حازم حسين

خروجا من الثنائية إلى التدويل.. عن «القرار 2803» وآخر ما كان يتمنّاه نتنياهو فى غزة

الخميس، 20 نوفمبر 2025 02:00 م


حدث آخر ما كانت تتمنّاه إسرائيل، الرسمية والشعبية على السواء. ربما ليس على صورة مثالية بالنسبة للفلسطينيين؛ لكنه يكفى لإزعاج الاحتلال راهنا، واستدراجه مستقبلاً إلى نطاقات لم تُطرَق من قبل، وإرساء مسار يُمكن الاستثمار فيه، وليس من السهل عكس اتجاهه أو دفعه للوراء مُجدّدًا، وقد يتطوّر بالمشاكلة وتشابه السياقات؛ ليمتد إلى الضفة الغربية لاحقا.


ظل الصراع فى فلسطين ثنائيًّا مُغلقًا على طرفيه منذ النكبة الكُبرى أواخر الأربعينيات. وتأكّد إحكام الدائرة مع حرب يونيو 1967، باقتطاع الضفة من الأردن وقطاع غزّة من الإدارة المصرية. وما يحدث الآن؛ أنه يُخرَج من مُعادلته الضيّقة بين النهر والبحر، إلى فُسحة المنطقة والعالم؛ ليُوضَع على طريق تتشابك فيه السياسة مع القانون وتعدُّد الرؤى والإرادات، ويُدَوَّل بالممارسة العملية للمرة الأولى على الإطلاق.


أكثر النقاط حساسية فى مشروع القرار الأمريكى الأخير، أكثرها جديّة ومُغايرة للسوابق المُعتادة. ذلك أن الولايات المُتّحدة تُقرّ عن اقتناع بأنه لا أُفق لحلحلة الأوضاع دون شراكة خارجية مباشرة، ولا فائدة من تفويض تل أبيب فى إدارة الجبهة بصلاحيات وإسناد كاملين.


وحتى لو كانت تتقصّد إعفاء حليفتها من أعباء الالتحام المباشر عند النقاط الساخنة؛ فما وراء ذلك أنها تصادر فُرصها لمواصلة التسخين، والتذرّع به، أو القفز السهل على الخطوط وإعادة إنتاج الأزمات نفسها بوتيرة متكررة.


ويصح القول؛ إن مجلس الأمن عندما صوّت مساء الاثنين الماضى/ صباح الثلاثاء بتوقيت المنطقة العربية، على قراره الأحدث برقم 2803، مانحًا شرعيته الدولية لخطة ترامب بنقاطها العشرين، وأهمها مجلس السلام وما يتفرّع عنه من إدارة مدنية وقوّة استقرار، كان يُثبّت شكلاً من القطيعة مع الماضى، ويؤسِّس لمرحلة لن تعود الأمور بعدها إلى ما كانت عليه فى السابق.


وكانت روسيا قد أعدّت مشروعًا منافسًا، بدا أنه يُناكف واشنطن بأكثر مِمّا يُقدّم تصوّرًا بديلاً. كتبت قبل أيام أنه ربما يكون بتنسيق مع المجموعة العربية الإسلامية، ولغرض ترشيد الاندفاعة الأمريكية واستخلاص تعديلات جوهرية على مسوّدتها السيّارة فى أروقة المجلس قبل ذلك بأسبوعين.


وتوقّعتُ ألا تُقدم على طرح ورقتها رسميا من الأساس، كما لن تستخدم حق النقض، وأقصى ما يُتوَقّع منها أن تمتنع عن التصويت، وهو ما تحقق وشاركتها الصين فيه؛ ليمُرّ النص المُعدَّل بأغلبية ثلاثة عشر صوتًا.


فرنسا صوّتت بالإيجاب مع ملاحظات لم ترق لدرجة التحفُّظ المُعلن. وقالت إنها بالموافقة تُراهن على إفساح مجال للسلام؛ ولو انطوت الصياغة على غموض هنا أو قصور هناك. وهو ما لا يبتعد عن مواقف العواصم الكبرى فى المنطقة؛ بين الترحيب اغتناما للفرصة، والتحوّط الاستباقى من الثغرات ومزالق التطبيق. وتلك الحالة تُلخّص جوهر العُقدة الكبرى فى المشهد كله ما بعد طوفان الأقصى.


احتلّ السنوار برصاصته الأولى حاضر غلاف غزّة، الذى صار ماضيًا بعيدًا اليوم؛ لكنه صادر المستقبل من الحركة والغزّيين وداعميهم أيضًا. وكل ما بعد نشوته الخاصة؛ تحولت فيه الأمكنة والأزمنة إلى جنازات ومراثى لا حصر لها، وتجلّى أن غاية ما يُمكن السعى إليه أن تُوظّف الجهود والطاقات للإنقاذ لا إحصاء الأرباح، والاستدراك على الخطيئة وليس اقتفاء آثار الآمال البعيدة؛ وقد أضحت أبعد وأشد تعذّرًا واستحالة.


ويبدو لكل ذى بصر وبصيرة؛ أن مدار الاستباق هُنا على انتشال الجغرافيا وساكنيها من مخالب عدوّ جارح، وليس التوصل إلى اعتدال الميزان أو رفع رايات النصر المزعوم.
ما يعنى أن المفازة كلّها فى وقف المقتلة أوّلاً، ثم تحييد آلة الحرب الجهنّمية عن أن تُبقى الميدان مُلتهبًا، أو تحتفظ برصيدها العتيق من الذرائع والمُبرّرات.


الحياة غنيمة العُزّل الضائعة، والثبات على الأرض أثمن ما يُقَدّم لهم، وفوارق القوّة والمكانة لدى الفاعلين الكبار لا تسمح برومانسية البطولات الوهمية.


موقف البيت الأبيض يُشبه الحياد من زاوية مُنحازة، أو العكس؛ لكنه أفضل ما تحصّل عن رقصة السلاح الطويلة، وعن شهورٍ من مناورات السياسة والدبلوماسية.

 

يمنح الاحتلال شيئًا ويسلبه أشياء، ويُمنّى الضحايا بمنافع مؤجّلة؛ إنما لا يملكون رفاهية المُجادلة فيها، أو البقاء فى قعر المحرقة بدلاً من محاولة إطفائها، أو اختبار الحركة فى بيئة يمكنها التنفُّس؛ ولو من شقٍّ جراحى فى الحنجرة!


دعايات نتنياهو أنه لا سبيل للتعايش مع حماس، أو مع قطاع يعتنق عقيدة المقاومة ويُولِّد مزيدًا من صورها اليوم وغدا.


والبديهى لدى البعض؛ أن كل ما تطلبه إسرائيل أو يُحقِّق مصالحها ظاهرًا، لا مفرّ من أن يكون مرذولاً ومُستبعدًا من باقة الخيارات، وأن سلامة الانحيازات واستقامتها تفرض وجوبًا أن يكون أهل القضية على الضدّ دون تدبُّر، وبمعزلٍ عن المواءمة الظرفية وحسابات الحاجات الاضطرارية والمصالح بعيدة المدى.


والحال؛ أن الحماسيِّين أنفسهم كانوا مصلحة صهيونية فى مرحلة ما، ولوقت غير قصير. وسُمِع من اليمين بأطيافه القومية والدينية أن الحركة ذُخر استراتيجى، وتُرجِمَ القول فعلاً بتمكينها من مشاغبة السلطة الوطنية، ثم الانقضاض عليها، وصولاً إلى تدعيم قواها وتمركزاتها داخل القطاع، وغض الطرف عن تراكُم السلاح، والمساهمة الظاهرة فى تأمين تدفقات المال.


أى أن الانقلاب كان اختيارًا لإسرائيل، أو وقع لديها فى موقع التفضيل. وكذلك سلاح الفصائل جنوبًا فى غزّة، تماما كما فى الشمال مع حزب الله اللبنانى. صحيح أنهما شكّلا خطرًا عليها فى بعض الفترات؛ لكنها عندما فاضلت بين الميليشيا والدولة، انحازت للأولى على حساب الثانية.
وما تزال حتى اللحظة تعُدّها بين أصولها الثمينة، وتتحدث عن إفنائها من باب المطالبة بالمستحيل؛ ولأجل أن تظل التوازنات مُختلة، ومسارب الإنقاذ مُغلقة أو مُعلّقة على عناوين وجودية ومضامين صفرية تماما.


وليس شرطًا أن كل ما يفيد إسرائيل ظاهرًا، يخلو من الفائدة لأعدائها والمُعرّضين لتجاوزاتها. ذلك أن الطرح على تلك الصورة يُمسك فى السلاح ويُفلت فاعليته، ويركن إلى الصخب والخُطب المنبرية الزاعقة؛ بلا انشغال بالأثر أو وقع الحماسة على النفس والعقل.


والتركيز على أن إنهاء وضعية الحزب الاستثنائية يخدم الجار المُنفلت؛ إنما يتخطّى حقيقة أن إنهاء صيغة الدويلة المتسلّطة على الدولة يُحقّق مصلحة لبنان وشرط وجودها الطبيعى، ويُعبّد الطريق لرؤية المسألة من منظور وطنى؛ لا عقائدى ولا تحت ضغط المحاور والأحلاف، وكذلك حال حماس فى غزة.


الاختيار ليس بين المقاومة والخنوع؛ ذلك أن الأول صار مُعطّلاً بالفعل، وتحوّل إلى عبء على نفسه وبيئته. والبحث هنا عن حرب أو تهدئة، احتلال أو انسحاب، وفرصة للتعافى أو ارتهان للخراب ودوّامة التيئيس وعدم القدرة على إعادة تطبيع الحياة فى القطاع. وتحت تلك الصفة؛ يصير سلاح الفصائل خصمًا لأولويات المدنيين ومعاشهم، وليس لائتلاف الليكود حاليا، أو أى وريث لن يقل عنه جنونًا؛ ولو قدّم نفسه بديلاً لشارعه والمنطقة والعالم فى غلالة حريرية ناعمة!


ومنطق الرفض المُطلق لكل ما يريده الاحتلال؛ يستوجب بالهندسة العكسية أن ينخرط الرافضون فى كل ما لا يرتضيه. والمقطوع به أن نتنياهو يأخذ بظاهر الخطة الأمريكية ولا يستحسن جوهرها، ولديه عزم مُضمَر على إفشال مراحلها التالية، وبالتبعية لا يتوافق هواه مع الحديث عن الانسحاب من غزة، ولا مع إعادة تأهيلها خلال الفترة الانتقالية، وصولاً إلى تمكين السلطة الوطنية من إدارتها، أو وضع الحق فى تقرير المصير فى أفق النظر البعيد.


سعت تل أبيب إلى تعديل خطّة ترامب، وقد نجحت فى بعض النقاط من دون شكّ، وأخفقت فى غيرها. وكثّفت جهودها خلال الأيام الأخيرة لإعادة تحرير مسوّدة القرار الأمريكى، ولم تتوصّل إلى غايتها بشأن طبيعة قوّة الاستقرار، أو الشطب على جُملة التلميح بحل الدولتين.


كان حامل القلم من جانبها رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية وأقرب مستشارى نتنياهو ، الذى استقال مؤخّرًا من منصبه لأسباب غير مُعلنة؛ لكنها ربما تشى بتعقُّد قنوات الاتصال مع واشنطن، أو تنازُع البلدين فى الشواغل والأولويات.


يُضمِر زعيم الليكود فى نفسه ما لا يتجاسر على التصريح به. ويأمل من حماس أن تُلاقيه على مواعيده المبهجة؛ فتتولّى عنه مهمّة إسقاط الخطة أو إحالتها إلى خزانة الآمال المُجهضة، ولدى فلسطين رصيد وافر منها.


أُرغِم دون إرادته على خطة البنود العشرين، واضطُرّ مؤخّرًا للترحيب بقرار مجلس الأمن على ما فيه من خلافيات؛ لكنه اختزل موقفه فى رسالة بالإنجليزية على حسابه الرسمى؛ كأنه تلميذ يؤدّى فرضه المنزلىّ، ويُسمِع ترامب ما يريد سماعه؛ مع عجزه الملموس عن نقله إلى شارعه، أو تقديم ما يُستَدَلّ به على أنه يُدار من خارج فضاء إسرائيل، وصار تحت وصاية حليف عاش يُسوّق أنه قادر على برمجة أجندته وتحديد نطاق حركته واختياراته كما يُحبّ ويرضى.


والأغرب؛ أن ذارعيه العاريتين أُدخِلتا، قهرًا على ما يبدو، فى قميص من الجبس والضمادات. صمت الوزيران المتطرفان بن جفير وسموتريتش؛ فلم يُعقّبا على تصويت مجلس الأمن. ولهما سوابق فى رفض اقتراحات أقلّ سوءًا، ومُناطحة رئيس الحكومة وتهديده بإسقاطها لو توقّفت الحرب، أو ذهب إلى أقل من الاحتلال الكامل والسيطرة الأمنية المطلقة على القطاع.


رُدِعَا برسائل حادة من واشنطن، أو أسكتهما «بيبى» المردوع بإملاءات وتوازنات، لا فارق بين الاحتمالين؛ طالما أنهم جميعا يرشفون من كأس السمّ باستياء مكتموم أو ارتياح مُصطَنَع.


فى المقابل؛ أطل الحمائم من وكر الصقور، أو بالأحرى هؤلاء الذين يُصوّرون فى أطروحة البدائل على صفة اللون الأكثر اعتدالا والأقل امتزاجا بالدم.


نخب سياسية، وأكاديميون وإعلاميون، عبروا عن ضيق صارخ بالولاية الأمريكية على القرار بشأن غزة، وما يتخفّى فى ثناياه من تسريب أطروحة الدولة الفلسطينية برفق وأناة، وعلى أمل البناء المتدرج أو أن الأمور لا تعود بعد المفصليات الكبرى إلى حالها فى أزمنة الاحتدام الصاخبة؛ لا سيما بعدما تُنتزَع الحبال من أيدى الطرفين المتصارعين، ويدخل آخرون من الخارج على خط اللعبة بإرثها الثنائى وقوانينها الظالمة.


قال زعيم المعارضة يائير لابيد إن نتنياهو وحكومته يرضخون لضغط الأميركيين، ويُغادرون ثابتة فصل غزة عن الضفة وضم أراضى الأخيرة، وصولا إلى تبنّى توجيهات بشأن التعاون المستقبلى مع رام الله. وتبعه أفيجدور ليبرلمان، اليمينى المتطرف وحليف زعيم الليكود سابقا ووزير خارجيته فى حكومة 2009، مهاجما القرار باعتباره حصيلة الإدارة الفاشلة للحكومة القائمة.


لعب نتنياهو فى الكواليس كيفما أُتيح له؛ لكنه لم يبرز إلى المسرح بملابس القتال فى مواجهة إرادة ترامب.


فيما استبقت حماس تصويت مجلس الأمن على القرار ببيان نسبته إلى «الفصائل الفلسطينية» بتعميم غير محدد، وأتبعت إقراره ببيان آخر يحمل اسم الحركة وحدها، وكلاهما يرفضان المقترح ويعُدّانه وصاية دولية غير مقبولة.


ومفهوم أنه لا قد يعنيها وضع مجلس السلام، ولا حدود علاقته بالإدارة التكنوقراطية المؤقتة، بقدر ما تنشغل بمهام قوة الاستقرار التى ستخصم من حضورها على الأرض، ثم ستكون مكلفة بنزع سلاحها أو تحييده، وأخيرا إحلال السلطة الوطنية بدلا من الأطراف الثلاثة: الاحتلال والقسام والقوة الدولية.


الحماسيون يرفضون بقاء إسرائيل فى القطاع من دون شك؛ لكنهم لا يملكون وصفة لإجلائها من دون تنازلات. والأثمان المطلوبة ليست باهظة بالقياس إلى مأساوية الوضع الراهن؛ لكن الخطر أنها تقطع عليها طريق العودة مستقبلا، وتُجيّر رصيد النكبة التى تسببت فيها الحركة لصالح غريمتها المباشرة، حركة فتح، القابضة على مقاليد منظمة التحرير والسلطة.


فكأنها إزاء مخطط يُحملها أعباء المقامرة الطوفانية كاملة، ويضيف لحساب منافسيها رصيد الشراكة فى برنامج التعافى والدفاع عن الثوابت الكبرى بشرا وحجرا، وهو ما لا ترتضيه رؤوس الأصولية الساخنة لحسابات فصائلية خالصة، ولأثر ذلك على دعايات المقاومة بمنطقها القديم، واختزالها فى تصوّر أصولى يستمد وهجه من شعارات الوقفية الإسلامية وفلسطين الكاملة من البحر للنهر، وإن انطفأ اليوم تحت مظلة الهزيمة ومعاونة العدو على القضية وأهلها، فقد لا يتّقد أو تتأجج مشاعله مرة ثانية.

 

والاحتباس وراء جدار المصالح الحركية والائتلافية؛ يُغلّب الخاص على العام، ولا تسترعيه المخاطر الكامنة وراء تعطيل المطروح، مع العجز عن إيجاد البديل.
التجميد أخطر من عودة الحرب؛ مثلما كانت المُناكفة فى مقترحات الهُدَن المُتلاحقة أسوأ من الإجبار على نُسخٍ تالية منها بشروط أكثر تشدُّدًا.


لقد طالبت حماس بتفويض القوّة الدولية من مجلس الأمن؛ ثم اعترضت على القرار دون مُبرّرات مُقنعة. وكان أخطر من عدم صدوره؛ أن تتجّه واشنطن إلى تفعيل رؤيتها بإرادة خالصة، وعبر قوّة مُتعددة الجنسيات بدلاً من قوّة مُفوّضة أُمَميًّا، ولها سابقة فى العراق عندما شنّت حربها عليه بعدما أخفقت فى تمريرها من قناة الأمم المتحدة.


اليوم؛ يحمل الأمريكيون نصًّا صريحًا، وإن غاب عنه الإجماع المُطلق. لن تتشكّل القوّة قبل أسابيع، ودونها مآخذ وتحديات مع قوى كبرى فى الإقليم وخارجه.


الإمارات قالت على لسان المستشار البارز أنور قرقاش إنها قد لا تشارك فيها تأسيسًا على غموضها وعدم وضوح المهام، وأكد وزير الخارجية بدر عبد العاطى أن مصر تدعم المقترح لأسباب عملية، وليس شرطًا أن تكون طرفًا مباشرًا فيه. كما أن إسرائيل ترفض مشاركة تركيا.


والارتياب هُنا يعود فى جانب إلى عدم اكتمال التوافقات مع واشنطن، وفى آخر إلى موقف تل أبيب وحكومتها المتطرفة؛ لكنه وثيق الصلة أيضًا بحماس وتذبذب مواقفها.


وفى كل الأحوال سيمضى القرار على طريق التطبيق، ومن مصلحة غزّة والقضية الفلسطينية أن تكون الحاضنة العربية والداعمون المخلصون طرفًا فى تثبيت الاتفاق على الأرض، بدلاً من الاضطرار إلى مواجهة الترتيبات التالية بلا كفّة تعدل الميزان، وتتبنى السردية الوطنية، وتكون شريكًا فى الحل ورقيبًا على انحرافاته المُحتمَلَة.


بالتزامن مع كتابة المقال أمس، يُفتَرَض أن يلتقى المبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف، برئيس الوفد المفاوض لحماس، خليل الحية، فى أنقرة. الحركة تُبدى ليونةً فى اللقاءات المباشرة مع موفدى ترامب، كما فعلت فى الدوحة مع مبعوثه لشؤون الأسرى آدم بوهلر، وأطلقت الجندى مزدوج الجنسية عيدان ألكسندر؛ لكنها تتشدّد مع محيطها الإقليمى، وبقيّة شُركائها فى المسألة الفلسطينية.


قد يشهد الاجتماع قبولاً ضمنيًّا لفكرة تجميد السلاح؛ إنما تظل العبرة بالالتزام، وبأن يُعهَد بالأوراق إلى القوى الإقليمية التى تتفاوض عن الفلسطينيين وتحمى قضيّتهم، لا أن يُتطَوّع بها فى الغُرف المُغلقة، ومن دون مُقابل حقيقى، أو تعزيز لمواقف المعنيِّين بمستقبل القطاع.


أفضت الحرب إلى ما أفضت إليه، ولا سبيل للاستدراك فيه؛ لكن ترتيبات اليوم التالى يجب ألا تكون عُرضة للاختزل والابتذال وقوس الأيديولوجيا الخانق. تثبيت التهدئة لن يتحصّل من دون الانتقال للمرحلة الثانية، وكلاهما لا قيمة له إلا بانسحاب الاحتلال، وبدء خطّة التعافى المبكر وإعادة الإعمار وفق الورقة المصرية.


لن تدفع الدول بعناصرها لحفظ السلام مع مخاطر الانقلاب عليه، ولن يضخ المساهمون أية أموال خارج الاتفاق على رؤية واضحة للإدارة الانتقالية عبورًا إلى الوضع الدائم. وفى كل الأحوال، لا المقاومة العنيفة أو الناعمة مطروحة على جدول الأعمال المُعجّل؛ لأن المفاوض والمقاتل يرقدان معًا فى غرفة العناية المُركّزة.


تدويل الصراع ليس تحوّلاً عابرًا؛ إذ يضع الاحتلال فى مواجهة القوّة الدولية كما يضع حماس. ونزع سلاح الحركة، يُوازيه إخراج التمركزات العسكرية الإسرائيلية من القطاع؛ فكأن فى ذلك نزعًا مُقابلاً لسلاح العدو أيضًا.


يُسبغ هذا حصانة نسبية على غزّة، يُمكن أن تنسحب مستقبلاً على الضفة الغربية بالآلية نفسها، ما يفتح الباب إلى إدخال الاحتلال فى مواجهة دولية بالسياسة الإيجابية والقوّة السلبية معًا، أى الحضور المانع لإمضاء الغطرسة الصهيونية بمنطقها القديم.


وقد لا يكون المخرَج آمنا تمامًا، ويُحتَمَل أن ينتكس طبعًا؛ لكنها فى النهاية حصيلة التشوّه الذى أحدثته حماس فكرًا بالتديين المُفرط، وسلوكًا بالانقلاب والمُقامرات الفجّة، وإدارة سيئة وعشوائية بالدخول فى الحروب دون امتلاك خطّة لإرادتها، أو شجاعة للانسحاب منها فى الوقت المناسب.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب