- صدمات نفسية تخرس الأطفال وتجمد لغتهم
- ولد نائل شلبي: استشهد ابني أمير ونائل فقد حواسه كلها
- برامج حماية في غزة تصارع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
- والدة على قاعود: ابني كان يتعلم الكلام والحرب جعلته يصرخ فقط ثم صمت للأبد
- 6 من كل 10 أطفال فقدوا قدرتهم على النطق
- أخصائية التخاطب: الخوف يكمم ألسنة الأطفال قبل أصوات القصف
- حكيمة طوارئ الأطفال: هذه الفئة منهارة نفسيا والصدمات جعلت النطق مهمة مستحيلة
- والدة الطفلة حنين القصاص : ابنتي ولدت بضمور في المخ والمجاعة جعلتها تفقد قدرتها على الكلام
- آلاف المرضى محرومون من السفر.. ومعابر مغلقة بوجه الأطفال
- انعدام مراكز التخاطب.. وخدمات تتلاشى
نائل شلبي، طفل فلسطيني يبلغ من العمر أربعة أعوام، يعيش مع أسرته في خيمة في مدينة دير البلح وسط غزة، كان يجلس مع والده وشقيقه أمام الخيمة وإذ بقصف صاروخى إسرائيلي يتسبب في دخول شظايا القصف في رأس هذا الطفل الصغير وتفقده الحركة والبصر والسمع والنطق.
أطفال بلا حواس.. قصف يسرق الحياة في لحظة
لم يرحم الاحتلال نائل وأسرته، فبعد أن قتل شقيقه وأصاب والده، تعمد استهداف المدنيين في الخيام بالمناطق الإنسانية التي حددتها إسرائيل داخل القطاع، بينما يقف الأطباء في مستشفى شهداء الأقصى عاجزين عن التعامل مع حالة الطفل المرضية، والتي زادت سوءا بسبب سوء التغذية الحاد، مما تسبب له في تشنجات والتهابات شديدة في الرأس بجانب تقرحات وارتفاع مستمر في درجة الحرارة.
في غزة، لا تنتهي الحرب عند حدود الدمار والركام؛ فهناك حرب أخرى، أكثر خفاء وأشد قسوة، تدور داخل أجساد الأطفال وداخل أدمغتهم الصغيرة التي لم تكتمل بعد، حرب تسلبهم الحواس تباعا، وتخطف أصواتهم، وتحبس كلماتهم خلف جدران من الخوف والصدمات. وبين خيمة تقصف، ومستشفى ينهار، وطفل يفقد القدرة على الكلام أو الحركة في لحظة واحدة، تتجلى مأساة جيل كامل وُلد في زمن النار.
في قلب هذه المأساة الممتدة، تظهر قصص أطفال فقدوا حواسهم الأربع تحت القصف، وآخرين سلبهم الخوف لغتهم، وغيرهم حاصرهم المرض في قطاع بلا دواء ولا مستشفى قادر على إنقاذهم. أصوات آباء مفجوعين، وأطباء عاجزين، ومختصين يرفعون نداءاتهم المتأخرة: "أنقذوا ما تبقى من أطفال غزة، فالخطر لم يعد نفسيًا فقط، بل وجوديًا يهدد حياتهم ومستقبلهم."
هذا التحقيق يرصد، عبر شهادات حصرية وتقارير طبية وميدانية، جانبا من الصورة الكاملة لمعاناة الأطفال في غزة، من فقدان الحواس والشلل، إلى الخرس الصدمي وتدهور خدمات التخاطب، وصولا إلى الانهيار الكلي للمنظومة الصحية، إنها حكايات ليست فردية، بل مرآة لواقع أصبح فيه الصمت لغة جيلٍ بأكمله، يعيش حربًا لا يعرف متى تنتهي، ولا يعرف إن كان سيستعيد صوته يومًا ما.

واقع مؤلم لسكان غزة بسبب الحرب
ويكشف هانى أبو شلبي، والد الطفل المصاب في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، تفاصيل إصابة ابنه، موضحا أنه كان أمام خيمته مع أولاده أمير ونائل أمير ليستهدف الاحتلال خيمته في 25 مايو واستشهد نجله أمير علي الفور ونائل تعرض لإصابة شظايا في الجمجمة.
الطفل نائل شلبي
ويضيف، أن الشظايا تسبب في فقدان ابنه البصر والنطق والسمع بالإضافة للتشنجات شديدة، ومنذ ذلك التاريخ وهو يعالج في مستشفى شهداء الأقصى وفي ظل انهيار الإمكانيات الطبية واستهداف المنظومة الصحية تدهورت حالة ابنه بشكل خطير وأصبحت حياته مهددة بالخطر.
ويؤكد هانى أبو شلبي، أن الأطباء أكدوا عجزهم عن علاج ابنه بسبب نقص الإمكانيات وأوصوا بضرورة نقله للعلاج في الخارج فورا قبل فوات الأوان، لافتا إلى أنه حصل على تحويلة طبية وما زال ابنه لا يستطيع السفر للعلاج خارج القطاع.
وفي 21 أغسطس الماضي، أكد خليل الدقران، المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى، أن ️المستشفى الحكومي الوحيد بالمنطقة الوسطى يعمل بقدرة تشغيلية تفوق 300–350%، مشيرا إلى أن هناك ضغط هائل يجبر المرضى على النوم بالممرات، وأحيانًا 3–5 مرضى على سرير واحد.

انهيار الطاقة الاستيعابية للمستشفيات داخل غزة
وأضاف في بيان، أن هناك️ 20 ألف مريض بحاجة للعلاج بالخارج، لم يسمح الاحتلال إلا بخروج 300 فقط 1%، بينما ما يدخل من أدوية لا يتجاوز 1% من الاحتياج الفعلي، مع تدفق مئات الإصابات يوميا، مؤكدا أن الوضع كارثي ولا يمكن لأي منظومة صحية تحمله دون دعم عاجل.
فيما قال الهلال الأحمر بغزة، خلال بيان له في 30 سبتمبر، أنه يواصل جهوده لتأمين المساعدات الطبية في ظل استمرار القصف الإسرائيلي المكثف، موضحا أن الخدمات الطبية شحيحة والوضع ينذر بكارثة إنسانية بالغة الخطورة.
وأضاف أن طواقمه تواصل تقديم الخدمات الطبية رغم العراقيل والتهديدات الإسرائيلية، كما يعمل مع منظمات دولية لتوفير الدعم الطبي والوصول إلى المصابين قدر الإمكان.
اضطراب ما بعد الصدمة
ويؤكد الدكتور محمد صالحة، مدير مستشفى العودة في تل الزعتر بغزة، أن هناك حالات عديدة تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، ومن أبرز نتائجه صعوبة في النطق والتعبير لدى الأطفال الذين تأثروا بالأحداث الصادمة.
ويوضح صالحة في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن المستشفى ينفذ برنامجًا خاصًا يعرف ببرنامج الحماية، وهو برنامج متخصص في حماية الأطفال والنساء، ويهدف إلى تقديم الدعم والرعاية النفسية والاجتماعية للفئات الأكثر تضررًا من آثار الحرب.
ويشير إلى أن البرنامج يتضمن أنشطة متنوعة في مجال الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال، من بينها جلسات علاج النطق، التي تُسهم في مساعدة الأطفال على استعادة قدراتهم الكلامية والتعبيرية والتغلب على المشكلات الناتجة عن الصدمات النفسية.
ويوضح أن الحالة النفسية السيئة التي يعيشها أطفال غزة هي نتيجة كل تداعيات العدوان، خالصة أن تلك الفئة تتأثر من صوت الصواريخ واستهداف المنازل ومشاهدة الدماء وحالة الفوضى، وهم بحاجة دائما لروتين حياة طبيعي.
ورم في رقبتها وصعوبة بالنطق
الطفلة جوليا أبو لحية، تبلغ من العمر عامين وأربعة أشهر، ولدت قبل الحرب بشهور قليلة، تعاني منذ ولادتها من ورم كبير وخطير في الوجه ممتد إلى الرقبة، تسبب لها بالتهابات حادة في الصدر، وصعوبة في النطق والتنفس والبلع نتيجة وجود ورم آخر تحت اللسان، إضافة إلى ارتفاع مستمر في درجات الحرارة.
الطفلة جوليا أبو لحية
وذكرت أسرة "جوليا"، أنها أجرت عملية جراحية في غزة ، لكن حالتها ازدادت سوءًا بعد العملية، حيث تضاعف حجم الورم وتدهورت صحتها حتى باتت تقضي فترات طويلة داخل العناية المكثفة، وأصبحت بحاجة ماسة وملحة إلى العلاج خارج القطاع بأسرع وقت ممكن، حيث تواجه خطر الموت البطيء.
التقرير الطبي للطفلة جوليا أبو لحية
وتقول والدة الطفلة جوليا أبو لحية، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إن ابنتها تعاني من ورم في الرقبة أسفل الفك مباشرة منذ الولادة، حيث توجهت عائلتها إلى الأطباء لتشخيص حالتها الصحية ولكن لم يكن هناك جدوى في ذلك.
وتضيف أن ابنتها تعاني من ثقل تحت لسانها أدى الي صعوبة في التنفس وصعوبة في الكلام و البلع وأجريت عملية جراحية في 16 ديسمبر الماضي بمستشفى ناصر الطبي واستغرقت العملية أكثر من خمس ساعات من العذاب ويوم كامل في العناية على أمل ولكن عمليتها فشلت وزادت حالتها الصحية سوءاً حتى ازداد حجم الورم والألم.
وتشير إلى أن جوليا أبو لحية تحتاج إلى عملية جراحية خارج القطاع عاجلاً بسبب تدهور حالتها الصحية وعدم توفر علاجها بقطاع غزة، متابعة :" نتمنى من الجهات المختصة القادرة على تسريع تحويلها للخارج للعلاج، خاصة بعد حصولها على تحويلة طبية من منظمة الصحة العالمية".
الحرب تفقد على قاعود الكلام
وتتواصل المعاناة الصامتة لأطفال غزة، الذين لم تكتفِ الحرب بسلبهم الأمان والغذاء، بل امتدت لتسلب بعضهم القدرة على النطق والكلام، ففي مشهد إنساني مؤلم، تروي سماح شبات، والدة الطفل المصاب علي قاعود، تفاصيل التحول القاسي في حياة طفلها الذي لم يتجاوز السابعة من عمره.
وتقول سماح بصوت يملؤه الألم:"ابني كان ما قبل الحرب يعاني من تأخر لغوي بسيط، وكان منتسبًا لمركز تأهيلي، وتطور بشكل جيد، بدأ يتحدث ببعض الكلمات، وكان سلوكه ممتازًا، وكان يستعد للالتحاق بالمدرسة. لكن مع اندلاع الحرب تغير كل شيء، وأصبح يعاني من نوبات صراخ متكررة، يضع يديه على أذنيه خوفًا من القصف، وتراجع حاله كثيرًا، حتى فقد الكلام تمامًا".
صرخات المصابين في غزة
وتتابع الأم بصعوبة:"خلال نزوحنا إلى رفح حدث قصف قريب من الخيمة، وتأثر علي بشكل كبير، فقد القدرة على الكلام بالكامل، أخذناه للمستشفى، فأكد الأطباء أن ما يعانيه صدمة نفسية حادة، وأنه بحاجة إلى بيئة تأهيلية من جديد، وأحيانًا يصرخ ولا نعلم ماذا يريد، لا يتمكن من التعبير، فقط يبكي ويجرّنا بيده ليُفهمنا ما يريد. الناس لا يستوعبون حالته، ما يسبب لنا مشاكل وإرهاقًا كبيرًا".
آثار نفسية على الأطفال
من جانبها، تؤكد ميسون أبو موسى، الحكيمة العاملة في قسم طوارئ الأطفال بمجمع ناصر الطبي في خان يونس، أن ما يشهده القطاع من آثار نفسية على الأطفال بات خطيرًا للغاية، حيث تقول:"أمراض نفسية وصدمات شديدة أصابت فئة الأطفال بسبب المشاهد المؤلمة التي لا يحتملها حتى الكبار، ما أثر على صحتهم ومناعتهم ونطقهم، ونرى حالات تلعثم وفقدان نطق تزداد يوما بعد يوم، والأخطر أن استمرار الحرب يجعل هذه الحالات أكثر تعقيدا، وهذه الصدمات لا تقل خطورة عن الإصابات الجسدية، وتحتاج إلى تدخل عاجل لإنقاذ جيل كامل من الأطفال في غزة".
بين صراخ الطفل علي وصمت آلاف الأطفال مثله، تبقى مأساة فقدان النطق في غزة جرحًا آخر من جراح الحرب، يصرخ في وجه العالم الذي ما زال صامتًا أمام وجع الطفولة.
تحذيرات من تفاقم الظاهرة
وحذر برنامج غزة للصحة النفسية مؤخرًا من تفاقم هذه الظاهرة بين الأطفال، مؤكدًا وجود علاقة مباشرة بين العنف الممنهج وفقدان الوظائف اللغوية.
وتشير الدراسات التابعة للبرنامج إلى أن الأطفال الذين يتعرضون لصدمات شديدة يدخل جهازهم العصبي في حالة تجمد كاملة، فتتعطل اللغة ويتوقف النطق كنوع من الدفاع النفسي أمام واقع يفوق قدرتهم على الاستيعاب.
كما تظهر الأعراض في صور متعددة مثل التبول اللاإرادي، الكوابيس المتكررة، رُهاب الأصوات العالية، لكن أخطرها يبقى ذلك الصمت القسري حين تعجز الشفاه عن النطق، وتبقى الكلمات حبيسة الروح.
وتعيش آلاف العائلات هذه المأساة يوميًا، حيث تتحول الحرب إلى مشاهد محفورة في ذاكرة الطفولة؛ من منازل مدمرة، وألعاب ملطخة بالغبار، إلى أطفال يُنتشلون من تحت الركام أو يشهدون لحظات فقدان أحبتهم دون أن يقدروا على الصراخ أو البكاء.
وبين الركام النفسي والجسدي، يرتفع صوت الأطباء والمختصين في غزة: "أنقذوا ما تبقى من الأطفال الناجين"، محذرين من أن تأخر التدخل العلاجي قد يحوّل الصدمة المؤقتة إلى حالة مزمنة تعبر إلى الأجيال القادمة.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن تجارب ما بعد الحروب في رواندا والبوسنة وسوريا أثبتت أن الصدمات النفسية لا تنتهي بتوقف القتال، بل تستمر آثارها إن لم يُعالج الأطفال مبكرا، ووفقًا لليونيسف، أكثر من 450 ألف طفل في غزة يعانون حاليا من صدمات نفسية وإرهاق مزمن بسبب الحرب المستمرة وهذا الكم من الألم.

معاناة المصابين داخل غزة بسبب الحرب
أرجوان الدهيني تواجه صعوبة الكلام
تقف الطفلة أرجوان الدهيني، ذات الأربعة أعوام، على حافة الخطر داخل مستشفيات غزة، وهي تعاني من سوء تغذية حاد واضطرابات خطيرة في النمو، تسببت في انهيار صحتها بشكل متسارع.
ثبت وزنها عند خمسة كيلوجرامات فقط، في مؤشر بالغ الخطورة، رافقه تساقط شعرها بشكل كبير وتغير لونه، إضافة إلى صعوبة واضحة في الحركة والكلام وتناول الطعام.
أرجوان، التي أصبح جسدها الصغير غير قادر على مقاومة أي انتكاسة، تعيش حالة من الإعياء المستمر بسبب إسهال مزمن واستفراغ متواصل، إلى جانب مشاكل في الكلى وتدهور تدريجي في وظائف الجسم.
وبينما تزداد المخاوف من احتمال إصابتها بمرض خطير، تقف الإمكانات الطبية المحدودة في غزة حاجزا أمام تحديد التشخيص بدقة، إذ يفتقر القطاع إلى الأجهزة المتقدمة والفحوصات الضرورية التي يمكن أن تكشف طبيعة المرض وكيفية التعامل معه.
الفريق الطبي المعالج لأرجوان في مستشفى ناصر الطبي قدموا كل ما يستطيعون رغم الظروف القاسية، غير أن نقص التجهيزات والفحوصات المتخصصة جعلهم عاجزين عن معرفة السبب الحقيقي وراء هذا التدهور المريع في حالة الطفلة الفلسطينية، في ظل استمرار انحدار حالتها بصورة مقلقة، مما جعلها في حاجة إلى نقلها بشكل عاجل للعلاج خارج القطاع مسألة حياة أو موت.
أرجوان الدهيني
مجاعة بغزة
وفي 23 نوفمبر، أكدت منظمة الأمم المتحدة خلال بيانها، أن الإمدادات الغذائية لغزة لا تزال أقل من الحاجة، فيما أشار برنامج الأغذية العالمي إلى أن الإمدادات الغذائية تتدفق إلى غزة منذ وقف إطلاق النار في أكتوبر، لكنها لا تغطي الاحتياجات الإنسانية الضخمة.
وأوضح أنه رغم تحسن الأسواق، أسعار المواد الغذائية مرتفعة جدا، فمثلا الدجاجة الواحدة تكلف 25 دولارا، ما يجعل العديد من الأسر تعتمد كليا على المساعدات، لافتة إلى أن بعض الأمهات تمنع أطفالها من رؤية السوق لتجنب الإحباط أمام نقص قدرتهم على الشراء، وهناك حاجة لمواصلة الدعم لضمان صحة وتغذية الأسر في غزة.
استغاثة الأم
وتقول والدة الطفلة أرجوان الدهيني، بصوت يختلط فيه الخوف بالعجز، إن ابنتها تعيش وضعا صحيا لا يحتمل، إذ تعاني من سوء تغذية حاد وتسرب خطير في البروتين والبوتاسيوم من الكلى، ما أدى إلى توقف وزنها عن الزيادة تماما. وتضيف في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن أرجوان لم تعد قادرة على المشي، وجسدها الصغير يزداد ضعفا يوما بعد يوم، فيما يتساقط شعرها بكثافة في مشهد لا تستطيع الأم تحمله.
وتتابع الأم قائلة: "حال بنتي صعبة، وكل يوم أراها تتدهور قدامي وما بقدر أعمل شيء"، مشيرة إلى أن استمرار تدهور الحالة يزيد من احتمال فقدان الطفلة لما تبقى من قوتها وقدرتها على المقاومة.
ومع غياب الإمكانات الطبية اللازمة داخل غزة، لم تعد الأم تملك سوى التوسل للعالم الخارجي، حيث وتختتم حديثها قائلة: "أرجوان بحاجة ماسة للخروج من غزة، لا أريد أن أفقد ابنتي، أرجوكم أنقذوا أرجوان قبل فوات الأوان، وحصلنا على تحويلة طبية وننتظر دولة تستضيف الطفلة لعلاجها".
خروج مراكز علاج التخاطب عن الخدمة
وفي غزة، تتفاقم معاناة الأطفال نفسيًا ولغويا، حيث يشهد المختصون تزايدا ملحوظا في أعداد الأطفال الذين فقدوا القدرة على النطق أو يعانون صعوبات حادة في الكلام نتيجة ما تعرضوا له من قصف ونزوح وحرمان.
وتوضح هناء الفالوجي، وهي والدة طفلة تأثرت بالحرب، قائلة: "جئت لأحاول مساعدة ابنتي لتكون طبيعية مثل بقية الفتيات، لكنها اليوم تواجه صعوبة في نطق بعض الحروف مثل العين والزاي، ولا تستطيع التعبير عن أفكارها كما يجب".
ورغم غياب الإحصائيات الرسمية، يؤكد خبراء الصحة بغزة أن هذه الحالات تتزايد يومًا بعد يوم، خاصة مع خروج مراكز علاج التخاطب عن الخدمة وغياب الإمكانات والأدوات اللازمة للعلاج.
ومن جانبه، يشير أخصائي التخاطب موسى الخرطي إلى أن الصدمات النفسية العنيفة التي يتعرض لها الأطفال قد تؤدي إلى ما يشبه فقدان الصوت الكامل، موضحًا: "قبل الحرب لم نكن نشهد هذا العدد الكبير من الحالات، أما اليوم فالأعداد في تزايد ملحوظ، خصوصًا بين الأطفال".
وفي السياق ذاته، حذر برنامج غزة للصحة النفسية من تفاقم ظاهرة الخرس الهستيري أو الخرس الصدمي، مؤكدا وجود علاقة مباشرة بين العنف الممنهج وفقدان الوظائف اللغوية، وأن التأخر في التدخل العلاجي يزيد من تعقيد الحالة ويطيل رحلة التعافي.
اضطرابات نطق ولغة خطيرة بين الأطفال
ويقول الدكتور عبد الكريم عاشور، رئيس برنامج غزة للصحة النفسية، إن الحرب تسببت في إصابة عدد كبير من الأطفال باضطرابات في اللغة والنطق نتيجة الصدمات النفسية والإصابات الجسدية التي تعرضوا لها.
ويضيف في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن الصدمات النفسية لدى الأطفال قد تؤدي إلى مشكلات متعددة في النطق، من بينها التلعثم، وفقدان النطق النفسي، واضطرابات في الكلام الناتجة عن الضغط النفسي الشديد أو عن إصابات مباشرة في الدماغ.
ويضيف رئيس برنامج غزة للصحة النفسية، أن أعراض التلعثم تظهر عادة في صعوبة البدء بالكلمات أو تكرارها بشكل لا إرادي، في حين أن فقدان النطق قد يتجلى في توقف الطفل المفاجئ عن الكلام أو خروج أصوات غير مفهومة. وشدد على ضرورة التمييز بين الحالات ذات الأسباب النفسية وتلك الناتجة عن أسباب عضوية، موضحًا أن فقدان النطق النفسي يحدث عادة في سياق الصدمات النفسية الحادة، بينما يكون السبب عضويًا عندما يتعرض الدماغ لإصابة مباشرة.
ويشير إلى أن التعامل مع هذه الحالات يتم وفقًا لطبيعتها، ففي حالات الصدمات النفسية يتدخل أخصائي النطق واللغة بالتعاون مع مختصين في الدعم النفسي لتقديم العلاج المناسب، أما الحالات التي تعاني من اضطرابات ناتجة عن إصابات دماغية فتتابع من قبل أطباء جراحة الأعصاب إلى جانب أخصائيي النطق واللغة وخبراء العلاج النفسي لتقديم رعاية متكاملة تساهم في تحسين الحالة تدريجيًا.
مجاعة وضمور بالمخ يفقد الطفلة حنين القصاص القدرة على الكلام
"الطفلة حنين القصاص" ولدت بضمور في المخ، بجانب هشاشة حادة في العظام، ومع استمرار الحرب على غزة، تفاقمت أعراض مرضها بسرعة كبيرة دون قدرة الأطباء على السيطرة عليها، خاصة في ظل سوء التغذية الذي تتعرض له.
الطفلة حنان القصاص
خضعت حنين القصاص لعملية طارئة في عينها لتغريزها بشكل مؤقت، بعد أن تسبب الورم المتضخم في تمزق جفن العين وانقطاع مجرى الدمع، حيث أصبحت تعاني من التهابات حادة بدأت تنتشر في أذنها، ما أثر سلبًا على سمعها وبصرها.
أصبحت حالة الطفلة بالغة الخطورة، في ظل غياب العلاجات الخاصة وعدم قدرة الأطباء على إجراء العمليات اللازمة بسبب نقص المعدات الطبية والعلاجية، وجاءت المجاعة لتجعل المرض أشد ألما عليها.
وتقول والدة حنين القصاص، إن حالة ابنتها صعبة للغاية، فمنذ ولادتها وهي مريضة بضمور في المخ حتى الآن بجانب سوء تغذية، والآن أصبح عمرها عام ونصف حيث ولدت خلال الحرب، ولكنها لا تمشي ولا تتكلم.
وتضيف في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن ابنتها بحاجة إلى الحليب والطعام الصحي، كما أنها تحتاج إلى السفر إلى الخارج للعلاج، خاصة أنه بدأ يظهر عليها هشاشه عظام زجاجي ونقص في الفيتامينات والكالسيوم وضعف في المناعة، بجانب تورم في العينين والأذن والفم وبقع زرقاء في الجسم وسخونة مستمرة.
6 من كل 10 أطفال يعانون من مشاكل نطقية
ويؤكد مصطفى عابد، مدير برنامج التأهيل المجتمعي في جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، أن حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ ما يقارب العامين، تسببت في دمار شبه كامل لخدمات علاج النطق المقدمة للأطفال، وأدت إلى انهيار البنية الصحية والنفسية التي كانوا يعتمدون عليها.
ويضيف عابد في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن غياب الأدوات اللازمة للعلاج، إلى جانب النزوح المتكرر للأسر، جعل من الصعب تنظيم جلسات علاجية منتظمة للأطفال الذين يعانون من مشاكل في النطق، متابعا أنه في حال توفرت الجلسات، فهي تكون متقطعة وقصيرة وغير كافية، ما يزيد من تعقيد الحالات ويجعلها أكثر صعوبة على المدى الطويل.
ويوضح أن معظم المراكز المتخصصة في علاج النطق تعرضت للتدمير الكامل أو الجزئي جراء القصف، فيما اضطر الأخصائيون إلى النزوح المستمر والتنقل بين أماكن مختلفة بحثًا عن مأوى آمن، وهو ما أدى إلى توقف الخدمات أو تقديمها بشكل محدود ونادر. وأضاف: "الحرب لم تكتفِ بتدمير المباني، بل نزعت الاستقرار من حياة الأخصائيين أنفسهم، ما انعكس على قدرتهم في الاستمرار بعملهم، وبالتالي حرمان آلاف الأطفال من جلسات العلاج الحيوية".
ويشير إلى أن تأثير الحرب لم يقتصر على تعطيل الخدمات الطبية والتأهيلية، بل انعكس بشكل مباشر على نفسية الأطفال، الذين يعيشون تحت وطأة القصف اليومي وفقدان الأحبة وانعدام الأمن الغذائي والمكاني. وأوضح: "الخوف والهلع المستمران، إلى جانب فقدان الأهل والأصدقاء، جعل الأطفال أكثر عرضة للمشاكل النطقية، إذ تحولت الصدمات النفسية إلى عوائق كبيرة أمام نموهم اللغوي والتواصلي".

انهيار المنظومة الصحية بغزة
ويؤكد أن تقارير الأمم المتحدة المستندة إلى عمل أخصائيي النطق في مخيمات النزوح، كشفت أن ستة من كل عشرة أطفال في هذه المخيمات يعانون من مشاكل نطقية مرتبطة مباشرة بالخوف والقلق المزمن وضغوط الحرب. وأضاف: "هذا الرقم صادم، ويعكس حجم الكارثة التي يعيشها أطفال غزة، حيث لم تعد مشاكل النطق مجرد حالة فردية، بل ظاهرة جماعية ناجمة عن الإبادة المستمرة".
ويشدد عابد على أن استمرار حرب الإبادة يضاعف من معاناة الأطفال، ويحرمهم من أبسط حقوقهم في الصحة والتعليم والنمو الطبيعي. وأوضح أن غياب الرعاية المتخصصة يعني أن آلاف الأطفال قد يواجهون إعاقات تواصلية دائمة، ستؤثر سلبًا على مستقبلهم الدراسي والاجتماعي والمهني.
ويشير إلى الحاجة الماسة لإعادة تأهيل مراكز علاج النطق وتوفير دعم عاجل للأخصائيين، إلى جانب إدماج الدعم النفسي والاجتماعي في خطط التدخل، متابعا: "إذا لم يتم التحرك سريعًا لإعادة بناء هذا القطاع الصحي المهم، فإن أطفال غزة سيظلون أسرى لصدمات الحرب والإبادة، وسيحرمون من فرصة حقيقية للحياة الطبيعية".
شظية إسرائيلية تجعل يوسف أبو عمرة لا يتكلم
يرقد الطفل الفلسطيني يوسف أبو عمرة، البالغ من العمر 14 عامًا، وهو الابن الوحيد لوالديه، يصارع الألم والعجز داخل غزة، بعد أن تحولت حياته إلى معاناة يومية منذ إصابته بشظايا صاروخ إسرائيلي أثناء محاولته تعبئة المياه لعائلته وسط ظروف الحرب القاسية.

إصابة يوسف أبو عمرة
وتسببت الإصابة في شلل نصفي وسوء تغذية حاد نتيجة تدهور حالته الصحية، كما يعاني يوسف من فقدان جزئي للبصر وصعوبة في البلع والنطق، إضافة إلى التهابات شديدة في الرأس بسبب وجود شظية لم يتمكن الأطباء من إزالتها حتى الآن.

الطفل يوسف أبو عمرة
الفريق الطبي المشرف على حالته داخل القطاع أكد أنهم حاولوا مرارا إجراء عمليات جراحية لإنقاذ حياته، لكن نقص المعدات والإمكانيات داخل مستشفيات القطاع حال دون ذلك، مما زاد من خطورة وضعه الصحي، موضحين أن يوسف بحاجة ماسة إلى تحويل عاجل للعلاج خارج غزة لإجراء العمليات اللازمة وإنقاذ حياته قبل فوات الأوان.
استغاثة أسرة الطفل
وتقول عائلة الطفل الفلسطيني يوسف أبو عمرة، إن نجلهم أُصيب خلال محاولته تعبئة المياه لوالدته في مخيم النزوح، موضحة أنه الابن الوحيد لوالدته التي تعيش حالة من الألم والانتظار منذ إصابته.
وتضيف في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن شظايا الصاروخ استقرّت في رأس يوسف، وبسبب صعوبة إجراء التدخلات الجراحية المعقدة ونقص التجهيزات الطبية في مستشفيات غزة، لم يتمكن الأطباء من إزالتها، مما أدى إلى فقدانه جزئيًا للبصر وإصابته بشلل كامل، إلى جانب صعوبة في النطق والبلع.
وتتابع العائلة أن حالته الصحية تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، إذ أصيب مؤخرًا بـ سوء تغذية حاد جعله أشبه بكتلة عظمية لا يقوى على الحركة أو حتى التعبير عن ألمه بصوت مرتفع.
وتؤكد الأسرة أن يوسف حصل على تحويلة طبية عاجلة للعلاج خارج القطاع، إلا أنهم ما زالوا بانتظار فرصة للسفر لاستكمال علاجه التخصصي وإنقاذ حياته قبل فوات الأوان.
الصمت ليس خيارا إنسانيا
في غزة، لم يعد الصمت خيارا إنسانيا أو موقفًا احتجاجيًا، بل صار قدرًا مفروضًا على أفواه الصغار قبل الكبار، فهناك الصمت لا يشبه السكون ولا ينبع من الطمأنينة، بل يأتي وحيدًا كملاذ أخير بعد أن ضاقت الحناجر بالكلمات وتكسرت الأصوات في صدور الأطفال الذين أنهكتهم صور القصف والنزوح والموت.
وسط هذا الخراب الإنساني، تتفشى ظاهرة "الخرس الصدمي"، حيث يفقد الطفل القدرة على الكلام رغم سلامة جهازه الصوتي، وكأن قفلًا عصبيًا يغلق الطريق بين الدماغ والحنجرة.
وكشفت إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومى بغزة الصادر في 5 أكتوبر، تفاصيل مجازر 733 يوما من الحرب على القطاع، حيث خلفت 76,639 شهيدا ومفقودا، منهم 67,139 شهداء وصلوا إلى المستشفيات ، و 9,500 مفقود، منهم شهداء مازالوا تحت الأنقاض، أو مصيرهم مازال مجهولا، وأكثر من 20 ألف طفل شهيد وصل منهم للمستشفيات أكثر من 19450، وأكثر من 12500 شهيدة وصل منهن للمستشفيات 10160 بينهم 9 آلاف أم، بينما وصل عدد الآباء الشهداء إلى 22,426.
جرائم الاحتلال خلال عامين من الحرب على غزة
وتسببت الحرب أيضا في استشهاد 1,015 طفلا كانت أعمارهم أقل من عام واحد، وأكثر من 450 طفلا رضيعا ولدوا واستشهدوا خلال الحرب، و 1,670 شهيدا من الطواقم الطبية، و 140 من الدفاع المدني، و255 من الصحفيين، و من موظفي البلديات في القطاع بينهم 4 رؤساء بلديات، وأكثر من 787 شهيداً من شرطة وعناصر تأمين المساعدات، و894 من الحركة الرياضية من جميع الألعاب الرياضية.
محاولات خجولة للأطفال لنطق الحروف
داخل خيمة صغيرة في قلب غزة، تتعالى محاولات خجولة لأطفال يحاولون نطق الحروف، بينما تمسك إحدى المتطوعات بمرآة لتُري طفلًا ملامحه وتشجعه على تحريك شفتيه ونطق صوته الأول، حيث يتحول تعلم الكلام من مهارة طبيعية إلى معركة يومية، إذ تركت الصدمات النفسية العميقة التي خلّفتها الحرب آثارًا واضحة على لغة الأطفال وقدرتهم على التعبير.
وتجتمع عشرات الوجوه الصغيرة حول أخصائية النطق آمنة، التي تبذل جهدًا مضاعفًا لإعادة أصواتهم إلى الحياة، حيث تقول آمنة – إحدى إخصائيات التخاطب في غزة -: "عندما أعمل على تقييم لأطفال المخيم، من بين كل عشرة أطفال، ستة عندهم تأتأة، وهي أكثر مشكلة صارت تظهر بعد الحرب".
الحرب لم تسلب الأطفال بيوتهم فحسب، بل امتدت لتُربك لغتهم، فتجمّد لسان بعضهم تمامًا، بينما يعاني آخرون من تلعثم حاد وفقدان القدرة على تركيب الجمل أو نطق الحروف بصورة طبيعية.
الخوف المتواصل تحت القصف، والنزوح المتكرر، والجوع، وفقد الأحبة، كلها عوامل تراكمت في نفوسهم الصغيرة، لتتحول إلى عقد لغوية يصعب فكّها.
ويؤكد مختصون أن ما يظهر اليوم من أعراض ليس إلا البداية، وأن تداعياتها النفسية واللغوية ستتضح بصورة أكبر بعد توقف الحرب ما لم تتوفر برامج دعم نفسي وعلاج نطقي عاجلة لهؤلاء الأطفال.
أسلحة إسرائيلية ورؤية الأشلاء سبب تأخر النطق
ويؤكد محمد أبو عفش، مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة، أن الحرب خلفت آثاراً نفسية عميقة لدى الأطفال، قائلاً: "ما نشهده اليوم من تبعات إنسانية لا يقتصر على الإصابات الجسدية فقط، بل امتد ليطال الحالة النفسية للأطفال بشكل خطير".
ويوضح في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن بعض أخصائيي النطق أكدوا وجود تأخر ملحوظ في نطق العديد من الأطفال نتيجة الصدمات التي تعرضوا لها، خاصة عند مشاهدتهم للدم، أو القصف، أو جثامين الشهداء.
ويشير مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة، إلى أن الكثير من هؤلاء الأطفال باتوا يعانون من اضطرابات نفسية متعددة؛ من بينها فقدان النطق، الصدمة، التبول اللاإرادي، الانفعالات غير المبررة، بل ووصل الأمر عند بعضهم إلى نوبات تشنج وصرع ناجمة عن شدة الخوف.
ويضيف أن هذه الصدمات سواء جاءت من القصف المستمر بمختلف أنواع الأسلحة أو من رؤية الأشلاء والشهداء، تسببت في أزمات عصبية ونفسية واسعة بين الأطفال.
ويشدد على أنه حتى الآن هناك أعداد كبيرة من هذه الحالات لا يمكن حصرها بدقة، بسبب ضعف الإمكانيات المتوفرة في المستشفيات ومراكز العلاج، سواء لعلاج مشاكل النطق أو الحالات العصبية، متابعا :"مع ذلك، ما زلنا نستقبل في المراكز الصحية أطفالاً يعانون من التبول اللاإرادي، الخوف الشديد، أو نوبات التشنج والصرع نتيجة ما مرّوا به من صدمات".
طفل يفقد النطق والحركة بعد خروجه من تحت الركام
وفي واحدة من أكثر القصص وجعًا التي تختصر مأساة الحرب على غزة، يقف شقيق الطفل حمزة الشيخ عاجزا أمام مصير ابنه الذي فقد القدرة على النطق والحركة بعد أن نجا بأعجوبة من بين الركام، فيما فقد والدته وأفراد أسرته في القصف العنيف الذي دمر منزلهم فوق رؤوسهم.
يروي الشقيق المكلوم تفاصيل اليوم المشؤوم، وقد اختنق صوته بين الحزن والدعاء: "سقط علينا برميل متفجر، كانت لحظات لا تُنسى، الأرض تهتز كأنها زلزال، الدمار في كل مكان، سمعِت همسًا يقول لي "أهلك راحوا، أهلك استُشهدوا".
ويضيف الشقيق وهو يستعيد اللحظات الأولى بعد القصف:"جريت بلا وعي، وصلت للمكان فوجده كثبان رملية بدلا من البيوت، وكنا نحفر بأظافرنا، وسمعت صوت شقيقي حمزة وأخته بين الأنقاض، وأخرجناه وكان ينزف من يديه، حينها كان جرحا بسيطا تطلب غرزتين فقط، وإذا تم إسعافه وقتها لما اضطر الأطباء إلى بترها لاحقا، كان من الممكن أن ينجو بسلام. لكن ظل بلا إيد، وبلا نطق، وبلا أم ولا أب".
ويضيف بصوت متهدج يخنقه الألم:"أنا وعدته أرجع له يده، وأعيد له أمه وأبوه، لكن ما قدرت، وحاولت كثيرا أن أطلب من المؤسسات والمنظمات أطراف صناعية لحمزة، لكن لا يوجد أحد يساعدني، وكل يوم يستيقظ ويسألنى بنظراته عن وعدي لأنه لا يستطيع النطق، وأنا غير قادر أوفي له".
ويختم حديثه بدموع لا تتوقف:"حمزة اليوم صامت، لا يحكي ويعيش في عالمه الخاص، بين ألم الفقد وعجز الجسد ونتمنى من الله يعوضه عن كل ما فقده".
قصة حمزة ليست استثناء في غزة، بل واحدة من آلاف القصص التي تحكي عن أطفال فقدوا كل شيء - العائلة، الجسد والصوت - في حربٍ لم تُبق لهم سوى الأمل المعجز بالحياة.
تدخلات مبكرة للعلاج
وفي هذا الإطار، يقول كمال أبو شاويش، رئيس مجلس إدارة جمعية التأهيل والتدريب الاجتماعي، إن هناك عددا من الأطفال الذين يعانون من إصابات في النطق ومشكلات في الكلام بسبب ما مروا به من ظروف نفسية وضغوط قاسية.
ويوضح في تصريح خاص لـ"اليوم السابع"، أن الجمعية تقوم بالتدخل المبكر مع هؤلاء الأطفال من خلال فريق من الأخصائيين والمتخصصين في مجال التخاطب والدعم النفسي.
ويؤكد أبو شاويش أن الجمعية تعتمد بروتوكولا علاجيا متطورا ومبنيا على أسس علمية دقيقة، يشمل جلسات تقييم وتشخيص، تليها مراحل علاج فردية وجماعية، تُراعى فيها الحالة النفسية لكل طفل لضمان تحقيق أفضل النتائج.