د. سمر أبو الخير تكتب: مدارس الأمل لذوى الاحتياجات الخاصة

الخميس، 09 أكتوبر 2025 04:19 م
د. سمر أبو الخير تكتب: مدارس الأمل لذوى الاحتياجات الخاصة د.سمر أبو الخير

في الأسبوع الماضي كتبتُ مقالًا بعنوان "مدارس الوجع.. حين تتحول المدارس إلى شبح لأطفال طيف التوحد"، فتدفقت إلي شهادات وآراء من أولياء أمور ذوي الاحتياجات الخاصة.

واليوم نستكمل الصورة من زاوية أخرى؛ صورة تُنير الطريق، وتحدد ما ينبغي أن تكون عليه مدارسنا حين تتحول من قاعات صامتة إلى فضاءات تُنبت القدرة، ومن هياكل إسمنت إلى "مدارس أمل" تُعيد تعريف معنى التعلم والاحتواء.

فعند شروق كل يوم دراسى تتنفس بيوت كثيرة نسيم الرجاء؛ أسرٌ تودع أبناءها وبناتها على أبواب مؤسسات لم تعد مجرد مبان أو جداول حصص، بل ورشًا إنسانيةً حية وحاضنات للطاقات الكامنة.

فى هذه المدارس لا تُعامَل المدرسة كخزان يحفظ التلاميذ بالساعات، بل كمصنع يُعيد تشكيل الإمكان، ومختبر يكتشف الإنسان في أنصع تجلياته.

إن مدارس الأمل التى نتحدث عنها لا تُدار بالعاطفة وحدها؛ فأساسها علمٌ ومنهج، تنطلق من قواعد "التصميم الشامل للتعلم" بوصفه إطارًا يراعى الفروق الفردية منذ لحظة التخطيط، فيُقدم مسارات متعددة للفهم والتعبير والمشاركة، هذا النهج لا ينتظر تعثر الطالب ليُسعفه، بل يبني بيئةً تعليمية شاملة مسبقًا، بحيث يجد كل طفل طريقه الملائم إلى المعرفة دون وصم أو استثناء.

على هذا الأساس يتجاوز الدمج حدود "القبول الشكلى" إلى شبكة دعم متعددة التخصصات، معلمون مُدرَبون، وأخصائيون نفسيون وعلاج وظيفى ونطق، ومرشدون اجتماعيون، وأُسرٌ شريكة في القرار، هكذا يتشكل نظامٌ بيئيٌ تربوي يدعم الطفل معرفيًا ووجدانيًا واجتماعيًا، ويمنحه حقه في تجربة مدرسية كاملة لا تنتهي عند باب الفصل.

وفى فصول "مدارس الأمل" الناجحة يتحول المكان نفسه إلى "أداة تعليم"، تُخفَف المؤثرات المرهِقة لذوى اضطراب المعالجة الحسية، فتعلو أولوية الإضاءة الطبيعية، وتغلب الألوان الهادئة، وتُخصَص "زوايا هدوء" مزودة بأدوات تنظيم حسي.

أما المناخ النفسى فهو روح المكان، حين تتبنى المدرسة برامج "توعية الأقران" يتعلم الطلاب من غير ذوي الاحتياجات كيف يفهمون زملاءهم ويدعمونهم، فتتكون لغةٌ مشتركة من التعاطف والتعاون، فيصبح الصف مجتمعًا صغيرًا يوقن أن الاختلاف ليس عبئًا على الجماعة، بل رصيدًا يثريها ويُنمي خبرتها بالحياة.

وفي قلب هذه المنظومة يقف المعلم، ليس منفذًا لمنهج جامد، بل مصمم خبرات مرن يختار الاستراتيجيات الملائمة لكل حالة، من النمذجة والتدريب الغائر، إلى أنظمة التواصل البديلة والمعززة، ويُحول شعار "التعليم للجميع" إلى ممارسات يومية قابلة للقياس والتطوير.

وتأتى التقنيات الحديثة لتغلق فجوات الوصول لا لتزين الجدران، فمن تطبيقات التواصل بالصور على الأجهزة اللوحية، إلى برامج تحويل النص إلى كلام لذوى صعوبات القراءة، إلى أدوات الوصول المكيَفة للحاسوب؛ جميعها جسورٌ تجعل المنهج متاحًا لكل طالب وفق طريقته، وتعيد للوسيلة وظيفتها الأصلية، تمكين الإنسان من التعبير والتعلم والاستقلال.

هكذا فقط ننتقل من "مدارس الوجع" إلى "مدارس الأمل" بإرادة مؤسسية تستند إلى العلم، وبشراكات تربط البيت بالمدرسة، وبفلسفة ترى في كل طفل مشروع حياة لا حالةً تحتاج إدارة، إنه استثمارٌ في رأس المال البشري، وإعادة تعريف لمعيار النجاح التربوي، لا مَن يحفظ أكثر، بل مَن يُنمي أكثر، ويُشرك أكثر، ويمنح الفرص بعدل أكثر.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة