تطرح اللغة العربية أحيانًا أسئلة تبدو بسيطة لكنها تخفي وراءها تاريخًا طويلًا من الاستعمالات والمعاني، من ذلك السؤال الذي يتردد على ألسنة القراء ومتتبعي التغذية: هل "الحنطة" هي نفسها "القمح"، أم أن بينهما فرقًا خفيًا لا ننتبه إليه؟
الجنطة فى المعاجم
توضح المعاجم العربية القديمة أن "الحِنْطة" هي الاسم الذي أطلقه العرب على القمح أو البر، أي الحبة الأساسية التي يُصنع منها الخبز، وترد في عدد من المعاجم الكبرى بالصيغة المباشرة "الحنطة: القمح"، بما يعكس حضورها في المائدة العربية القديمة وفي خطاب الفقهاء واللغويين على السواء، حيث ارتبطت بمفاهيم الزراعة والرزق والصدقات.
ومع تطور العلوم الزراعية والغذائية في العصر الحديث، أخذت الكلمة نفسها منحًى أكثر تخصّصًا في بعض الكتابات، إذ باتت "الحنطة" تُستخدم أحيانًا للدلالة على نوع بعينه من عائلة القمح، هو ما يُعرف بالقمح "السبلت" أو "القمح المقشور"، وهي حبوب قديمة تشبه القمح الشائع لكنها أطول قليلًا، ذات قشرة أكثر صلابة، وغالبًا ما تُسوَّق اليوم في متاجر الأغذية الصحية بوصفها حبوبًا كاملة مرتفعة الألياف.
من الناحية الغذائية، لا يبتعد الفارق كثيرًا بين القمح والحنطة، فكلاهما ينتمي إلى العائلة نفسها، ويحتوي على الغلوتين والبروتينات النباتية والألياف والعناصر المعدنية الأساسية، غير أن بعض الدراسات تشير إلى أن الحنطة قد تحمل نسبة أعلى نسبيًا من البروتين والألياف في بعض الأصناف، ما يجعلها خيارًا مفضلًا لدى فئات من المستهلكين الذين يتجهون إلى الحبوب الكاملة، مع التأكيد على أنها لا تصلح لمن يعانون من حساسية الغلوتين أو داء السيلياك.
ثقافيًا، يعيد هذا الالتباس بين "الحنطة" و"القمح" التذكير بعلاقة اللغة بالمائدة، وكيف تتحول الألفاظ من دلالاتها العامة إلى دلالات أكثر تخصّصًا مع تطور العلم وأنماط الاستهلاك، فالكلمة الواحدة التي كانت تحيل في التراث العربي إلى "قوت الناس" صارت اليوم — في بعض الاستخدامات — علامة تجارية لأنواع محددة من الحبوب أو المنتجات الغذائية.