حسين ثابت

التكنولوجيا الحيوية.. ثورة الحياة القادمة فى مصر

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2025 05:12 ص


فى عالمٍ يتسارع فيه العلم بخطى تكاد تسبق الخيال، أصبحت التكنولوجيا الحيوية واحدة من أعمدة القوة الجديدة فى القرن الحادى والعشرين. فهى ليست علمًا مختبريًا فحسب، بل منظومة حياة تمسّ الغذاء والدواء والطاقة والزراعة، وتتحكم فى صحة الإنسان واقتصاد الدولة معًا. ومن يملك مفاتيحها يملك القدرة على صنع المستقبل، لا استجدائه.

لقد تحوّلت التكنولوجيا الحيوية فى العقدين الأخيرين إلى ركيزة أساسية فى استراتيجيات الأمن القومى للدول الكبرى. فبحسب تقرير المنتدى الاقتصادى العالمى لعام 2024، تجاوز حجم الاقتصاد الحيوى العالمى 4.3 تريليون دولار، بمعدلات نمو تفوق قطاعات الطاقة والصناعات الثقيلة معًا. ويعنى هذا أن ما كان يومًا حلمًا علميًا أصبح الآن صناعة تدرّ على الدول عوائد ضخمة وتمنحها استقلالًا استراتيجيًا فى الغذاء والدواء.

وفى مصر، حيث الأرض الخصبة والعقول الواعدة، تبدو الفرصة سانحة لأن نضع أقدامنا بقوة على طريق هذه الثورة العلمية. فلدينا أحد أكبر الأرصدة الجينية فى العالم النباتى والحيوانى، تمتد عبر الصحارى والواحات والنيل والدلتا، ولدينا قاعدة علمية من الباحثين فى الجامعات والمراكز القومية يمكن أن تكون نواةً لصناعة حيوية وطنية. فقط رؤية شاملة وإرادة سياسية تجعل من التكنولوجيا الحيوية مشروعًا قوميًا لا نشاطًا بحثيًا محدودًا، وستقفز مصر إلى حيث موقعها الذى هى أهل له.

إنّ استخدام الهندسة الوراثية فى الزراعة على سبيل المثال، لم يعُد ترفًا علميًا، بل أصبح وسيلةً لتأمين الغذاء فى ظلّ تغيّر المناخ وشحّ المياه. فقد نجحت الهند والبرازيل فى مضاعفة إنتاج بعض المحاصيل عبر النباتات المعدّلة وراثيًا المقاومة للجفاف والملوحة. ومصر، بما تمتلكه من خبرة طويلة فى البحوث الزراعية (مركز البحوث الزراعية، المركز القومى للبحوث، كليات الزراعة، كليات التكنولوجيا الحيوية)، مؤهلة لتبنّى برامج مشابهة تُعيد للريف المصرى قدرته على الإنتاج المستدام، وتوفّر مليارات الدولارات من الواردات الغذائية سنويًا.

وفى المجال الدوائى، تُعدّ التكنولوجيا الحيوية كنزًا لا يُقدّر بثمن. فاليوم يُنتَج أكثر من 40% من الأدوية الحديثة عبر تقنيات بيولوجية، مثل الأنسولين البشرى والعلاجات المناعية للأورام والأمراض الوراثية. وقد أثبتت جائحة «كورونا» أن الدول التى تمتلك قدرات فى تصنيع اللقاحات والعقاقير الحيوية هى التى استطاعت أن تحمى شعوبها وتضمن أمنها الصحى. ومن هنا، يصبح الاستثمار فى التكنولوجيا الحيوية ليس مشروعًا طبيًا فقط، بل درعًا للأمن القومى المصرى فى زمن الأوبئة والتهديدات الصحية العابرة للحدود.

لقد آن الأوان لأن تُنشئ مصر مدينة قومية للتكنولوجيا الحيوية، تضم معامل متقدمة ومصانع تجريبية ومراكز لتدريب الكفاءات، تكون جسرًا بين الجامعة والمستشفى والمصنع. فمثلما أنشأت الدولة مدنًا جديدة فى العمران، يجب أن تنشئ الآن مدينةً جديدة فى الفكر والعلم. فالعمران الحقيقى يبدأ من العقل، وهو ما نؤمن أن الدولة المصرية تفطن له.

ولقد وضعت الدولة المصرية للبنية التحتية أساسًا صلبًا، فلتكن المرحلة المقبلة هى بناء البنية العلمية لمصر الحديثة. أن الاستثمار فى التكنولوجيا الحيوية لا يقلّ أهمية عن الاستثمار فى الطاقة أو النقل، بل هو الذى سيمنح هذه المشروعات استدامتها الحقيقية.
ففى زمنٍ يُدار فيه العالم بالعقل والمعلومة والخلية الحية، أن لمصر أن تكون فى مقدّمة من يصنعون الحياة لا فى صفوف من يستهلكونها.

ولْيكن شعارنا فى المرحلة القادمة: من الأرض إلى المختبر… ومن المختبر إلى العالم.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب