احتلت الكويت فى مؤشر القوة الناعمة العالمى المرتبة الأربعين، وهى مرتبة متقدمة على العديد من الدول التى تبذل الكثير من أجل مرتبة متقدمة فى هذا المؤشر، ليبقى السؤال: كيف احتلت الكويت هذه المرتبة؟
فى حقيقية الأمر احتلت الكويت هذه المرتبة بدورها الثقافى والعلمى فى المنطقة العربية وخارجها، بمشروع متماسك إلى الأن أتى نتيجة وعيها المبكر بأنها لها دور فى تعزيز الثقافة العربية، فالكويت أصدرت مجلة العربى أهم المجلات الثقافية العربية، هى التى تخلت عن الأنا الوطنية لتجعلها مجلة العرب، حتى رأس تحريرها كل من الدكتور أحمد ذكى والأستاذ أحمج بهاء الدين من مصر، ثم مفكرين من الكويت ممن لهم أحترام كبير على الصعيد العربي، وقد حان الوقتلكى تطلق الكويت نسخة معاصرة من مجلة العربي، فابالاضافة لطباعتها يجب إصدار نسخة منها لتكون أول مجلة ثقافية عربية تفاعلية تواكب التحولات التى تفرض الثقافة عبر الفضاء الرقمي، وهنا لابد أن تخرج المجلة فى ثوب مؤسسى يجعلها تغرى القاريء على التعاطى معها بصورة يومية.
لكن اضافة إلى العربي، أصدرت الكويت مجلة عالم الفكر التى تعد من المجلات الفكرية العربية التى حافظت على مستواها لسنوات، وكذلك عالم المعرفة وهى سلسلة كتب شهرية لم تتنازل عن مستواها الرفيع الراقي، ففى ظل تراجع المحتوى المعرفى العربي، لم ترضخ السلسلة لهذا التراجع، بل جعلت جهودها مركزه فى ترجمة الكتب فى موضوعات جديدة لتحدث العقل والمعرفة العربية، وهذه الكتب والمجلات جعلت الكويت فى كل بيت عربي، لذا لم تمتلك الكويت صوتا عاليا، بل امتلكت صوتا هادئا مؤثرا بعمق فى الثقافة العربية.
على الصعيد الأكاديمى كانت جامعة الكويت تقدم كتب علمية رصينة ومجلات علمية رفيعة المستوي، وليس أدل على ذلك من حوليات كلية الدراسات الإنسانية فى جامعة الكويت، وفى جانب أخر ما تزال جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمى تحظى باحترام دولي.
إن ما تنفقه الكويت على كل ما سبق ليس بالكثير، ولكنه أعطاها مكانه ارتبطت بالثقافة والعلم، فصارت قرينة لهما، بل إن العديد من الشخصيات الكويتية قدمت فى هذا السياق جهودا كبيرة، وليس أدل على ذلك من جهود الشيخة حصة الصباح التى قدمت عبر دار الأثار الإسلامية معارض للفن الإسلامى جابت العالم، وفضلا عن ذلك أثارت عبر موسم علمى قضايا فى الفن الإسلامى صارت محل نقاشات موسعه فى منتديات ودراسات الفن الاسلامى فى العالم، ومطبوعات دار الأثار الاسلامية توجد فى كل مكتبات ومكتبات المتاحف فى العالم بوصفها مراجع لا غنى عنها، وفى جهد أخر قدم أرشيف الشارخ للمجلات الثقافية العربية خدمات جليلة للباحثين، ولذا صار هذا الموقع الكويتى من أكثر المواقع التى لها زيارات من كل أنحاء العالم.
إن كل ما سبق نجاحات حصدت الكويت نتائجها فى مؤشر القوى الناعمة الدولي، لكن حان الوقت لتجرى الكويت مراجعات فى هذا المشروع، لكى تكون متواكبه مع الفضاء الرقمي، وخاصة أن الجمهور الكويتى جمهور قاريء، فلا يوجد بيت فى الكويت دون مكتبة، ومعرض الكويت الدولى للكتاب شاهد على ذلك فالمعرض الأخير الذى أقيم فى شهر نوفمبر 2025 شهد اقبالا من الجمهور الكويتي، ومن يدقق سيجد أن الأطفال قبل الكبار يقبلون على الكتب بل يناقشون من يعرضونها فى موضوعاتها، خاصة أن المعرض كما الكويت هاديء منظم بصورة جيدة، ترى فيه صعودا لعدد من دور النشر الكويتية التى لم يتجاوز عمر بعضها الخمس سنوات، وهى تصدر الكتاب خارج الكويت فقد كانت الكويت تستورد الكتب من العديد من الدول، الأن مع جيل جديد من الكتاب ودرو نشر صاعده صار لحركة النشر فى الكويت مكانة خاصة.