لم يعد معرض الشارقة الدولي للكتاب مجرد حدث ثقافي ضخم، بل بات مساحة يومية للدهشة، حيث تلتقي الفكرة بالتجربة، والكتاب بالخيال، والزائر برحلة لا تشبه ما قبلها، وفي دورته الرابعة والأربعين، خطف المعرض الأنظار بمجموعة من اللحظات اللافتة التي تحولت إلى حديث الجمهور، بعدما أعادت تعريف معنى الفعاليات الثقافية، وقدمت طرقا مبتكرة في الاحتفاء بالقراءة والفن والإبداع.
"صيدلية الشعر".. حين تتحول القصيدة إلى دواء
صيدلية الشعر بمعرض الشارقة للكتاب
من بين أكثر المشاهد التي شغلت الزوار هذا العام، كانت تجربة "صيدلية الشعر" التي ابتكرتها الشاعرة البريطانية ديبورا ألما، والتي قدمت خلالها وصفات شعرية توصف كما لو كانت أدوية للروح. يدخل الزائر فيسأله الصيدلي: "كيف تشعر اليوم؟" ثم يكتب له قصيدة تعالج حزنه أو توتره أو رغبته في الأمل.
هذه الفكرة البسيطة بدت وكأنها انتصار للكلمة، واحتفال بقدرتها على مداواة ما لا تصل إليه يد الطب، وظل الزوار يترددون على الجناح، بعضهم بدافع الفضول، وآخرون لأنهم وجدوا في القصائد لحظة صدق لا تحدث كل يوم.
"اصنع غلاف كتابك بنفسك".. حين يصبح القارئ شريكًا في الإبداع

اصنع غلافك
ومن التجارب التي أثارت اهتمام العائلات والشباب على حد سواء، "اصنع غلاف كتابك بنفسك"، التي سمحت للزوار بتجربة صناعة الغلاف كما يفعل المصممون المحترفون، حيث دعا الزوار إلى كتابة عنوان يختارونه بحرية، ليشاهدوا خلال ثوانٍ كيف يتحول النص إلى غلاف فني نابض بالحياة، ينفذه النظام الذكي بناء على الكلمات المختارة، في مزيج بصري يجسد روح الفكرة أو المشاعر التي تختزنها العناوين.
والتجربة التي تجمع الفكر الإنساني بالذكاء الاصطناعي لا تهدف إلى إنتاج كتاب مادي، بل إلى إحياء اللحظة الوجدانية بين الإنسان والكتابة، وإعادة الغلاف إلى مكانته الأولى بوصفه عتبة للخيال وبوابة للقصص التي لم تُروَ بعد. يقول النص المطبوع في واجهة المنصة "دع غلافك يتجسد بروح كتابك".
جلسات النجوم.. من ويل سميث إلى قامات الثقافة العربية

لم تخل أيام المعرض من حضور لامع لأسماء عالمية وعربية، كان أبرزهم النجم العالمي ويل سميث الذي قدم واحدة من أكثر الجلسات ازدحاما وإلهاما، كشف عن ذكرياته ورؤيته للحياة.

الدكتور سلطان العميمي
إلى جانب ذلك، شهدت القاعات ندوات لكتاب وفنانين ومفكرين من مختلف الدول العربية، مثل والكاتب والمسرحي المصري محمد سلماوي شخصية العام الثقافية، والدكتور سلطان العميمي، والدكتور زاهي حواس، والكاتب طالب الرفاعي، والدكتور وسيم السيسي، و محمد جودت، إلى جانب نجمي السينما العربية خالد الصاوي وظافر العابدين، والكاتب الإيطالي البروفيسور كارلو روفيلي، والايرلندي باول لينش وغيرهم، في مشاهد أكدت أن الشارقة أصبحت إحدى أهم محطات الحوار الثقافي في المنطقة.

أجنحة الأطفال… عالم من الخيال اللامتناهي
وكالعادة، لم يخذل جناح الطفل زواره الصغار ورش الرسم، تجارب العلوم، عروض المسرح التفاعلي، وصناعة الدمى، كلها تحولت إلى مساحة تعلم ممتع تجمع بين المرح والمعرفة، وبدت وجوه الأطفال وهي تغادر الأجنحة وكأنها تحمل قصصًا جديدة، وبعضها يحمل كتابه الأول الذي اختاره بنفسه.
المفاجآت البصرية في الأجنحة الدولية
تميّزت الدورة الرابعة والأربعون بحضور دولي واسع، حيث قدّمت بعض الأجنحة معروضات أبهرت الزوار، من الكتب النادرة، إلى الفنون المحلية، إلى تجارب الواقع الافتراضي التي دفعت بعض الحضور للعودة أكثر من مرة لاستكشافها.
حفلات التوقيع.. لقاء مباشر بين الكاتب والقراء
لم تغفل إدارة المعرض عن تنظيم حفلات توقيع الكتب، حيث التقى القراء بكتابهم المفضلين في ظل أجواء ودودة، وهذه اللقاءات كانت ليست فقط توقيعًا للكتب، بل توقيعًا للحظات، تذكارًا يكمن في داخل الصفحة الأولى من الكتاب.
أمسيات فكرية وثقافية.. من النجوم إلى المفكرين
إلى جانب الفعاليات الترفيهية، شهد المعرض جلسات فكرية كبيرة بمشاركة أكثر من 250 مبدعًا من 66 دولة، بينهم كتاب، باحثون، شعراء، ومفكرون من العالم العربي والعالم، أضاءوا المنصة بحواراتهم، قراءاتهم، ومداخلاتهم التنوعية.
مفاجأة البودكاست.. منصة صوتية للحوار
في ركن محطة البودكاست، استضاف المعرض عددًا من أشهر البرامج العربية الصوتية، وهذا الركن جعل الصوت جزءًا من التجربة الحية في المعرض، حيث يمكن للزوار الاستماع إلى الحوارات، أو حتى التسجيل والمشاركة في بعض الفقرات.

ضيوف الشرف والجهود الدولية
تألّق المعرض بحضور ضيوف من مختلف الدول، من بينهم 66 ضيفاً عالمياً من 19 دولة، و62 ضيفاً عربياً من 20 دولة، إلى جانب 30 متحدثاً إماراتياً يثرون المشهد الثقافي بخبراتهم وإبداعاتهم، وكان اليونان ضيف الشرف هذا العام، بجناح خاص يُبرز تراثها الأدبي والثقافي، مع مشاركة واسعة لمؤسسات نشر يونانية وإصدارات مترجمة.
إقبال هائل يترجم نجاحا ثقافيا
كل هذه الفعاليات المبتكرة من صيدلية الشعر إلى ورش الغلاف، من التوقيعات إلى البودكاست لم تكن مجرد إضافات ثانوية، بل شكلت جزءًا من استراتيجية المعرض لزيادة التفاعل مع القارئ وجعله محور التجربة.
وقد أسفَر ذلك عن إقبال استثنائي، إذ اختتمت الدورة 44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب باستقبال 01,400,73 زائر من 206 جنسية، ومشاركة أكثر من 2350 ناشراً وعارضاً من 118 دولة.

الإقبال الكثيف على معرض الشارقة للكتاب
هذا النجاح الكبير ليس فقط رقمًا، بل دليل على أن الشارقة تستمر في ترسيخ موقعها كمنصة عالمية للحوار الثقافي، وبوابة للمعرفة عبر الكتب.
