يُعد التهاب الأوتار في اليد أو الكوع من المشكلات الشائعة التي تُصيب فئة كبيرة من البالغين، خصوصًا أولئك الذين تتطلب أعمالهم تكرار الحركات الدقيقة أو رفع الأوزان الخفيفة باستمرار. هذا النوع من الاضطرابات العضلية الهيكلية لا يرتبط فقط بالإجهاد الميكانيكي، بل تُشير الدراسات الحديثة إلى وجود عوامل داخلية تلعب دورًا أكبر مما كان يُعتقد، من أبرزها التدخين والتقلبات الهرمونية.
وفقًا لتقرير نشره موقع Medscape، فإن تراكم العوامل المؤثرة مثل التدخين المزمن أو التغيّرات الهرمونية المرتبطة بالحمل أو انقطاع الطمث قد يزيد احتمالات الإصابة باعتلال أوتار اليد والكوع، ويضاعف من صعوبة التعافي لدى النساء على وجه الخصوص. ويؤكد الخبراء أن التعرف على هذه العوامل مبكرًا يساعد على تفادي اللجوء إلى الجراحة أو الحقن في المراحل المتقدمة من المرض.
العوامل التي تُضعف الأوتار
تتكوّن الأوتار من ألياف الكولاجين المرنة، التي تتيح للعضلات تحريك المفاصل بسلاسة. ومع مرور الوقت، قد تؤدي بعض الممارسات مثل التدخين المستمر إلى ضعف الإمداد الدموي لتلك الألياف، مما يقلل من قدرتها على الترميم بعد الإجهاد. ويُعد التدخين من أهم العوامل التي تؤخر شفاء الأنسجة، إذ يقلل من إنتاج الكولاجين الجديد ويزيد من تراكم السموم التي تُضعف الخلايا.
أما لدى النساء، فإن التغيرات الهرمونية خلال مراحل مثل الحمل أو الرضاعة أو انقطاع الطمث تُحدث اضطرابات في نسب الهرمونات المنظمة للأنسجة الضامة، مما يجعل الأوتار أكثر عرضة للالتهاب أو الانحباس داخل الأغلفة المحيطة بها. هذه الحالة تُعرف طبيًا باسم “اعتلال الأوتار”، وقد تترافق مع متلازمات ضغط الأعصاب مثل متلازمة النفق الرسغي أو التهاب غمد الوتر دي كيرفان.
لماذا النساء أكثر عرضة؟
يشير الأطباء إلى أن زيادة هرمون البرولاكتين أثناء الحمل والرضاعة تساهم في احتباس السوائل داخل الأنسجة، ما يؤدي إلى ضغط على الأوتار والأعصاب الصغيرة في اليد. أما عند انقطاع الطمث، فيُقلّل نقص الإستروجين من مرونة الأنسجة ويزيد من فرص حدوث التهابات مزمنة في مفصل الكوع أو الرسغ. كما أن بعض العلاجات الهرمونية لسرطان الثدي أو اضطرابات الغدد الصماء قد تفاقم المشكلة، نظرًا لتأثيرها على توازن الهرمونات المسؤولة عن بناء النسيج الضام.
علامات تحتاج إلى تقييم طبي
من أبرز الأعراض التي تستدعي مراجعة الطبيب: الألم الموضعي عند تحريك اليد أو الإمساك بالأشياء، والتيبس الصباحي، أو الشعور بوخز ينتشر حتى الساعد. وفي حالات أكثر تقدمًا قد يُلاحظ ضعف في القبضة أو محدودية في حركة المعصم. وغالبًا ما يكون الفحص السريري كافيًا لتشخيص الحالة، لكن في بعض الأحيان تُستخدم الموجات فوق الصوتية أو التصوير بالرنين المغناطيسي لتحديد مدى تضرر الأوتار أو وجود تمزقات دقيقة.
العلاجات المتاحة
يبدأ العلاج عادةً بإراحة اليد أو الكوع المصاب وتجنب الحركات المتكررة. ويمكن استخدام الجبائر أو الكمادات الدافئة لتقليل الالتهاب. كما تُستخدم حقن الكورتيكوستيرويد في بعض الحالات المؤلمة، في حين تُعد الجراحة خيارًا أخيرًا عند فشل العلاجات التحفظية. ويُشدّد الأطباء على أهمية الإقلاع عن التدخين، لأنه يُبطئ التعافي ويزيد من احتمالات عودة الالتهاب.
أما في حالات النساء الحوامل، فيُفضَّل الاعتماد على العلاج المحافظ فقط، مثل الجبائر والدعامات والعلاج الطبيعي، مع تجنّب أي تدخل جراحي حتى بعد الولادة، حيث تختفي معظم الحالات تلقائيًا مع استقرار مستوى الهرمونات.
نظرة أعمق على العلاقة بين الهرمونات والأوتار
تُظهر الأبحاث أن الأوتار ليست أنسجة خاملة كما كان يُعتقد سابقًا، بل تستجيب مباشرة لتغيّرات الهرمونات التي تنظم نمو الكولاجين ونشاط الخلايا الليفية. عندما يتراجع إنتاج الإستروجين أو يختل توازن الهرمونات الأخرى، تصبح الأوتار أقل مرونة وأكثر عرضة للتمزق. وهذا ما يُفسر ازدياد الإصابات لدى النساء في فترات التغير الهرموني الكبرى، مثل الحمل أو سن اليأس.
أهمية المتابعة طويلة الأمد
يشير الأخصائيون إلى أن التهاب الأوتار قد يتحول إلى حالة مزمنة إذا لم يُعالج مبكرًا. لذا، يُوصى بالمتابعة الدورية مع الطبيب المختص بالعظام أو الأعصاب، مع إجراء فحوصات للتأكد من عدم وجود مشكلات في الغدة الدرقية أو أمراض التهابية مصاحبة مثل التهاب المفاصل الروماتويدي.
إن التعامل المبكر مع الأعراض وتعديل نمط الحياة – خصوصًا الابتعاد عن التدخين والحفاظ على نشاط بدني معتدل – يُعد الخطوة الأهم في حماية المفاصل والأوتار من التدهور.