أمست مصر والعالم العربى أول أمس على موعد مع لحظة فارقة فى التاريخ الثقافى العالمى، بفوز الدكتور خالد العنانى بمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، ليصبح أول مصرى وعربى يتولى هذا المنصب منذ تأسيس المنظمة عام 1945.
فهذا الحدث لا يخص مصر وحدها، بل يمتد صداه إلى كل دولة عربية ترى فى هذا الفوز عودة لصوتها داخل المؤسسة التى تحفظ ذاكرة الإنسانية وتبنى ثقافة المستقبل.
منذ اللحظة الأولى لم يكن هذا الفوز وليد الصدفة أو التحركات الدبلوماسية التقليدية، بل جاء ثمرة رؤية استراتيجية للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى أدرك مبكرًا أن الثقافة والتعليم والهوية ليست مجرد ملفات داخلية، بل أدوات تأثير عالمى لا تقل قوة عن السياسة والاقتصاد.
وبتوجيهات السيد الرئيس السيسى المباشرة تشكلت لجنة رفيعة المستوى لدعم ترشيح الدكتور خالد العنانى ومتابعة حملته الدولية بكل التفاصيل، حتى باتت مصر أمام حملة منظمة تليق باسمها، وتستند إلى حضور سياسى ودبلوماسى واثق.
لقد كان دعم السيد الرئيس السيسى واضحًا وحاسمًا ليشمل دعمًا فى الرؤية، ودعمًا فى الفكرة، ودعمًا فى التنفيذ، إيمانًا بأن مصر لا يمكن أن تغيب عن منصة القيادة فى منظمة تعنى بثقافة العالم ووعيه الإنسانى.
وتُعد اليونسكو واحدة من أهم مؤسسات الأمم المتحدة، إذ تعنى بحماية التراث الثقافي، والتعليم، والعلوم، والحرية الفكرية، والتنمية المستدامة.
إنها المنظمة التى ترسم السياسات العالمية لحماية الهوية الإنسانية فى مواجهة التحديات الحديثة من الحروب والتغير المناخى، إلى صون التراث الرقمى والفكرى.
ولطالما كان للمنصب الأعلى فيها تأثير كبير على توجهات العالم الثقافية؛ ولذلك يعد وصول مرشح مصرى عربى إلى هذا الموقع نقلة نوعية فى تمثيل منطقتنا داخل دوائر القرار الثقافى الأممى فى المستقبل.
ويأتى الدكتور خالد العنانى إلى هذا المنصب، وهو يحمل رصيدًا ثقيلًا من العمل والإنجاز، فكان من خلال موقعه السابق كوزير للسياحة والآثار، وخلال فترته في تولي تلك الحقيبة الوزارية، أعاد رسم صورة مصر أمام العالم، ونجح فى تحويل الاكتشافات الأثرية إلى أحداث عالمية تتصدر نشرات الأخبار والصحف الدولية.
وعندما نتحدث عن هذا الحدث، سنجد الكثير من المشاهد التى تدل على نبوغه، ولكن سنذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر المشهد المهيب لنقل تمثال رمسيس الثانى إلى المتحف المصرى الكبير، إلى الكشوف الأثرية المذهلة مثل خبيئة العساسيف وخبيئة سقارة، كان "العناني" يقدم للعالم مشهدًا جديدًا من التفاعل مع التاريخ المصرى، مستخدمًا أدوات العصر من إعلام وتكنولوجيا ومخاطبة للرأى العام العالمى.
كما افتتح عددًا من المتاحف الكبرى فى الغردقة وشرم الشيخ وكفر الشيخ والمركبات الملكية بالقاهرة، مؤكدًا أن التراث المصرى لا يعيش فى الماضى، بل فى قلب الحاضر والمستقبل.
من يعرف الدكتور خالد العنانى عن قرب، يلمس فيه شخصية تجمع بين الصرامة الأكاديمية والتواضع الإنسانى، فهو مسئول لا يعرف الغلق على ذاته، يفتح الأبواب للحوار ويؤمن بالنقد البناء كطريق للتطوير.
كان دائمًا قريبًا من الصحفيين والباحثين، يستمع إليهم بعناية، ويتعامل مع الجميع بقدر من الاحترام والثقة، مؤمنًا بأن الثقافة لا تدار بالأوامر، بل تبنى على الشراكة والمصارحة.
إن فوز الدكتور خالد العنانى لا يحسب لمصر فقط، بل لكل العرب الذين طالما افتقدوا صوتًا مؤثرًا داخل هذه المؤسسة الدولية.
اليونسكو اليوم تضم على رأسها قيادة عربية من مصر، البلد الذى علم البشرية معنى الحضارة والحفظ والتوثيق، وبهذا الفوز العظيم، يعود الوجدان العربي إلى ساحة القرار الثقافى الدولى، صوتًا يدافع عن التعددية، ويحمى التنوع الثقافى من التهميش أو الذوبان، ويؤكد أن العرب ليسوا متفرجين على المشهد الثقافى العالمى، بل شركاء فى صناعته.
إن نجاح الدكتور خالد العنانى فى الوصول إلى قمة اليونسكو هو تجسيد حى لسياسة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى بناء حضور دولى قائم على الثقافة والمعرفة والدبلوماسية الهادئة.
فما حدث ليس مجرد تعيين فى منصب أممى بل انتصار استراتيجى لمصر الحديثة، ورسالة إلى العالم بأن القاهرة قادرة على الجمع بين التاريخ والحداثة، بين الأصالة والتأثير.
فى فوز خالد العنانى، تتحدث مصر بصوتها العميق والعربى الممتد، وتقول للعالم أجمع: إن الثقافة ليست رفاهية، بل هى القوة الناعمة التى تصنع النفوذ الحقيقى.
لقد نجحت مصر فى أن تضع ابنًا من أبنائها على رأس منظمة تمثل ضمير الإنسانية، بدعم قيادة آمنت بأن الريادة لا تمنح، بل تنتزع بالعمل والرؤية والإيمان.
إنه يوم تاريخى لمصر، وفصل جديد فى مسيرة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى جعل من الثقافة رسالة دولة وليس مجرد شعار عابر.