أصبحت تقنية تلقيح السحب أداة حيوية ضمن الاستراتيجية الإيرانية لمواجهة تحدي ندرة المياه المتفاقم، حيث يتم رش المواد الكيميائية في السحب لتحفيز إطلاق الرطوبة على شكل أمطار، وقد أعلنت إيران مؤخراً عن إجرائها أول عملية استمطار لهذا العام فوق حوض بحيرة أروميه شمال غرب البلاد، وهو ما يسلط الضوء على أهمية هذه التقنية في سياق الأزمة البيئية المتصاعدة.
جهود جوية لإنقاذ أروميه: تنفيذ العملية وتفاصيلها
و نفذت إيران عملية تلقيح السحب باستخدام طائرات مجهزة بمعدات فوق حوض بحيرة أروميه، وهي العملية المتبعة في البلاد منذ سنوات.
ويوضح الخبراء أن هذه التقنية تعتمد على رش مواد كيميائية، أبرزها يوديد الفضة (AgI)، والتي تعمل كـ "نوى جليدية" في السحب الباردة، تحاكي هذه النوى بلورات الجليد الطبيعية، مما يحفز تجمد قطرات الماء فائق التبريد ونموها لتصبح ثقيلة بما يكفي للتساقط على شكل مطر أو ثلج.
و تأتي هذه العملية في إطار جهود متسارعة لـ مواجهة الجفاف في المناطق الشمالية الغربية التي عانت مؤخراً من فيضانات، مما يؤكد على التقلبات المناخية الحادة، لكن الهدف الاستراتيجي يبقى زيادة الإمداد المائي في منطقة تعاني فيها ندرة المياه من قلق متزايد.
مواجهة كارثة السهل الملحي
ويؤكد الخبراء أن عملية الاستمطار فوق حوض بحيرة أروميه لها أهمية قصوى نظراً لوضع البحيرة الحرج، فهى من أكبر بحيرة مالحة في الشرق الأوسط، لكنها تعرضت لانحسار كارثي في منسوب المياه نتيجة الجفاف المزمن وسوء إدارة الموارد المائية، خاصةً مع بناء السدود والاستخدام الزراعي المفرط.
يشار إلى أن جفاف أجزاء واسعة من البحيرة أدى إلى تحول قاعها إلى سهل ملحي شاسع، وهو مصدر رئيسي لـ العواصف الترابية الملحية التي تهدد صحة السكان وتدمر الأراضي الزراعية المحيطة، وبالتالي، فإن الهدف من الاستمطار ليس فقط زيادة المخزون المائي في السدود، بل هو أيضاً تخفيف تركيز الأملاح في ما تبقى من البحيرة وإنقاذ النظام البيئي المتدهور، والأهم من ذلك، تثبيت القاع الملحي للحد من العواصف الخطيرة.
توطين تكنولوجيا الاستمطار الإيرانية
وكشف الخبراء أن الاستمطار في إيران لا يعتمد كلياً على التقنيات الأجنبية، فقد عملت البلاد على توطين وتطوير تقنياتها الخاصة لضمان الاستمرارية والفعالية في مواجهة التحديات اللوجستية والسياسية.
وقد شمل هذا التطور جوانب عديدة منها تطوير مواد تلقيح خاصة محلية الصنع، بما في ذلك إنتاج وتطوير الشعلات والمواد الخاصة بالاستمطار التي تستخدم يوديد الفضة، مما يقلل الاعتماد على الاستيراد ويسهل عمليات التشغيل، و تنويع وسائل الإطلاق، فبالإضافة إلى الطائرات التقليدية، هناك توجه نحو استخدام الطائرات بدون طيار (الدرونز) لضمان مرونة وتكلفة أقل ودقة أكبر في نثر المواد الكيميائية.
كما تم تطوير وتصنيع المولدات الأرضية التي تثبت في المناطق الجبلية لحرق المواد الكيميائية وتوجيه النوى المحفزة إلى السحب بواسطة التيارات الهوائية الصاعدة.
الحل المؤقت
و يؤكد الخبراء أنه على الرغم من التقدم التقني والجهود المستمرة، تظل هذه التقنية، بحسب التحذيرات الإيرانية نفسها، حلاً مؤقتاً ومحدوداً، فهي لا يمكن تطبيقها إلا عندما تتحسن الظروف البيئية وتتوافر السحب الكافية والمشبعة بالرطوبة، كما أن الاستمطار لا يعالج الأسباب الجذرية للجفاف ولا يغني عن الإدارة المستدامة للمياه وترشيد الاستهلاك في القطاعين الزراعي والصناعي.
و بينما تسعى إيران لزيادة الهطول بنسب قد تصل إلى 10% أو 20% في الظروف المثلى عبر الاستمطار، فإن التحدي الأكبر يظل في الموازنة بين الحاجة الملحة للمياه وضرورة تبني حلول طويلة الأمد لمعالجة الأزمة البيئية التي تهدد مستقبل المناطق الحيوية كالتي تحيط ببحيرة أروميه.