لطالما لامس صوت فيروز القلوب المثقلة، فكان نسيمًا خفيفًا يفتح نافذة رجاء فى الأرواح، فتتنهد النفوس قائلة: «إيه في أمل». تحوّل صوتها، بما يحمله من نقاء وخشوع، إلى ما يشبه التراتيل والصلوات، فأصبح لحنًا متصاعدًا نحو السماء، للوطن، للقدس، وللإنسان. من «خذني» و«يا ساكن العلالي» و«زهرة المدائن» وصولًا إلى ألبومات «أغاني الميلاد» و«الجمعة العظيمة»، بقيت الذاكرة ممتلئة، والروح في حالة صلاة دائمة، تتردد عبر صوت جارة القمر.
وتحتفل السيدة فيروز اليوم بعيد ميلادها الخامس والثمانين؛ فمنذ ولادتها في 21 نوفمبر عام 1935، جاء صوتها إلى العالم محمّلًا بصفاءٍ سماويّ جعلها الأقرب إلى القمر، بل وجعلها صلة وصل بين الأرض والسماء، تجمع في نبرتها بين الروحانية والدفء الإنساني.
ألبومات مستوحاه من الكتاب المقدس
وقدّمت فيروز على امتداد مسيرتها الطويلة عددًا من الألبومات الدينية التي استندت في كثير من مضامينها إلى الكتاب المقدّس، مثل «أسبوع الآلام»، «نبع الينابيع»، و«يسوع المسيح». تحوّلت تلك الأعمال إلى جزء أصيل من طقوس الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية، تتردّد في المناسبات الروحية كما لو كانت صلوات مكتوبة بصوتها. وخلال أزمة انتشار فيروس كورونا، ظهرت فيروز في تسجيل مصوّر تتلو فيه مقاطع من المزامير، قائلة: «يا رب لماذا تقف بعيدًا… استمع لصوت دعائي يا ملكي وإلهي».
كما استلهم الرحابنة نصوصًا من «نشيد الأنشاد» في أعمال عديدة، وأشهرها جملة «أنا لحبيبي وحبيبي إلي»، المطابقة للآية: «أَنَا لِحَبِيبِي وَحَبِيبِي لِي». ويرى الأب زكي صادر اليسوعي، مدير مركز الفنون الروحية، أنّ الرحابنة تأثروا بعمق بالصور الكتابية، وأعادوا صياغتها بلغة قريبة من الناس دون المساس بجمالها الروحي.
ويشير صادر إلى مسرحية «جبال الصوان» مثالًا على هذا التأثر؛ إذ تتضمّن كمًّا كبيرًا من الرموز الكتابية، بدءًا من موت الحارس بما يحمله من دلالات عن السبي والانتظار، وصولًا إلى شخصية «غربة» التي تظهر كابنة لأبيها، وتكرّر أعماله، وتكون رمزًا للمخلّص. وحتى لحظة استشهادها، تتجلى صورة «العرس» الذي لا يشبه أي عرس، حيث يتجدّد كل شيء «بدم العرس» كما في صور سفر الرؤيا عن «تبييض الحلل بدم الحمل».
وبجانب التناص مع الكتاب المقدس، فهناك أوجه تشابه بين أغاني فيروز وبعض النصوص القرآنية، خاصة في أغاني الأخوان رحباني، حيث يظهر في بعض الأغاني اقتباسات مباشرة أو تلميحات إلى آيات قرآنية أو مفاهيم إسلامية، مثل أغنية "زهرة المدائن" التي تتناول مدينة القدس بشكل مباشر مستوحاة من المعاني الدينية والتاريخية للمدينة، بينما تعتمد أغاني أخرى على اللغة الرمزية للإشارة إلى مفاهيم روحانية أو اجتماعية موجودة في القرآن، أغنية "زهرة المدائن": تتناول الأغنية مدينة القدس وارتباطاتها الروحانية، وهي مستوحاة من السياق الديني والثقافي للمدينة، كما ورد في بعض الآيات القرآنية التي تصف القدس (أو المسجد الأقصى) بأنها "زهرة المدائن".