حجم الدماغ، فقد أظهر المزارعون ما قبل الإسبان، الذين زرعوا نباتات من نمطي الكربون₃ والكربون₄ مع استمرارهم في استغلال الموارد البحرية، متوسط حجم داخل الجمجمة بلغ 1336.57 سم³ — أي أكبر قليلًا من أسلافهم من شعب تشينتشورو، وتتحدى هذه النتيجة الافتراضات بشأن ما الفوائد البيولوجية لتبني الزراعة بين شعوب قبل التاريخ.
وأشار الباحثون إلى أنه بالرغم من أن الزراعة أدخلت مصادر غذائية جديدة، فإن جودة وكمية التغذية ربما لم تتحسنا بشكل ملموس لعدة قرون، كما تشير الأدلة الأثرية إلى أن المجتمعات الزراعية المبكرة في المنطقة واجهت تحدياتها الخاصة، بما في ذلك العنف بين الأفراد على الموارد الشحيحة والاعتماد المستمر على البروتين البحري.
وخلص مؤلفو الدراسة إلى أنه بينما لم تؤد التحولات في استراتيجيات البقاء في عصور ما قبل التاريخ إلى تغييرات كبيرة في الطول أو حجم الجمجمة، كان القرن العشرون نقطة تحول أساسية".