فى سباق مع الزمن ومع اقتراب فصل الشتاء، حيث تنشط الفيروسات التنفسية وتتصاعد مخاطر إنفلونزا الطيور، أطلقت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي خطة طوارئ وقائية شاملة، تمحورت حول حملة توعوية مكثفة لتعزيز ممارسات الأمن الحيوي في قطاع الإنتاج الداجني.
هذه الحملة لا تمثل مجرد إجراء روتيني، بل هي خطوة استراتيجية استباقية تهدف إلى تحصين الثروة الداجنة المصرية، التي تمثل عصب الأمن الغذائي للمواطن، ضد أي موجات مرضية قد تؤثر على الإنتاج والاستدامة.
الهدف الاستباقي للحملة
تأتي هذه الجهود تنفيذاً لتوجيهات الأستاذ علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، وتحت اشراف الدكتور عادل عبدالعظيم، رئيس مركز البحوث الزراعية، وتمثل امتداداً للجهود المتواصلة لتعزيز الأمن الحيوي وحماية الثروة الداجنة المصرية.
قالت الدكتورة سماح عيد، مدير معهد بحوث الصحة الحيوانيه بأن التوقيت يعد عاملاً حاسماً، فالهدف هو اتخاذ إجراءات استباقية ووقائية لمواجهة موسم الشتاء الذي يعرف بنشاطه المتزايد وانتشاره للأمراض التنفسية الفيروسية، وفي مقدمتها إنفلونزا الطيور.
وأوضحت أن الحملة تستهدف كافة فئات المربين على اختلاف مستوياتهم الإنتاجية، مشيرة إلى أن معدل إنجاز الحملة في بدايتها كان قوياً، حيث تم تنفيذ 28 ندوة وورشة توعوية خلال شهر نوفمبر الجاري فقط، ما يؤكد حجم الجهد المبذول لضمان أقصى تغطية ممكنة في فترة زمنية قصيرة.
الإجراءات التوعوية والتدريب العملي
لم تقتصر الحملة على الوعظ والإرشاد النظري، بل ركزت على تحويل المفاهيم العلمية إلى ممارسات عملية قابلة للتطبيق على أرض الواقع، خاصة في المناطق الأكثر كثافة في تربية الدواجن.
وشملت الإجراءات التوعوية والتدريبية المزارع والأسواق، وتمحورت حول أربعة أركان أساسية:
1- التدريب على تطبيق الأمن الحيوي، حيث تم تم توفير تدريب عملي مكثف للمربين والعاملين في القطاع على كيفية تطبيق الإجراءات السليمة للأمن الحيوي خطوة بخطوة، لضمان تحويل المزرعة إلى بيئة معزولة ووقائية.
2- تعميق ثقافة النظافة والتطهير، عن طريق نشر الوعي بأهمية النظافة والتطهير الدوري والمنتظم في مزارع ومنشآت تربية الدواجن باعتباره خط الدفاع الأول لكسر دورة حياة الميكروبات والحد من تراكمها.
3- تبسيط المعلومة العلمية، حيث تم توزيع مواد إرشادية نوعية تعمل على تبسيط المعلومات العلمية المعقدة، وتقدم شرحاً واضحاً للأعراض المرضية وكيفية الوقاية من الإصابة، بما يضمن وصول المعلومة الصحيحة لكافة شرائح المربين وفئاتهم المختلفة.
4- التعامل الآمن مع المخاطر الوبائية، لذلك تم التركيز على التوعية حول كيفية التعامل الآمن والحيوي مع الطيور الحية والطيور النافقة لتجنب التلوث البيئي، مع التشديد على ضرورة الإبلاغ الفوري عن أي حالات اشتباه، وهو الإجراء الأهم للسيطرة على البؤر المرضية في مهدها ومنع تحولها إلى أوبئة واسعة.
إضافة إلى ذلك، تم تقديم توصيات دقيقة للمربين بخصوص نوع اللقاحات والبرامج التحصينية الفعالة والمناسبة لبيئاتهم الإنتاجية، إلى جانب توجيه العاملين في أسواق الطيور الحية حول الممارسات الصحية السليمة، وفصل المخلفات والتخلص منها بطريقة آمنة لقطع طريق انتقال العدوى إلى البيئة المحيطة.
الإرشادي والتوعوي
أكدت مدير المعهد على أن نجاح هذه الحملات يعتمد على الانتشار الجغرافي والدعم التقني، ولذلك شارك بفعالية كل من، المعمل المرجعي للرقابة على الإنتاج الداجني ومعامله الفرعية الستة في محافظات ذات كثافة داجنة عالية هي الشرقية، والإسماعيلية، والبحيرة، والأقصر، والفيوم، والدقهلية.
كما انضمت إلى جهود التوعية المعامل الفرعية لمعهد بحوث الصحة الحيوانية في محافظات دمياط، والدقهلية، والشرقية، وطنطا.
وشددت عيد على أن الدور الإرشادي والتوعوي الذي تضطلع به هذه المعامل الفرعية لا يقل أهمية عن دورها المخبري، بل هو "حجر الزاوية" الذي يضمن فعالية برامج المكافحة والسيطرة على الأمراض الموسمية، مؤكدة أن المعامل لا تقوم بدور الرقابة فحسب، بل هي شريك أساسي في التنمية المستدامة للثروة الداجنة في مصر.
تكامل المؤسسات لضمان الاستدامة
في سياق الجهود المتكاملة لتعزيز الأمن الحيوي وحماية الثروة الداجنة، تتضافر أعمال مؤسسات الدولة الأخرى بشكل مستمر لضمان استدامة وسلامة الإنتاج الداجني المصري.
جهود الهيئة العامة للخدمات البيطرية
تقوم الهيئة، عبر مديريات الطب البيطري في المحافظات، بجهد مكثف يشمل تنفيذ حملات للتحصين ضد الأمراض الوبائية كإنفلونزا الطيور، لتشمل جميع مستويات التربية بدءًا من الأسواق، مروراً بمزارع الدواجن، وصولاً إلى التربية المنزلية، ويتم في الوقت ذاته تفعيل خطط التقصي الوبائي النشط في المزارع والأسواق للكشف المبكر عن أي بؤر مرضية والتعامل الفوري والآمن مع الطيور النافقة والمخلفات وفقاً لأعلى معايير السلامة البيولوجية.
دور قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة
يواصل هذا القطاع حملات المرور الدوري والمتابعة الميدانية لرفع مستوى الوعي لدى المربين بأفضل معاملات التربية. ويولي القطاع اهتمامًا خاصًا للعمل على تقنين أوضاع مزارع الدواجن لضمان توافقها الكامل مع قواعد الأمان الحيوي المطلوبة للتشغيل السليم.
كما يعمل على استكمال جهود إنشاء قاعدة بيانات شاملة ودقيقة لأنشطة الثروة الداجنة، تشمل المزارع ومصانع الأعلاف، لدعم جهود التتبع والسيطرة السريعة على أي تهديدات مرضية.
وتشمل حملات المرور المشتركة لكل من الهيئة العامة للخدمات البيطرية وقطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة، التأكد من مطابقة المزارع للشروط الوقائية، بالإضافة إلى تنظيم جهود إصدار شهادات الأمان الحيوي لمزارع الدواجن، وهو الإجراء الذي يضمن التزام المزارع بأقصى معايير السلامة البيولوجية والوقائية.
تؤكد هذه الإجراءات المتضافرة والمنظمة أن الدولة المصرية تتبنى إستراتيجية شاملة لا تكتفي برد الفعل، بل تعتمد على الإجراءات الاستباقية والوقائية لضمان سلامة واستدامة قطاع الدواجن، وحماية المنتج الوطني من التقلبات الوبائية التي قد تهدده، خاصة في فصل الشتاء.
التقصي الوبائي والتحصين
وكشفت تقرير للهيئة العامة للخدمات البيطرية، لحماية الثروة الداجنة خلال شهر أكتوبر، من خلال برامج التقصي الوبائي والتحصين التي تنفذها الإدارة المركزية للطب الوقائي وادارة الترصد الوبائى للأمراض، في إطار الخطة القومية للسيطرة على أمراض الدواجن وتعزيز الأمان الحيوي، وخاصة مع دخول فصل الشتاء، بما يسهم في حماية الثروة الداجنة والحفاظ على صحة المواطنين.
وأوضح التقرير أن برامج التقصي النشط بالمزارع شملت المرور على 819 مزرعة خلال أكتوبر، تم خلالها سحب 10,884 عينة لم تظهر مؤشرات وبائية خلال فترة الفحص، بما يعكس استمرار المتابعة الحقلية ورفع درجات الأمان الحيوي داخل المزارع.
واضاف التقرير أن اعمال التقصي في الأسواق شملت ايضا المرور على أسواق 9 محافظات تقع ضمن مسار الطيور المهاجرة، وتم سحب أكثر من 170 عينة، لافتا إلى تنفيذ الهيئة خلال الشهر ذاته نحو 52 مأمورية ميدانية تضمنت متابعة أعمال التحصين وسحب عينات من منشآت معزولة، وتنفيذ خطة المسح الوبائي لمزارع الدواجن بجميع المحافظات، إلى جانب متابعة تنفيذ الاشتراطات الوقائية.
وفيما يتعلق ببرامج التحصين، أوضح الدكتور حامد الأقنص رئيس هيئة الخدمات البيطرية، أن إجمالي الطيور المحصنة خلال شهر أكتوبر، بلغ نحو 1,531,421 طائرًا، حيث جاءت أعلى أعداد الطيور المحصنة في محافظة الفيوم بإجمالي 235.8 ألف طائر، تليها القليوبية بـ 234 ألف طائر، ثم الشرقية بـ 206.9 ألف طائر، ثم سوهاج بـ 136 ألف طائر، وأسيوط بـ 126 ألف طائر، والدقهلية بـ 94.8 ألف طائر، والمنيا بـ 79 ألف طائر، وهو ما يعكس التركيز على دعم المربين في المحافظات الريفية والمناطق الأكثر عرضة لانتشار الأمراض.
وأكد “الأقنص” استمرار خطة الهيئة في رفع المناعة العامة للقطعان ودعم جهود الأمن الحيوي لضمان سلامة الغذاء وصحة المواطنين.