ارتفاع ضغط الدم صديقًا ثقيل الظل يرافق ملايين البشر حول العالم. كثيرون يظنون أن الحل في الأقراص الطبية وحدها، لكن العلم الحديث يؤكد أن العلاج يبدأ من الملعقة قبل أن يصل إلى الصيدلية. فاختياراتنا اليومية في الطعام يمكنها أن تخفض الضغط أو ترفعه، أن تحمي القلب أو تُثقله بالمخاطر.
وفقًا لتقرير نشره موقع Healthline و موقع every day health ، فإن التحكم في ضغط الدم لا يعتمد فقط على كمية الصوديوم التي نتناولها، بل على التوازن الكامل بين المغذيات في وجباتنا اليومية. فكل مكوّن على الطبق — من قطعة الخبز إلى رشّة الملح — يشارك في تحديد مصير القلب والشرايين.
الملح... العدو الأبيض الصامت
أكثر ما يربك توازن الضغط هو الصوديوم المفرط. فكل غرام إضافي من الملح يجعل الجسم يحتفظ بالماء، مما يزيد من حجم الدم داخل الأوعية ويدفع القلب إلى العمل بجهد مضاعف.
ولهذا، ينصح الأطباء بألا تتجاوز كمية الصوديوم اليومية 2300 ملليغرام، أي ما يعادل نصف ملعقة صغيرة فقط، بينما يجب على المصابين بارتفاع الضغط الاكتفاء بنحو 1500 ملليغرام يوميًا.
البديل ليس في الامتناع التام عن الطعم، بل في استبدال الملح بالأعشاب، والليمون، والبهارات الطبيعية التي تُغني المذاق دون أن تُثقل الشرايين.
حمية DASH: عندما يصبح الطعام علاجًا
نظام "النهج الغذائي لوقف ارتفاع ضغط الدم" المعروف بـ DASH ليس مجرد قائمة طعام، بل فلسفة تغذوية تقوم على الوفرة لا الحرمان.
يعتمد على تناول الفواكه والخضروات بكثرة، والحبوب الكاملة، ومنتجات الألبان قليلة الدسم، مع تقليص اللحوم الحمراء والحلويات والمشروبات السكرية إلى الحد الأدنى.
ميزة هذا النظام أنه لا يكتفي بتقليل الصوديوم، بل يعزز العناصر التي توازن الضغط مثل المغنيسيوم والبوتاسيوم والكالسيوم، مما يجعل الجسم أكثر قدرة على ضبط نفسه طبيعيًا دون تدخل دوائي دائم.
من شواطئ المتوسط... وصفة القلب الهادئ
أما النظام المتوسطي، فهو انعكاس لأسلوب حياة متكامل أكثر منه نظامًا غذائيًا صارمًا.في مطابخ إيطاليا واليونان وإسبانيا، تُطبخ الوجبات بزيت الزيتون بدل الزبدة، وتُقدَّم الأسماك أكثر من اللحوم، وتُؤكل الخضروات الطازجة يوميًا.
هذه العادات البسيطة أثبتت في دراسات عديدة أنها تقلل مخاطر أمراض القلب وارتفاع الضغط. ومع ذلك، تحذر جمعية القلب الأمريكية من إغفال دور الحركة البدنية والاجتماعية التي ترافق هذا النظام في نجاحه، فالصحة ليست طعامًا فقط، بل نمط حياة متكامل.
البوتاسيوم: التوازن الخفي داخل الخلايا
يعمل البوتاسيوم كصمام أمان يحمي الجسم من تأثير الصوديوم الزائد. فهو يساعد الكلى على التخلص من الأملاح، ويحافظ على مرونة جدران الأوعية الدموية.
تتوافر كميات وافرة منه في الفواكه مثل الموز والمشمش، وفي الخضروات كالسبانخ والبطاطا.
لكن، لا يُنصح بالإفراط في تناوله من المكملات دون استشارة طبية، خاصةً لمن يعانون من أمراض الكلى، لأن تراكمه في الدم قد يكون خطرًا.
المكملات: مناطق رمادية في العلاج
المكملات الغذائية — مثل أحماض أوميغا 3 أو الإنزيم المساعد Q10 أو الثوم — فلا توجد أدلة علمية كافية تثبت فاعليتها في خفض الضغط. ورغم أنها قد تساهم في تحسين صحة الأوعية الدموية، إلا أن الاعتماد الأساسي يجب أن يكون على الغذاء الطبيعي المتوازن.الملح لا يأتي فقط من المملحة على المائدة، بل يختبئ في الخبز، والمعلبات، والصلصات الجاهزة. لذا، يُعدّ فحص بطاقات التغذية خطوة لا تقل أهمية عن قياس الضغط نفسه. فالتقليل من هذه الأطعمة يمكن أن يخفض القراءة بمقدار ملحوظ خلال أسابيع قليلة.
غذاؤك... دواؤك اليومي
إن رحلة السيطرة على ضغط الدم لا تحتاج إلى حرمان، بل إلى وعي. مجرد التحوّل من الأطعمة المعالجة إلى الوجبات الطازجة، ومن المشروبات الغازية إلى الماء، ومن المقليات إلى المسلوق والمشوي، كفيل بإعادة الجسم إلى توازنه الطبيعي.بهذه الخطوات الصغيرة اليومية.