حسن السعدنى

دولة التلاوة.. كيف صاغت مصر وجدان الأمة بصوت القرآن؟

الأحد، 16 نوفمبر 2025 04:06 م


لقد كانت اللحظة التي أُعلن فيها عن برنامج "دولة التلاوة" أشبه بالنفخة الجديدة في روح مصر الثقافية والفنية، تلك الروح التي طالما كانت منارة للعالمين العربي والإسلامي، إنها شعور غامر بالسعادة يصافح القلب، لأن الرائدة لكل الفنون والآداب والعلوم في المنطقة قد قررت أخيرًا أن تُقيم نصبًا تذكاريًا حيًا لأجل أعظم فنونها على الإطلاق.. فن تلاوة القرآن الكريم.

مصر، التي طالما ارتبط اسمها بعبارة خالدة مثل التي قالها خادم الحرمين السابق لشيخنا الطبلاوي "القرآن نزل في مكة وقُرئ في مصر"، كان تستحق أن تدشن هذا المنبر الإلهي منذ عقود خلت.

ففي الوقت الذي كانت فيه تروج وتنجح في تسويق كل ألوان الفنون والثقافة والعلوم، كانت تلاوة القرآن الكريم تروج لنفسها بأصوات قُرائها الأجلاء الذين كانوا يعرجون بنا إلى رياض الجنة دون الحاجة إلى بساط، فصوتهم هو البساط، وإتقانهم هو المعراج.

كيف لا تتبوأ مصر الصدارة وهي التي سَجّلت أول مصحف مرتّل في التاريخ، وهي التي أطلقت أول إذاعة خاصة للقرآن الكريم قبل أكثر من مائة عام، لتصبح هذه الإذاعة منارة تهتدي بها الأجيال وتستقي منها الأمة عذوبة الكلمة وجمال الأداء؟ كان الواجب يحتّم عليها أن تكون سبّاقة في تدشين مثل هذه البرامج التي تضمن استمرار "الوهج المصري" في هذا الفن، وتضخ دماءً جديدة من المواهب الصادقة إلى الساحة.

لقد وهبت مصر للعالم أصواتًا لا تُبارى، أصواتًا تُلامس شغاف القلوب وتخترق حجب الروح. نذكر على سبيل المثال لا الحصر، الشيخ محمد رفعت قيثارة السماء الذي وُصف بأنه "فوق كل الأصوات"، بصوته الذي يمتزج فيه الحنان بالوقار حتى قال عنه الشعراوي "إذا أردت أن ترى احكام القرآن فعليك ان تسمع الشيخ الحصرى ، إذا أردت الفن الادائى فى الانتقال بين المقامات فعليك بالشيخ مصطفى اسماعيل ، إذا أردت حلاوة الصوت فعليك بالشيخ عبدالباسط عبدالصمد ، إذا أردت كل ذلك فعليك بالشيخ محمد رفعت ففيه كل ذلك"

أيضا الشيخ عبد الباسط عبد الصمد القارئ الذي امتلك الحنجرة الأجشّة التي تهزّ الوجدان، والشيخ محمد صديق المنشاوي صاحب الحنجرة الذهبية التي أودع الله فيها سحرًا خاصًا، والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي كروان المقرئين الذي يطرب الآذان بجمال الأداء، والشيخ مصطفى إسماعيل العازف على أوتار القلوب، بما يمتلكه من مرونة فائقة في طبقات الصوت.

هذه الأصوات العظيمة، ومعهم الشيخ محمود خليل الحصري بموهبته الفذة في الإتقان والتجويد، والشيخ محمود علي البنا بجمال صوته الذي يلامس الروح، لم يأتوا من فراغ، إنهم نتاج بيئة مباركة تُقدّر القرآن وحُفّاظه.

اليوم، مع ظهور برنامج "دولة التلاوة"، يتجدد الموعد مع عظماء جُدد، قد يكونون في سن الطفولة، لكن القرآن قد أزهر في قلوبهم وألسنتهم، إنها النبتة الطيبة التي تولد معها البشارة والخير. فمثل القارئ العظيم الشيخ الطبلاوي، الذي بشّر به أهله وهو في بطن أمه، بأنه سيكون من أهم حفظة كتاب الله، يؤكد أن هذه هي فطرة هذه الأرض المباركة.

شكرًا جزيلًا لكل من وقف خلف فكرة برنامج "دولة التلاوة" وصنع هذه المنصة، شكرًا لأن هذه المواهب ستحصل على حقها لتُعرف وتُكرم أمام العالم، وشكرًا للفكرة التي التف حولها الشعب المصري وكل الشعوب العربية والإسلامية التي تعرف قدر مصر ومكانتها الروحية.

ويطيب لي أن أتقدم بالاعتذار الجميل لكل قارئ لم يَرِد اسمه في هذا المقال، فوالله ما سمعت قارئًا من قراء مصر الأجلاء إلا وظننت أنه الأفضل في العالم أجمع، حتى أستمع إلى الآخر فأجزم أنه كذلك أيضًا، هذا هو كنز مصر الذي لا ينضب، فهنيئًا لمصر هذا الكنز الإلهي.. وهنيئًا لنا أننا من أهل مصر أو من محبيها الذين تتأثر قلوبهم بأصوات مقرئيها.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب