إيران على خط "صفر ماء".. فصل الخريف الأكثر جفافًا منذ نحو خمسة عقود.. انخفاض حاد بمعدل هطول الأمطار فى بعض الأحواض المائية لـ89%.. ومنسوب الأنهار والسدود يتراجع لمستويات حرجة.. وجفاف أجزاء من بحيرة أرومية

الأربعاء، 19 نوفمبر 2025 04:00 ص
إيران على خط "صفر ماء".. فصل الخريف الأكثر جفافًا منذ نحو خمسة عقود.. انخفاض حاد بمعدل هطول الأمطار فى بعض الأحواض المائية لـ89%.. ومنسوب الأنهار والسدود يتراجع لمستويات حرجة.. وجفاف أجزاء من بحيرة أرومية تلقيح السحب

كتبت أسماء نصار
  • القطاع الزراعى يستهلك 88% من موارد المياه بسبب طرق الرى التقليدية وزراعة محاصيل شرهة

  • جفاف أجزاء من بحيرة أرومية أكبر البحيرات المالحة فى العالم

  • تدهور منسوب المخزون الجوفى بسبب حفر الآبار لتعويض نقص المياه السطحية

  • الانخسافات الأرضية تهدد البنية التحتية ومواقع أثرية مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.. والعقوبات تمنع طهران من استيراد حلول التحلية المستدامة

  • تلقيح السحب لزيادة هطول المطر بنسبة تصل 20%.. رئيسة منظمة الأرصاد الجوية الإيرانية التكلفة باهظة والأمطار التى تنتجها لا تقترب من المطلوبة لحل أزمة المياه

  • رئيس المركز الوطنى لأبحاث تلقيح السحب: التلقيح سيستمر حتى منتصف مايو

 

تواجه ايران حاليًا أزمة كبيرة، تتجسد فى شح مائى غير مسبوق، فهو ليس مجرد دورة جفاف طبيعية، بل هو نتاج تضافر آثار التغيرات المناخية، مع الإدارة المائية غير المستدامة، وخناق العقوبات الدولية الذى يمنعها من استيراد حلول التكنولوجيا الحديثة، وهذه الأزمة متعددة الأوجه وضعت المدن الكبرى، وعلى رأسها طهران، فى وضع حرج، حيث باتت التحذيرات تتصاعد من خطر نفاد مياه الشرب واحتمالية تقنين المياه أو حتى تهديد قابلية العيش فى المراكز الحضرية.

 

فى ظل هذا المشهد القاتم، لجأت طهران إلى حلول إسعافية تكنولوجية، أبرزها تلقيح السحب، فى محاولة لكسب الوقت لكن هذه التدابير قصيرة الأجل تقف عاجزة أمام التحديات الهيكلية المتمثلة فى الهدر الزراعى المفرط، والاستنزاف الكارثى للمياه الجوفية، وبنية تحتية متهالكة تتداعى تحت وطأة الإهمال والقيود الخارجية.

 

تشريح جفاف الخمسين عامًا والتهديد البيئى والتراثي

تشير البيانات الرسمية للأرصاد الجوية الإيرانية إلى أن إيران تمر حاليًا بـ"فصل الخريف الأكثر جفافًا" منذ نحو خمسة عقود، حيث سجلت مناطق واسعة انخفاضًا كارثيًا فى معدل المتساقطات، تجاوز فى بعض الأحواض المائية الحيوية 89% عن المتوسط الطبيعى طويل الأجل، وهذا النقص لم يقتصر تأثيره على منسوب الأنهار والسدود -التى انخفضت مستويات تخزينها إلى مستويات حرجة- بل تحول إلى كارثة بيئية ذات أبعاد اجتماعية وتراثية.

 

تدهور النظم البيئية والمعالم

أكثر الأمثلة وضوحًا لهذا التدهور البيئي هو مصير بحيرة (أرومية)، التى كانت يومًا من أكبر البحيرات المالحة فى العالم، وأدى جفاف معظم مساحتها إلى تحويل قاعها إلى صحراء ملحية ضخمة، تطلق عواصف ملحية تهدد خصوبة التربة الزراعية فى المحيط، وتزيد من المشاكل التنفسية والصحية للسكان المحليين، مما يهدد الأمن الغذائى والصحة العامة على حد سواء.

 

و شهدت بحيرة أرومية، التى تقع فى المناطق الجبلية بين مدينتى تبريز وأرومية، انحسارًا فى منسوب مياهها منذ عام 1995، بعدما كانت تُصنَّف كواحدة من أكبر البحيرات شديدة الملوحة فى العالم.

 

ويعد جفاف البحيرة من أكبر الكوارث البيئية التى ضربت المنطقة خلال الخمسة وعشرين عامًا الماضية، نتيجة عاملين أساسيين هما الإهمال البشرى والتغير المناخي.

 

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الايرانية كانت قد أعلنت قبل سنوات أن البحيرة بدأت فى استعادة جزء من منسوبها المائي.

 

كما أن الأزمة طالت المعالم التراثية، ففى مدينة أصفهان التاريخية، أدى الجفاف المتكرر لنهر زاينده رود إلى التأثير على المنظر الجمالى للمدينة وتراجع السياحة المرتبطة بالجسور التاريخية.

 

وفى مدن أخرى، أدى نقص المياه إلى تراجع السياحة الداخلية المرتبطة بالوجهات المائية بأكثر من 10% خلال مواسم الصيف الأخيرة، خاصة فى محيط الأنهار الكبرى وبحيرة أورمية، مما يشكل ضربة قاصمة لقطاع حيوى لإيران.

 

هدر الأنهار الجوفية وتهديد الآثار

يشير الخبراء، إلى أن الأزمة المائية فى إيران هى بالأساس أزمة إدارة، حيث فاقمت السياسات الداخلية عقودًا من الجفاف.

 

ويوضح الخبراء الخبراء، أن الجذور الهيكلية للمشكلة تكمن فى 3 محاور رئيسية، يزيدها تعقيدًا خطر الزوال الذى يواجه الإرث التاريخي.

 

الاستنزاف الزراعى المفرط

القطاع الزراعى هو المستهلك الأكبر والأكثر هدرًا للمياه فى إيران، حيث يلتهم نحو 88% من موارد المياه المتجددة، ويرجع هذا الهدر إلى الاستمرار فى استخدام طرق الرى التقليدية غير الجيدة على نطاق واسع، ومما يزيد الأمر سوءًا، الإصرار على زراعة محاصيل شرهة فى استهلاك المياه فى مناطق جافة وشبه قاحلة، ما يمثل سوء توظيف للموارد الشحيحة.

 

الكارثة الجوفية وانخساف الأرض

كما يواجه المخزون الجوفى، الذى كان يعتبر بمثابة احتياطى استراتيجى، استنزافًا كارثيًا، نتيجة المبالغة فى حفر الآبار، سواء المرخصة أو غير المرخصة، لتعويض نقص المياه السطحية، وهو ما أدى إلى تدهور خطير فى منسوب المياه الجوفية، والنتيجة البيئية المباشرة والمدمرة لهذا الاستنزاف هى ظاهرة انخساف الأرض، حيث تغوص التربة وتنهار مساحات شاسعة.

 

وتعد إيران من بين الدول الخمس الأولى فى العالم من حيث معدلات الهبوط الأرضى، وقد وصل معدل الهبوط فى بعض المناطق حول طهران إلى 31 سنتيمترًا سنويًا.

 

الخطر على التراث العالمي

لا يهدد هبوط الأرض البنية التحتية والمنشآت الحديثة فحسب، بل يهدد مواقع أثرية مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمى، حيث تقع مواقع مثل برسيبوليس "تخت جمشيد" وباسارغاد ومدينة يزد التاريخية بالقرب من مناطق تشهد انخسافًا أرضيًا كبيرًا، وهذا التحول المستمر فى استقرار القشرة الأرضية يهدد استقرار الهياكل الحجرية التى صمدت لأكثر من 2500 عام، مما يضع التراث الثقافى الإيرانى ويضعه فى دائرة الخطر المباشر نتيجة للإدارة المائية غير المسؤولة.

 

حاجز التكنولوجيا والتمويل

فى ظل هذه التحديات الهيكلية، لجئت إيران إلى تدابير إسعافية مؤقتة فهى تقف عاجزة أمام القيود الخارجية بتلقيح السحب كرهان مؤقت، ووفقًا للخبراء يعد "تلقيح السحب" الرد التكنولوجى السريع حيث يتم رش جزيئات دقيقة من مواد كيميائية مثل يوديد الفضة لتحفيز الهطول، مع التركيز على المناطق التى تغذى السدود الرئيسية.

 

ورغم تأكيدات طهران بأن هذه التقنية قد تزيد الهطول بنسبة تصل إلى 20%، يظل هذا حلًا مكلفًا وغير مضمون النتائج، ولا يعالج الأسباب الجذرية للأزمة.

 

وقالت سحر تاج بخش رئيسة منظمة الأرصاد الجوية الإيرانية فى تصريحات صحفية "بالإضافة إلى التكلفة الباهظة لاستمطار السحب، فإن كمية الأمطار التى تنتجها لا تقترب بأى حال من الكمية المطلوبة لحل أزمة المياه الموجودة لدينا".

 

من جانبه أوضح محمد مهدى جوديان زاده، رئيس المركز الوطنى لأبحاث تلقيح السحب، فى تصريحات صحفية بأن عمليات تلقيح السحب ستستمر حتى منتصف مايو، "سواءً بالطائرات أو الطائرات المسيرة، فى حال توفر أنظمة مناسبة فى البلاد".

 

وأضاف زاده: "نظرًا لموقع بلادنا فى مناطق قاحلة والحاجة الملحة لموارد مائية متجددة، فإن تلقيح السحب يُجرى فقط لزيادة هطول الأمطار فى أحواض تجميع المياه المختلفة".

 

العقوبات وحصار الحلول المستدامة

و تجبر العقوبات الدولية المفروضة على إيران، خاصة تلك المتعلقة بالقطاع المصرفى والطاقة، على التراجع عن تبنى حلول مستدامة وعالية الكفاءة مثل تحلية المياه، حيث تمنع هذه العقوبات الحكومة والقطاع الخاص من الحصول على القروض الدولية والتمويل الأجنبى اللازم لإطلاق مشاريع تحلية عملاقة تتطلب مليارات الدولارات فى الاستثمار الأولي.

 

ويشير الخبراء إلى أن إيران تحتاج إلى محطات تحلية حديثة ومضخات عالية الكفاءة وتمنع قيود التصدير و"الامتثال المفرط" من قبل الشركات العالمية بيع هذه المكونات لإيران خوفًا من التعرض للعقوبات الثانوية، مما يجبر طهران على الاعتماد على تقنية محلية أقل كفاءة واستهلاكًا أعلى للطاقة، ويزيد من تكلفة الصيانة والتشغيل.

 

الاستراتيجية الحكومية والتحول نحو الكفاءة

و فى محاولة للتصدى لهذه التحديات الهيكلية والقيود الخارجية، تنفذ الحكومة الإيرانية مجموعة من الإجراءات والخطط الطموحة مثل التوسع الاستراتيجى فى التحلية والطاقة المتجددة لزيادة السعة الإنتاجية من المياه المحلاة إلى 4 مليارات متر مكعب سنويًا، ويتم العمل على مشاريع نقل المياه المحلاة من الخليج الفارسى إلى المحافظات الوسطى "كرمان ويزد"، مع استمرار التخطيط لمشروع عملاق لنقل المياه إلى طهران.

 

وبما أن التحلية عملية كثيفة الاستهلاك للطاقة، أعلنت الحكومة عن خطة موازية لإضافة ما يصل إلى 10,000 ميجاوات من الطاقة المتجددة "الشمسية والرياح" لتوفير الطاقة النظيفة اللازمة لتشغيل محطات التحلية وتخفيف الضغط على شبكة الكهرباء.

 

إصلاح البنية التحتية

كما أطلقت الحكومة الإيرانية خطة الـ 1000 مشروع فى قطاعى المياه والكهرباء، بهدف تحديث شبكات المياه وتقليل الفاقد الناتج عن التسربات بالإضافة إلى ذلك، يتم التركيز على السعى لتأمين تمويل دولى لتطوير شبكات معالجة الصرف الصحى لزيادة القدرة على إعادة تدوير المياه الرمادية واستخدامها فى الصناعة والزراعة، ودفع خطط للتوسع فى الرى الحديث الموضعى وتشجيع المزارعين على التحول إلى زراعة محاصيل أقل استهلاكًا للمياه، فى محاولة لكبح جماح الهدر فى القطاع الزراعي.

 

التداعيات الاجتماعية

تجاوزت أزمة المياه فى إيران نطاق البيئة لتصبح قضية أمن قومى واجتماعى حيث كان نقص المياه المباشر سببًا رئيسيًا لاندلاع احتجاجات واسعة فى مناطق مثل إقليم خوزستان عام 2021، نتيجة سوء إدارة الموارد المائية، كما يؤدى الجفاف إلى انخفاض حاد فى الإنتاج الزراعى، مما يزيد من اعتماد البلاد على الواردات ويهدد الأمن الغذائى، خاصة فى ظل القيود الاقتصادية.

 

جدير بالذكر أن إيران محصورة بين مطرقة الجفاف الطبيعى وسندان الإدارة الداخلية والعقوبات الخارجية، وبينما تمثل عمليات تلقيح السحب والمشاريع الإسعافية محاولة لكسب بعض الوقت، يظل الحل المستدام الوحيد هو الشروع فى إصلاح هيكلى جذرى يشمل إصلاح سياسات الرى الزراعى، والتحول إلى تقنيات عالية الكفاءة، وإدارة الموارد الجوفية بحكمة، وفشل تنفيذ هذه الإصلاحات، فى ظل القيود التمويلية والتكنولوجية، يعنى أن "كارثة العطش" مرشحة للتفاقم والتهديد الفعلى لاستقرار وسلامة المجتمع الإيرانى وتراثه التاريخي.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب


الموضوعات المتعلقة