تزايد الاعتماد على أدوية إنقاص الوزن الحديثة خلال السنوات الأخيرة بصورة لافتة، مدفوعًا بقدرتها على كبح الشهية وإحداث انخفاض كبير في الوزن خلال فترة قصيرة، إلا أن البيانات الجديدة التي خرجت من دراسات واسعة النطاق تكشف جانبًا أكثر تعقيدًا للصورة: ففور التوقف عن هذه الحقن، تبدأ الكيلوجرامات المفقودة في العودة بوتيرة متسارعة قد تفاجئ كثيرون.
وفقًا لتقرير نشره موقع Daily Mail، أظهر تحليل ضخم للبيانات الطبية ، أن أكثر من نصف مستخدمي حقن التخسيس يستعيدون جزءًا من وزنهم في الأشهر الأولى بعد التوقف، بينما يعود بعضهم إلى نقطة البداية خلال أقل من عام واحد. وجاءت هذه النتائج بالتوافق مع ملاحظات التجارب السريرية التي سبق أن رصدت الظاهرة نفسها، لكن الدراسة الحالية تعكس ما يحدث في الحياة اليومية خارج نطاق التجارب المحكمة.
قراءة في نتائج الدراسة واسعة النطاق
استند الباحثون إلى قاعدة بيانات وطنية تضم ملايين السجلات الطبية، وجرى تحليل معلومات أكثر من 1.2 مليون بالغ بدأوا علاج السمنة أو السكري من النوع الثاني بأدوية تعتمد على تحفيز مستقبلات GLP-1. ومن بين هذه المجموعة الضخمة، كان هناك أكثر من 18 ألف مستخدم فقدوا ما لا يقل عن خمسة في المائة من وزنهم قبل التوقف عن الدواء، وهي النسبة التي تُعد مؤشرًا على حدوث استجابة جيدة للعلاج.
وبشكل عام، بلغ متوسط مدة العلاج قبل التوقف حوالي ثمانية أشهر، في حين كان متوسط مؤشر كتلة الجسم للمشاركين يقترب من 39، وهو ما يعكس ارتفاع معدلات السمنة بين مستخدمي هذه الأدوية.
لماذا يعود الوزن سريعًا بعد إيقاف العلاج؟
تعتمد هذه الفئة من الأدوية على التأثير في مراكز الشبع في الدماغ، ما يؤدي إلى خفض السعرات المتناولة وانخفاض الوزن. وعند التوقف، تعود إشارات الجوع إلى مستوياتها الطبيعية أو أعلى، في ظل عدم وجود تعديل سلوكي طويل الأمد لدى كثير من المرضى. لذلك يبدأ الوزن بالصعود تدريجيًا، إذ ارتفع متوسط الزيادة إلى 4.5% خلال ثلاثة أشهر، ثم إلى 6% بعد نصف عام، ووصل إلى ما يقارب 7.5% عند مرور عام كامل من الانقطاع.
ويرى اختصاصيو الغدد الصماء أن المرضى الذين فقدوا وزنًا كبيرًا خلال فترة العلاج هم الأكثر عرضة لاستعادة الوزن سريعًا. ويشير المتخصصون إلى أن استمرار العلاج لفترات طويلة هو العامل الأهم للحفاظ على النتائج، تمامًا كما هو الحال مع أدوية الضغط أو الكوليسترول التي تعتمد على الاستمرارية.
آراء الخبراء حول مستقبل هذا النوع من العلاجات
أوضح الأطباء المشاركون في الدراسة أن التحدي الحالي يكمن في تحسين إمكانية استمرار المرضى على العلاج لفترات أطول، سواء من خلال تقليل الآثار الجانبية أو عبر تصميم برامج دعم سلوكي مرافقة. فالعلاج الدوائي وحده لا يضمن ثبات الوزن على المدى البعيد طالما لم تحدث تغييرات راسخة في نمط الحياة.
ويؤكد باحثون آخرون أن النتائج تعكس ما يحدث عادة مع محاولات إنقاص الوزن التقليدية: الحمية وحدها أو الدواء وحده لا يكفيان. وقد يكون الالتزام بخيارات غذائية متوازنة وممارسة النشاط البدني هو ما يميز أولئك الذين احتفظوا بفقدان وزنهم بعد التوقف عن الحقن.
أبعاد صحية واقتصادية تمتد إلى ما هو أبعد من الوزن
مع أن هذه الأدوية أثبتت فاعليتها في الوقاية من أمراض القلب والسكري وبعض أنواع السرطان، فإن السياسات الصحية في عدة دول لا تزال تقيد مدة استخدامها. ففي بعض الأنظمة الصحية، لا يُسمح باستخدامها لأكثر من عامين رغم ارتفاع احتمالات ارتداد الوزن بعد التوقف.
وتأتي هذه التطورات في وقت تتزايد فيه معدلات السمنة عالميًا؛ فالمملكة المتحدة، على سبيل المثال، تشهد ارتفاعًا متسارعًا في إصابات السكري من النوع الثاني بين الشباب، بينما تُربط السمنة بما لا يقل عن 13 نوعًا من السرطان. ولذلك ترافقت التوصيات الطبية الأخيرة مع إجراءات حكومية تحد من ترويج الأغذية مرتفعة السعرات، بهدف كسر حلقة الزيادة المستمرة في معدلات المرض.
هل الحل في الدواء وحده؟
توضح الدراسة أن الاعتماد على الحقن وحدها ليس كافيًا لضمان ثبات الوزن. فالمستخدمون الذين استمروا على العلاج تمتعوا بفوائد واضحة، لكن من توقفوا عنه سريعًا عادوا إلى وزنهم السابق أو اقتربوا منه خلال فترة قصيرة. وتشير التحليلات إلى ضرورة بناء برامج علاجية متكاملة تشمل الدواء والتغذية والنشاط البدني وإدارة السلوك الغذائي، لضمان أفضل النتائج على المدى البعيد.