قد يظن كثيرون أن القلب يتبع عمر صاحبه بالضرورة، لكن الطب الحديث يرى الأمر بصورة مختلفة تمامًا، فبينما تشير شهادة الميلاد إلى عمرك الزمني، يمكن أن يكون قلبك في عمر أكبر أو أصغر تبعًا لأسلوب حياتك، عاداتك الغذائية، ومستوى نشاطك اليومي. هذا الفارق بين "عمر الجسد" و"عمر القلب" أصبح أحد مؤشرات الطب الوقائي في تقييم خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وفقًا لتقرير نشره موقع Northwestern Medicine الأمريكي، فإن قياس عمر القلب ليس مجرد فكرة رمزية، بل يعتمد على خوارزميات طبية دقيقة تجمع بيانات عن ضغط الدم، ومستوى الكوليسترول، وسكر الدم، والتاريخ العائلي، ومؤشر كتلة الجسم، وغيرها من العوامل التي تؤثر على كفاءة القلب والشرايين. تُقارن هذه البيانات بنتائج شخص في نفس العمر الزمني لكن دون عوامل خطر، لتُظهر إن كان قلبك "أكبر" أو "أصغر" من عمرك الحقيقي.
ما معنى أن يكون القلب أكبر من صاحبه؟
عندما يُظهر الفحص أن "عمر قلبك" يتجاوز عمرك الفعلي، فهذا يعني أن الأوعية الدموية بدأت في فقدان مرونتها الطبيعية، وأن عملية تصلب الشرايين ربما بدأت بالفعل. تلك الحالة لا تقتصر على كبار السن، بل قد تصيب أشخاصًا في الثلاثين أو الأربعين من العمر، نتيجة نمط حياة غير صحي أو قلة الحركة أو النظام الغذائي الغني بالدهون المشبعة.
على الجانب الآخر، هناك من يُظهر فحصه أن عمر قلبه أصغر بعدة سنوات من عمره الحقيقي، وهو ما يُعدّ علامة إيجابية على لياقة قلبية جيدة ووقاية فعالة ضد أمراض الشرايين.
كيف تُحسب هذه الأعمار الخفية؟
تعتمد حاسبة عمر القلب على معادلات طبية تم تطويرها من خلال أبحاث واسعة أجرتها مراكز متخصصة في أمراض القلب. تُدخل بيانات بسيطة مثل السن، الوزن، الطول، ضغط الدم، مستوى الدهون، والتدخين، ليتم تحليلها وتقدير احتمالية تعرضك لنوبة قلبية أو سكتة دماغية خلال السنوات القادمة.
يُظهر الناتج ما إذا كنت تسير في الاتجاه الصحيح، أم أنك تحتاج إلى تغيير عاجل في نمط حياتك.
ويؤكد الأطباء في التقرير أن الهدف ليس إخافة المريض، بل إتاحة فرصة للوقاية قبل ظهور المرض، إذ يمكن خفض "عمر القلب" فعليًا بتعديل العادات اليومية واتباع إرشادات طبية بسيطة لكنها فعالة.
عوامل تُسرّع شيخوخة القلب
العادات التي تُثقل كاهل القلب معروفة لكنها كثيرًا ما تُهمل. التدخين يأتي على رأس القائمة، فهو يهاجم بطانة الأوعية الدموية ويزيد من خطر الجلطات. يليه ارتفاع ضغط الدم المستمر الذي يُجهد جدران الشرايين ويجعلها أقل مرونة مع الوقت.
كذلك يلعب ارتفاع الكوليسترول والدهون الثلاثية دورًا مهمًا في تضييق مجرى الدم داخل الشرايين. أما السمنة وقلة الحركة، فهما ثنائي يضاعف الخطر عبر زيادة الالتهاب الجهازي وتأثيره السلبي على القلب والأوعية.
ولا يقل تأثير ارتفاع سكر الدم خطورة، إذ يسبب تلفًا تدريجيًا في الأعصاب والأوعية الدقيقة التي تغذي عضلة القلب. كل هذه العوامل تجعل "عمر القلب" أكبر من عمر صاحبه الحقيقي بسنوات وربما عقود.
ما الذي يمكن تغييره فعلاً؟
يُشير التقرير إلى أن نصف عوامل الخطر تقريبًا يمكن السيطرة عليها.
الامتناع عن التدخين يُعيد مرونة الأوعية تدريجيًا خلال أشهر.
النظام الغذائي المتوازن القائم على الخضراوات، الحبوب الكاملة، والبروتينات الخفيفة يساهم في خفض الكوليسترول وضغط الدم.
النشاط البدني المنتظم ولو لمدة 30 دقيقة يوميًا يعزز تدفق الدم ويحسن كفاءة القلب.
النوم الكافي لا يقل أهمية، إذ إن قلة النوم ترفع من مستويات الالتهاب والضغط العصبي.
كما أن المتابعة الدورية مع الطبيب تُعدّ خطوة أساسية لرصد أي تغيرات مبكرة قبل أن تتطور إلى مشكلات مزمنة.
ويؤكد الأطباء أن تبنّي هذه الإجراءات لا يحافظ فقط على عمر القلب، بل يمكن أن يجعله "أصغر" فعلًا من عمرك الزمني بفضل تحسن الدورة الدموية واستقرار ضغط الدم.
العمر الذي يكشفه القلب
يقول الباحثون في معهد Potocsnak للطب الحيوي طويل العمر التابع لجامعة نورث وسترن إن تحليل عمر القلب يمكن أن يكشف كثيرًا عن صحة الجسم ككل، لأن القلب هو أكثر أعضاء الجسم تأثرًا بعوامل الحياة اليومية. فبينما يمكن إخفاء الإرهاق أو الإجهاد عن الآخرين، لا يمكن إخفاؤهما عن عضلة القلب.
فحص عمر القلب إذًا ليس رفاهية، بل وسيلة دقيقة لقراءة "الزمن البيولوجي" الحقيقي داخل الجسد، ولمنح صاحبه فرصة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء بالعادات الصحيحة قبل أن يفوت الأوان.