حسام الدين حسين

السادة الأفاضل …المجتمع مخدوع بنفسه

الإثنين، 17 نوفمبر 2025 12:33 ص


يأتي فيلم السادة الأفاضل في لحظة تحتاج فيها السينما المصرية إلى عودة الكوميديا السوداء التي تعتمد على الموقف لا على تفاهة الكلمات. هذا الفيلم يضحكك بقدر ما يحرّضك على التفكير، ويعيد الاعتبار لنوع من السخرية التي تكشف تناقضاتنا وتفضح الأقنعة التي نرتديها يومياً.

يمتاز العمل بأن كل عنصر فيه يتحول إلى بطل مستقل؛ فالصوت، حركة الكاميرا، الإضاءة، الملابس، الديكور، والـ tone العام يتناغمون كأوركسترا كاملة. حتى الصمت في بعض المشاهد يحمل دلالة أقوى من الكلام. هذه الدقة في البناء البصري والسمعي تمنح الفيلم حضوراً خاصاً يجعلك تشعر أن كل مشهد مصمم ليكشف شيئاً لا يقال مباشرة.

يعرّي الفيلم ظاهرة التدين الظاهري التي تغطي خواء المضمون، ويسخر من مجتمع يتشدق بالأخلاق بينما يفتقد جوهرها. ويغوص في فكرة الخداع الذاتي؛ فكل شخصية ترى نفسها فوق الحقيقة، بل إن المجتمع بأكمله يتصرف كما لو كان محصناً ضد الخطأ والنقد، وكأن هناك وهماً جماعياً بالتفوق الأخلاقي.

يظهر كريم الشناوي هنا في أفضل حالاته، يقود الفيلم كمايسترو يمسك بإيقاع كل تفصيلة، ويرفع منسوب التوتر والضحك في اللحظة المناسبة.


إنه أحد الأعمال التي يظهر فيها الشناوي كمن يضبط نبض الفيلم بنفسه، فلا شيء يحدث مصادفة… ورغم عدم تخصصي في النقد الفني إلا أنني سأتجرأ على القول أن "كريم الشناوي" هو سيد الإيقاع بلا منازع
فكل لحظة تستدعي الانتباه ،وكل مشهد كنظريات " الكم" في الفيزياء يتوقف على الشاهد أو المشاهد وقدرته على ادراك التفاصيل .


أما  السيناريست مصطفى صقر فيقتنص الوقائع حقيقية من الشارع والمجتمع، ليعيد نسجها في صورة فانتازيا، لكنها فانتازيا تكشف حقيقة أكثر مرارة من الواقع نفسه.


صقر هنا ليس راوياً فقط، بل كاشفاً للنصف المظلم من الإنسان—ذلك النصف الذي نتواطأ جميعاً على تجاهله…ويقدم كتابة ذكية رشيقة وجديدة تمتع النظر و الفكر.

فالشخصيات، مهما بدت كاريكاتورية، هي مرايا مشروخة لواقع نعيشه يومياً

ورغم أن الفيلم يقدم نفسه كتجربة كوميدية جديدة، فإنه يحمل عمقاً فلسفياً واضحاً. ويمكن تشبيهه بأسطورة الكهف عند أفلاطون؛ شخصيات تعيش داخل ظلال أوهامها، تتشبث بصورتها عن نفسها وترفض الخروج إلى الضوء، فيتحول المشاهد نفسه إلى جزء من السؤال: هل نرى العالم كما هو… أم كما نريد أن نراه؟


وتقديري أننا جميعا نحتاج إلى الخروج من الكهف الذي نرى فيه ظلال الخارج إلى النور الحقيقي .


السادة الأفاضل عمل يضحكك بقسوة، ويعرّيك من حيث لا تدري، ويذكّرك أن الكوميديا يمكن أن تكون أخطر أنواع الحقيقة




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب