داخل غرفة العناية المركزة فى مستشفى ملوي بالمنيا ، يرقد المطرب إسماعيل الليثي في غيبوبة تامة منذ الحادث الذي تعرّض له. حالته الصحية ما زالت تحت الخطر، وفق ما أوضح الدكتور أحمد عمر، مدير المستشفى، مشيرًا إلى أن الضغط بدأ في التحسن والتنفس أصبح أكثر انتظامًا، بينما لا يزال الفنان في غيبوبة يحتاج خلالها إلى رعاية دقيقة. وإلى جواره، يقف شقيقاه منذ اللحظة الأولى للحادث، يتابعان أنفاسه ويترقبان أي إشارة وعي قد تعني الكثير.
وفقًا لتقارير نشرتها مواقع واشنطن بوست، وكليفيلاند كلينيك ، فإن الغيبوبة تُمثل واحدة من أعقد الحالات الطبية التي يواجهها الأطباء، إذ تجمع بين غياب الوعي الظاهر وإمكانية بقاء النشاط العصبي قائمًا في عمق الدماغ. وتؤكد الأبحاث الحديثة أن بعض المرضى قد يحتفظون بدرجة من الإدراك الداخلي رغم غياب أي استجابة خارجية، فيما يعرف بـ"التفكك الحركي المعرفي".
ما هي الغيبوبة؟
الغيبوبة هي حالة فقدان عميق للوعي يفشل فيها الدماغ في الاستجابة للمؤثرات الخارجية. تتعدد أسبابها بين إصابات الرأس، السكتات الدماغية، نقص الأكسجين، أو التسمم الدوائي. وقد تنتج أيضًا عن اضطرابات أيضية كارتفاع السكر أو الفشل الكبدي أو الكلوي. خلال الغيبوبة، تتوقف مراكز الإدراك الواعية في المخ عن العمل بينما تبقى بعض الوظائف الحيوية قائمة بفضل جذع الدماغ.
ويعتمد بقاء المريض على الأجهزة الحيوية وعلى سرعة التدخل الطبي لتحديد السبب وعلاجه. وكل دقيقة تأخير قد تغيّر مسار النتيجة النهائية بين التعافي أو الضرر الدماغي الدائم.
مقياس غلاسكو: أرقام تحدد مستوى الوعي
من أهم أدوات تقييم الغيبوبة مقياس غلاسكو للغيبوبة (GCS)، الذي يمنح المريض درجة من ٣ إلى ١٥ وفق استجابته للعينين والكلام والحركة.
من ١٣ إلى ١٥: وعي شبه كامل.
من ٩ إلى ١٢: اضطراب متوسط في الوعي.
من ٨ فأقل: غيبوبة شديدة تستدعي دعمًا تنفسيًا عاجلًا.
يُستخدم هذا المقياس عالميًا لمتابعة التغيرات الدقيقة في حالة المريض، إذ إن ارتفاع نقطة واحدة قد يشير إلى تحسن فعلي في وظائف الدماغ.
بين الغيبوبة والحالة النباتية والموت الدماغي
رغم التشابه الظاهري، تختلف هذه الحالات من حيث نشاط الدماغ وفرص التعافي.
الغيبوبة: فقدان مؤقت للوعي مع احتمال التحسن خلال أسابيع.
الحالة النباتية المستمرة: المريض يفتح عينيه ويتنفس ذاتيًا لكنه يفتقد الإدراك والوعي.
الموت الدماغي: توقف كامل ونهائي لوظائف المخ، ويُعتبر وفاة قانونية.
تمييز هذه المراحل بدقة ضروري لتحديد نوع الرعاية وإمكانية الإنعاش أو استمرار الأجهزة الداعمة.
كيف يكتشف العلماء الوعي الخفي؟
باستخدام تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي الهيكلي والوظيفي (MRI)، تمكن الباحثون من ملاحظة أنماط معينة في نشاط الدماغ تشير إلى وجود وعي إدراكي خفي لدى بعض المرضى الذين يبدون في غيبوبة تامة. يطلق على هذه الظاهرة التفكك الحركي المعرفي (CMD)، حيث يستطيع المريض معالجة الأوامر ذهنيًا لكنه لا يتمكن من الاستجابة الجسدية.
تفتح هذه التقنية بابًا جديدًا في التشخيص، لأنها تساعد في التفريق بين المريض الذي ما زال عقله حاضرًا لكنه عاجز عن الحركة، وبين من فقد الوعي تمامًا. هذه المعرفة تغير قرارات الأطباء والعائلات حول استمرار الدعم العلاجي وخطط التأهيل.
كيف يتعامل الأطباء مع مريض الغيبوبة؟
التعامل يبدأ بما يُعرف في أقسام الطوارئ بـ"ABC" — تأمين المجرى الهوائي والتنفس والدورة الدموية. بعد ذلك تُجرى الفحوص العصبية والتحاليل لتحديد السبب. وفي الحالات المعقدة، يتم قياس ضغط الدماغ الداخلي ومتابعة النشاط الكهربائي باستخدام تخطيط الدماغ.
كما تُستخدم الأدوية للسيطرة على التورم الدماغي أو علاج العدوى أو اضطرابات الأيض، إضافة إلى الدعم الغذائي والفيزيائي للحفاظ على سلامة العضلات والمفاصل.
أمل العلم الجديد
الأبحاث الحديثة تمنح بصيص أمل في الحالات التي يُظن أنها ميؤوس منها. فقد تبيّن أن نحو ١ من كل ٥ مرضى في غيبوبة طويلة يحتفظون بدرجة من الإدراك الداخلي يمكن اكتشافها بالتصوير المتقدم. هذا يعني أن بعض من يُعتقد أنهم فقدوا وعيهم تمامًا قد يكونون في وعي جزئي صامت ينتظر وسيلة للتواصل.
حالة إسماعيل الليثي من منظور علمي
وحت التحسن نسبي في المؤشرات الحيوية، فإن استمرار الغيبوبة يعني أن مناطق الوعي في الدماغ لم تستعد نشاطها بعد. يعتمد الأطباء على المتابعة الدقيقة لمستوى الاستجابة العصبية لتقييم احتمالات الشفاء. مع استمرار التحسن في الأكسجين والضغط الدموي.الغيبوبة ليست غيابًا مطلقًا عن الحياة، بل صراع دقيق بين الخلايا العصبية لاستعادة التواصل مع العالم. وفي كل غرفة عناية مركزة، يبقى هناك مريض ينتظر تلك اللحظة التي تعود فيها إشارة واحدة إلى الدماغ، لتفتح نافذة الوعي من جديد.