حازم حسين

مجلس السلام من غزة إلى أوكرانيا.. عن رؤية واحدة لصراعات شتّى تُنذر بنظام عالمى جديد

الأحد، 23 نوفمبر 2025 02:00 م


لا وجه للشبه بين غزة وأوكرانيا؛ إلا دونالد ترامب. تكاد لغته تتطابق بشأن القضيتين من البدء للمنتهى، وقفزا على فوارق الجغرافيا والتاريخ والعلاقات فى الحالين.


صدى صوته إبان حملته الرئاسية ما يزال مترددا فى الأفق، وهو يقول إنه لو كان رئيسا ما اندلعت الحربان من الأساس، وإنه قادر على وقفهما فى غضون يوم واحد من استعادة المكتب البيضاوى، أو ربما قبل التنصيب أصلا. احتاج شهورا لتجميد واحدة منهما على قاعدة هشّة، ويتعثر فى الثانية؛ لكنه يتعاطى معهما من زاوية واحدة.


الذاكرة ليست فائضا معرفيا، ولا تفصيلا عابرا فى النظر إلى صراعات البشر والبلدان. وما يصح فى أوراسيا لا ينطبق على المشرق العربى، والعكس؛ ذلك أن المسألة نابعة من سياقات مختلفة ومتضادة تماما. فلسطين أرض اغتُصبت لصالح الهجرات اليهودية ضمن توازنات تتصل بالتركيبة الإقليمية وما تعرضت له فى أزمنة الاستعمار.


بينما نشأت الامبراطورية الروسية أصلا فى إمارة كييف، وتزحزحت عبر قرون إلى الشرق من دون أن تنحل الرابطة بين الفضاءين تماما. وقبل ثلاثة عقود أو يزيد قليلا كانت أوكرانيا جزءا أصيلا من تركة موسكو.


أى أن الانفصال الصعب اليوم نتاج اتصال أصعب قبله، وشروط لم يُتّفق تماما على بعضها، ولا احتُرِم فيها الجزء الذى كان محل اتفاق. بمعنى أنها خلافات أشقاء هناك، وصدامات أعداء هنا.


عندما تداعى الاتحاد السوفيتى، تخلت أوكرانيا عن ترسانتها النووية فى ضوء ترتيبات السياسة والأمن بين البلدين. وأبدى الغرب قبولا وقتها لاحترام الفضاء الروسى وعدم التمدد إليه مع الوقت.


كانت فكرة موسكو أن تظل جارتها الغربية حزاما فاصلا عن أوروبا وحلف الناتو، ولأسباب شتّى اختلّت المواءمات المرعية على جانبى المحيط، ووضع بوتين يده على شبه جزيرة القرم، ثم انتقل التوتر إلى إقليم الدونباس لاحقا.


وتدخلت باريس وغيرها لرعاية صيغة جديدة من التوازنات فى اتفاقيتى مينسك، لكنهما لم تصمدا طويلا بالنظر إلى تحولات السياسة والحُكم فى كييف، ورغبتها المتصاعدة فى الدخول تحت مظلة الحلف الأطلسى.


ولا شىء يبرر الغزو على الإطلاق؛ لكن القضية لم تنشأ عن نزاعات على الأرض أو حق الوجود كما فى حال نظيرتها الفلسطينية. وحتى مخالفة ترتيبات الاستقرار والتعايش لم تقع بالوتيرة نفسها.


فالطرف الضعيف هناك استُدرج إلى لعبة الأقوياء برومانسية واستخفاف، فيما كانت إسرائيل هنا تتهرب من الاتفاقات أو تنقض القائم منها، فلم تُقر بمندرجات قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة برقم 181 فى 1947.


كما ابتلعت بقية الجغرافيا بين النهر والبحر بعد يونيو 1967، وأفشلت تفاهمات أوسلو عن الحكم الذاتى المؤهل لدولة مستقلة بدءا من 1993، وإن بمعاونة اليمين الأصولى على الجانب الآخر؛ أكانت حماس داخليا، أم محور التصدى والصمود من الخارج، وقد آل لاحقا إلى عنوان «الممانعة» وتستر بالميليشيات بديلا عن الدول.


يدخل الرئيس ترامب على الخط من نقطة الصفر، كما لو أنه يُسقط الماضى ويُعيد تعريف القضايا المعلقة بلغة الحاضر ومنطقه النفعى المباشر. وإن صح الاختزال فى الحرب الأوكرانية بمنطق أن العودة لما قبل فبراير 2022 يمكن أن توفر الحد الأدنى من التهدئة المطلوبة؛ فإن طوفان الأقصى ليس فاتحة الأزمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والخروج منه لا يقود مباشرة إلى التعافى والمصالحة.


وليس القصد هنا الحُكم بالفشل استباقيا على محاولات الحلحلة وتعبيد مسار قد تتولد عنه تسوية مقبولة مستقبلا؛ إنما أن الجمع بين المتناقضين معا يشير حتما إلى خطأ المقاربة فى واحدة منهما، بقدر ما يشى باستيلاد تصور فوقى لإدارة الصراعات الدولية، لا يراعى اختلافها عن بعضها أولا، كما لا يرتكن إلى أسس المنظومة متعددة الأطراف، القائمة على القواعد.


فكأنه يفكك ما استُقر عليه بعد الحرب العالمية الثانية؛ لصالح بديل قد يصيب أو يخطئ؛ لكنه غير قابل غالبا للاستدامة والتعميم.
خطة الحل فى غزة تأسست على رؤية من عشرين بندا، تتوزع على ثلاث مراحل بدءا بوقف الحرب وتبادل الأسرى، ثم الانسحاب وإرساء إدارة انتقالية مؤقتة، وصولا إلى تنشيط جهود إعادة الإعمار بالتزامن مع إصلاح السلطة الوطنية وتأهيلها لتكون بديلا فى المستقبل، مع الإشارة إلى الحق فى تقرير المصير وإمكانية الوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة، بعد الوفاء بالمتطلبات والمهام الضرورية.


ومحور الأطروحة ينبنى على «مجلس السلام» الذى ما يزال حتى اللحظة عنوانا عريضا من دون تفاصيل واضحة، ومن المقرر أن يترأسه ترامب بنفسه، ويضم إليه من يختار بإرادته الخالصة من قادة أو شخصيات دولية رفيعة المستوى.


لم تُحدد الخطة طبيعة المجلس المشار إليه، ولا آلية تكوينه وحدود صلاحياته، ومعايير الانتقاء للعضوية أو زوال شروطها غير المعروفة من الأساس. والأهم أنها لم تنص على أنه خاص بغزة حصرا، ولا ضُمّنت فلسطين فى اسمه أو المتاح من مخططات عمله.


ما يفجّر تساؤلات لا حصر لها فى ضوء المقترح الأمريكى الجديد بشأن أوكرانيا، وقد استعار التسمية بالعمومية نفسها، دون تفسير أو تركيز على الحالة الأوراسية، أو الإشارة إلى أى اختلاف بنيوى أو وظيفى بين المجلسين.


أفرجت الولايات المتحدة فى نطاق ضيق عن ورقة تخص التسوية مع روسيا. جاءت فى 28 بندا، بحسب النص الذى أوردته وكالة الصحافة الفرنسية، وأخطر ما فيه تضمنته النقطة قبل الأخيرة، وتتحدث عن أنه مُلزم قانونيا لأطرافه، ومشمول بعقوبات ستُفرض على المخالفين، وذلك فى ضوء أنه مضمون وخاضع للمراقبة من جانب «مجلس السلام» برئاسة ترامب.


عمل المبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف على النسخة الجديدة، كما كان وراء سابقتها. يُحتَمل طبعا أنه متلبس بأجواء الورشة التى أفضت إلى إنتاج خطة غزة؛ فتشابهت اللغة والأفكار بين الورقتين.


لكن الاحتمال قائم بشأن كونهما ناشئين عن ذهنية واحدة، مقصودة لا عفوية، وغايتها توحيد المنطلقات وبرامج العمل بغض النظر عن تفاوت الحالات، وإرخاء ولاية واشنطن على النزاعات الدولية بمنطق مؤسسى بديل، يتخطّى الأمم المتحدة ومجلس الأمن؛ وإن احتاج إليهما فى إسباغ الوجه القانونى كحال القرار 2803 الصادر مؤخرا بخصوص القطاع وقوة الاستقرار الانتقالية فيه.


أى أننا ربما نكون بصدد منصة بديلة تنوب عن الجمعية العامة، وتُعيد خصخصة النظام الدولى لصالح هيمنة واشنطن المطلقة على كل الفضاءات، بعد تجزئتها فى النظر، وتجميع خيوطها تحت سقف البيت الأبيض.


تنشغل الفصائل الغزية بما تعدّه انحيازا من جهة الإدارة الأمريكية لدولة الاحتلال، وأغلب القوى الكبرى فى أوروبا ممتعضة تقريبا من الطرح الجديد بخصوص أوكرانيا؛ لأنه يستبعدها ابتداء من ورشة التفاوض بعد كل ما تكبدته فى ميدان القتال، ثم لا يحترم أولوياتها وشواغلها، ويبدو أقرب إلى شرعنة الغزو وتثبيت فكرة القفز على حدود الدول وتغييرها بالقوة.


والحال؛ أن تطابق الأفكار مع اختلاف الحالات ينُمّ عن نزعة براجماتية واضحة، تغيب عنها المبدئية من دون شك؛ لكنها لا تنبع من ثابتة أيديولوجية كما يتصور البعض. ذلك أن التماثل فى العدوان بين موسكو وتل أبيب، لا يستقيم مع عداء واشنطن للأولى وتحالفها مع الثانية.


وإذ تقدم طرحا ينحاز للطرفين كما يرى المختلفون؛ فإنه الانحياز للقوة فى حقيقة الأمر، والبحث عن مصلحة الولايات المتحدة مع الطرف المرحب بضمانها، والقادر أيضا على تهديدها. وإذا كان مجلس السلام واحدا؛ فمن الطبيعى أن يراهن على صانع الحرب، وأن يُملى إرادته على العاجزين عن خوضها إلى النهاية.
خطتا ترامب لغزة وأوكرانيا أقرب إلى الرفع المساحى لحقائق الأرض، بمعنى أنهما كاشفتان لا منشئتان. تتقدم إسرائيل فيُحفظ لها تقدمها بترتيبات السياسة، وتضع روسيا يدها على نحو خُمس الجغرافيا المجاورة فيُقرها على ذلك.


ولا معنى للحديث عن السيادة طالما أنه ينطلق من الموافقة على انتقاصها، كما لا فائدة من الجدل بشأن سلاح الفصائل وقد صار عبئا عليها وعلى القضية، وسيكون الاتفاق فى الحالين آخر العهد بالقانون الدولى، لأن مجلس السلام سينوب عن العالم الحر بإرادة شخص واحد.


والمفارقة أن الاستعصاء هنا وهناك ليس فى مواقف الطرف الضعيف، والمُرغم على تسويات ظالمة؛ بل فى مدى استعداد القوى للدخول فى عباءة النظام الجديد، والدوران بين أفلاكه كوكبة منزوعة من مدارها الأصيل، إلى تركيب جديد تتغير فيه قوانين الفيزياء وعلاقات القوى مرة وإلى الأبد؛ أقله من منظور الوصاية الأمريكية فى لحظتها الراهنة.


مجلس السلام ستتفرع عنه إدارة مدنية انتقالية وقوة استقرار فى غزة، وسيُشرف على ترتيبات كأنها مُولّدة قصرا فى أوكرانيا. الفلسطينيون بين الذهاب فى طريق لا يعلمون مداها، أو البقاء تحت رحمة الخراب والتقسيم واستبداد الاحتلال بأكثر من نصف القطاع.


وزيلينسكى فى عاصمته المحمية بتوازنات الأضداد، بين أن يخسر كرامته فى صفقة لا تلبى الحد الأدنى لمتطلباته، وتفوق صلاحياته الدستورية ومجال شرعيته المطعون فيها، أو يضحى بالرعاية الأمريكية التى لا أمل له بعيدا عنها، ولن تقوم له قيامة من دونها.


لكن نتنياهو يأخذ المتاح ولا يقبل الوعود المعلقة لخصومه فى الفراغ، وليس معروفا إن كان بوتين سيرحب باقتسام أرصدته المجمدة فى أوروبا، بين نصف لإعمار ما دمره شرق الدونباس بإشراف أمريكى، ونصف لمشروعات مشتركة بين موسكو وواشنطن؛ أم سيرفض الصفقة التى تمنحه ما يضع يده عليه بالفعل حاليا، إن فى القرم أو إقليمى دونيتسك ولوجانسك.


ولست مشغولا بالتفاصيل على الإطلاق، وما إذا كان مرشحا أن تقود إلى تهدئة طويلة فى غزة، تعقبها تسوية دائمة للقضية الفلسطينية كلها أو تعقيد جديد.
وكذلك خريطة توزيع الأراضى وترسيم الحدود والتوازنات الجيوسياسية بين الغرب والشرق فى أوراسيا؛ لأن النجاح فى الحالتين أخطر من الفشل.


إذ مع استنساخ وتعميم فكرة «مجلس السلام» يتراجع النظام الدولى كثيرا إلى الوراء، وتنحل صيغة العلاقات الدولية القائمة طوال ثمانية عقود مضت، ولا يعود العالم على صورته التى عرفناها منذ حربه الكونية الثانية، بل ربما قبلها كذلك، وكانت «عصبة الأمم» نسخة أقرب إلى الحال الراهنة، وأبعد ما يكون عما تؤسس له إدارة ترامب بطرحها الجديد.


ملف غزة صغير بحيث لا يكشف عن التحولات العميقة؛ لكن الخفى فيه يمكن استكشافه واستشراف مآلاته فى الطبعة الأوكرانية. دخول الولايات المتحدة على الخط لم يكن نصرا لإسرائيل ولا هزيمة لفلسطين حسب التصورات البسيطة؛ إنما محاولة لإعادة صياغة البيئة الإقليمية على مرتكز لا يُشبه مطلقا ما اعتادته أو درجت عليه.


إنه تحييد لتيارات بكاملها، لصالح تقديم الاقتصاد على السياسة، وفى ضوء هيمنة أمريكية مطلقة لا يحدها قانون ولا تقيدها ذاكرة. والفلسفة نفسها تُدار على مقياس أكبر مع موسكو؛ لأنها وإن كانت أضخم من الابتلاع والتطويع، فليست عصية على المغازلة والاجتذاب، ومحاولة فصلها عن تحالفها الجنوبى الآخذ فى التمدد، وتحديدا الرابطة الوثيقة مع بكين.


صورة مقلوبة لِمَا كان قبل خمسة عقود تقريبا؛ عندما تولى كيسنجر مهمة استقطاب الصين بعيدا عن الفضاء السوفييتى، لأجل التفرغ لهضم المنافس الشرقى، وإنتاج عالم جديد يتسلط عليه قطب واحد.


ومجلس السلام الذى بدأ مع غزة، ويُطرَح اليوم فى خطة أوكرانيا، قد لا يتوقف قطاره فى مقبل الأيام عن اختبار مساحات جديدة. لعل أقربها أن يضع يده على ملف تسوية الحرب الأهلية فى السودان، ولو بشراكة بلاغية مع بقية الرباعية الدولية.


وليبيا صالحة لإعادة إنتاج التجربة، وكذلك الصراع السائل بين الكونغو ورواندا، وكمبوديا مع تايلاند، وربما تُصاغ معالجات جزئية تتناسب مع الأوضاع فى سوريا واليمن ولبنان وغيرها.


خطوتان واسعتان فى شهر تقريبا، ولا نحتاج إلا خطوة ثالثة لنتيقن من أنه ربما يكون مسارا مقصودا، وبديلا جديدا يُساق على نية تسييل الصراعات بتشابكاتها المحلية والدولية، وتحييد جميع الأطراف لصالح الولايات المتحدة؛ باستثناء من تختاره واشنطن مساعدا لها أو مكلفا بمهمة اتصال أو تمويل وغير ذلك من أنشطة تحت سقف ولايتها الكاملة.


يتسع الكلام بشأن البنود الثمانية والعشرين فى الخطة الأوكرانية، وسيجد المحللون مهما تعددت مدارسهم ما يقفون عليه من فخاخ وعثرات؛ لكن الكلمتين المُرجأتين إلى البند السابع والعشرين أخطر ما تنطوى عليه الورقة، وليس للحرب التى تقترب من إغلاق عامها الرابع فى غضون ثلاثة أشهر فحسب؛ بل لبقية الصراعات المفتوحة والمحتملة، ومستقبل النظام الدولى بكامله، أكان بصورته المعروفة أم بطموحات التعديل والتأهيل التى تتحدث عنها القوى الصاعدة.
ذلك أن الولايات المتحدة ربما تغادر السباق مبكرا، وتُحلّ بديلا من خارج فكرة التعددية والقواعد أصلا، لتصبح النزاعات وآلية إدارتها أو تصفيتها متصلة بواشنطن رأسا، ومحكومة برؤاها وتفضيلاتها، وذلك فى إطار ثنائيات مجزأة عن بعضها، لا يملك أطرافها غالبا التصدى لإرادة الامبراطورية الأكبر عالميا، ولا تتوافر لهم مظلة القانون القديمة على كل ما كان فيها من رخاوة وعوار.


يأسى الباحثون عن العدالة على حال الأمم المتحدة، والقيود التى تكبلها أو تعطل فاعليتها فى التصدى للالتزامات المنصوص عليها فى ميثاقها. الدول الصغيرة تطلب العدل والاعتدال، وربما تسعى الصين وغيرها من القوى الكبرى والمتوسطة إلى الإصلاح أو الاستبدال من الداخل؛ لكن واشنطن تترك للجميع فسحة البكاء أو الأمل تحت المظلة الأممية، وتتجه صوب إرساء آلية جديدة لا تحتكم إلى أية قواعد إلا ما تقرره وحدها، ولا بديل فيها عن المبادرة باللجوء إليها، أو انتظار أن تتعطف وتنظر إلى شواغل الآخرين فى الوقت وبالكيفية المناسبين لها، والمحققين لمصالحها وأولوياتها بطبيعة الحال.


والبديل هنا ليس مشاغبة المسارات الساعية إلى تفكيك القضايا وترشيد سخونتها؛ إنما الضغط لإحالتها إلى مدارها الطبيعى ضمن القنوات الدولية المستقرة، وبحيث يكون مجلس السلام محكوما بقواعد نظامية وإجرائية واضحة، وآجال زمنية، وآليات عمل ومساءلة منصوص عليها ابتداء وبالتفصيل، وليس مجرد تفويض عام وغائم يرد فى متن قرار عن شىء آخر تماما.


والإحالة هُنا إلى ما حدث فى القرار 2803 بشأن غزة، الذى كان موجها علنا لقوة الاستقرار الدولية، لكنه انطوى فى بنوده على شرعنة خطة ترامب العشرينية، وتلزيمه الملف من بابه تحت عنوان مجلس السلام، دون عناية بما فيه من غموض، أو انشغال بأن يُضبَط بالمُحددات المعتبرة للنظام الدولى المستقر.
لم تُغيّر الأمم المتحدة كثيرًا فى حال البشر؛ لكنها منحتهم أملاً ولو ظلّ بعيدًا وخافتًا. صحيح أن الحروب ما تزال تُحسَم بالقوة؛ لكن رابحيها يعرفون أنهم على الجانب المضاد للقانون، وخاسريها يتصبّرون بالعدالة المُؤجّلة.


قد تُستكمَل خطّة غزّة أو تتعطّل، وكذلك الحال فى أوكرانيا، ولا أقف على تفاصيل الاعتراف ومُبادلة الأراضى وتحجيم الناتو أو تحديد عديد القوات، ولا حتى فى الضمانات الأمنية والمنافع الاقتصادية؛ إنما تستوقفنى الفلسفة الكامنة وراء مقاربة الحل فى المجالين، وأتحسُّب مِمّا يُمكن أن تتمدّد إليه لاحقًا؛ فربما تُلبّى تطلعات الأغلبية اليوم؛ لكنها تظلّ مُعلّقة على إرادة فردية فى كل الأيام.


والمؤكد أن مجلس السلام فى غزةّ؛ ليس موازيًا لنُسخة أُخرى فى أوراسيا. ربما يكونان فرعين من أصل واحد، وطالما يرأسهما ترامب؛ فالفكرة أنه يتموضع على رأس النظام الدولى، ويُحلّ نفسه بديلاً عن الأمم المتحدة ومرافقها.


وهذا لا يُعطّل الجمعية ومجلس الأمن فحسب؛ بل يمتد إلى بقية المنظمات التى انسحبت منها الولايات المتحدة أو تنافسها، وإلى منظومة التقاضى فى محكمة العدل أو الجنائية الدولية، وغير ذلك من مساقات وقنوات عمل.


لن يعود الفعل خطأ أو صوابًا إلا من منظور واشنطن، والمساءلة ستتحدُّد بمنطقها وأدواتها أيضًا، وهو ما يُبشّر بصيغة ربما تتخطّى القطبية الأحادية، إلى امبراطورية كونية تحكمها إرادة واحدة مُطلقة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب