عندما يسمع المريض بمرض السكري كلمة "أنسولين"، يتبادر إلى ذهنه فورًا أنه العلاج الشافي الذي يعيد كل شيء إلى طبيعته. لكن الحقيقة العلمية مختلفة، فـ الأنسولين ليس علاجًا للسكري، بل هو وسيلة لتعويض وظيفة بيولوجية مفقودة، تساعد الجسم على أداء توازنه الطبيعي دون أن تُنهي المرض نفسه.
وفى اليوم العالمى للتوعية بمرض السكر، فإنه وفقًا لتقرير نشره موقع International Diabetes Federation (IDF)، فإن الإنسولين هو هرمون أساسي يفرزه البنكرياس لتنظيم مستوى الجلوكوز في الدم. وظيفته أشبه بـ"المفتاح" الذي يسمح للسكر بالانتقال من الدم إلى الخلايا لإنتاج الطاقة، وعندما لا يتمكن الجسم من إنتاج الأنسولين أو من استخدامه بكفاءة، تتراكم كميات الجلوكوز في الدم مسببةً ارتفاعًا في السكر، وهنا تظهر الحاجة إلى الأنسولين كعلاج مساعد وليس كعلاج جذري.
الإنسولين.. داعم للوظيفة لا قاتل للمرض
الفرق الجوهري بين الدواء العلاجي والأنسولين أن الأخير لا يُقضي على أصل المشكلة، بل يعوّض فقط غياب الهرمون الطبيعي. فمريض السكري من النوع الأول يفقد إنتاج الإنسولين تمامًا نتيجة تدمير خلايا البنكرياس المناعية، بينما مريض النوع الثاني يُنتجه لكن الجسم لا يستخدمه بكفاءة كافية. في الحالتين، يبقى الأنسولين أداة للسيطرة على مستوى السكر وليس وسيلة شفاء نهائي.
يشرح التقرير أن هذا الفهم ضروري للمرضى حتى لا يتعاملوا مع الحقن اليومية باعتبارها حلاً دائمًا، بل جزءًا من منظومة إدارة شاملة تشمل النظام الغذائي والنشاط البدني والمراقبة المنتظمة.
رحلة الأنسولين من الاكتشاف إلى التطوير
بدأت قصة الإنسولين عام 1921 في كندا عندما تمكن الطبيب فريدريك بانتنج ومساعده تشارلز بيست من استخلاص مادة من البنكرياس أنقذت حياة كلب مصاب بالسكري. بعد عام، أُعطي أول مريض بشري جرعة من الإنسولين، فكانت البداية لعصر جديد في التعامل مع هذا المرض المزمن.
مع مرور العقود، تطورت أنواع الإنسولين من مصادر حيوانية إلى الأنسولين البشري الصناعي، ثم إلى الأنسولين التناظري الذي صُمم وراثيًا ليتناسب مع إيقاع الجسم الحيوي. وأخيرًا ظهرت الأنواع الحيوية المشابهة (Biosimilar Insulins)، وهي تركيبات حديثة تحاكي الأصل لكنها أقل تكلفة وتتوفر عالميًا في برامج الرعاية الصحية.
أنواع الأنسولين ووظائفها
يُقسَّم الإنسولين حسب سرعة ومدة تأثيره داخل الجسم إلى أربع فئات رئيسية:
الأنسولين السريع المفعول: يبدأ عمله خلال دقائق للسيطرة على ارتفاع السكر بعد الوجبات.
الأنسولين قصير المفعول: يُستخدم عادة قبل الأكل بنصف ساعة، ويستمر تأثيره لعدة ساعات.
الأنسولين المتوسط المفعول: يغطي احتياجات الجسم بين الوجبات وخلال الليل.
الأنسولين طويل المفعول: يحافظ على ثبات مستوى السكر طوال اليوم بجرعة واحدة أو اثنتين.
اختيار النوع والجرعة يعتمد على نوع السكري، ونمط الحياة، وقياسات السكر اليومية، وغالبًا ما يحدد الطبيب برنامجًا يجمع بين أكثر من نوع لتحقيق التوازن المثالي.
طرق إعطاء الأنسولين: من الإبرة إلى التقنية الرقمية
لم تعد الحقن الزجاجية القديمة جزءًا من حياة مرضى السكري. اليوم تتوفر أقلام الإنسولين الحديثة التي تمنح دقة في الجرعات وسهولة في الاستخدام. كما ظهرت مضخات الأنسولين الذكية التي تضخ الهرمون بشكل مستمر تحت الجلد، ويمكن ربطها بأجهزة مراقبة الجلوكوز لتعديل الجرعة تلقائيًا حسب الحاجة. هذه التقنيات لا تُلغي المتابعة الطبية، لكنها تقلل من تذبذب مستوى السكر وتُحسن جودة الحياة.
الآثار الجانبية المحتملة
رغم فوائده الحيوية، قد يؤدي الإنسولين إلى بعض المضاعفات مثل انخفاض السكر (Hypoglycaemia)، وزيادة الوزن، وتورم بسيط في مواضع الحقن إذا لم تُغيَّر أماكنها بانتظام. وفي حالات نادرة قد تحدث حساسية أو مقاومة متزايدة للإنسولين. لذا ينصح الأطباء بالالتزام بخطة غذائية دقيقة ومراجعة الجرعات بشكل دوري.
فهم الدور الحقيقي للأنسولين
توضّح المنظمة الدولية للسكري (IDF) أن التعامل الصحيح مع الأنسولين يعني إدراك أنه وسيلة ضبط فسيولوجي وليست علاجًا نهائيًا. فالتوقف المفاجئ عنه قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل الحماض الكيتوني، بينما الاستخدام المنتظم تحت إشراف الطبيب يُحافظ على استقرار الجسم ويمنع تدهور الحالة.الوعي بوظيفة الإنسولين الحقيقية يخفف الخوف لدى المرضى ويمنحهم القدرة على إدارة المرض بوعي ومسؤولية. فالتحكم في السكر يتطلب توازنًا بين الدواء، والطعام، والحركة، والمتابعة الطبية المستمرة.