في فوز تاريخي وغير مسبوق، حقق الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار المصري الأسبق، انتصارًا كاسحًا في انتخابات منصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، بعد حصوله على 55 صوتًا مقابل صوتين فقط لمنافسه الكونغولي فيرمين إدوارد ماتوكو، خلال التصويت الذي جرى اليوم الإثنين في العاصمة الفرنسية باريس.
وأعلنت رئيسة المجلس التنفيذي لليونسكو فيرا الخوري لاكويه، رسميًا النتيجة قائلة إن «المرشح المصري خالد العناني حصل على 55 صوتًا مقابل صوتين للمرشح الكونغولي»، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية «فرانس برس».
فوز بأكبر عدد من الأصوات في تاريخ المنظمة
يُعد هذا الفوز هو الأكبر من حيث عدد الأصوات التي يحصل عليها مرشح في انتخابات تنافسية منذ تأسيس اليونسكو عام 1945، ما يعكس حجم الثقة الدولية التي حظي بها المرشح المصري، ويؤكد مكانة الدبلوماسية المصرية وقدرتها على الحشد والتأثير في المحافل العالمية.
صوتت 55 دولة من إجمالي 57 دولة عضوًا في المجلس التنفيذي لصالح العناني، وهو رقم قياسي يعكس إجماعًا نادرًا في تاريخ المنظمة على مرشح واحد.
دعم عربي وإفريقي وأوروبي غير مسبوق
وجاء فوز الدكتور خالد العناني تتويجًا لحملة انتخابية امتدت لأكثر من عامين ونصف، شهدت تنسيقًا مكثفًا بين وزارة الخارجية المصرية، ووفد مصر الدائم لدى اليونسكو في باريس، وسفارات مصر بالخارج.
وحظي العناني بتأييد رسمي من جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، إلى جانب دعم دول مؤثرة مثل فرنسا (الدولة المضيفة لمقر المنظمة)، والبرازيل، وتركيا، وألمانيا، وعدد كبير من الدول الأوروبية والآسيوية والأمريكية اللاتينية.
وأشارت مصادر دبلوماسية إلى أن المرشح المصري دخل السباق كـ«المرشح الأوفر حظًا»، مدعومًا بسجل علمي وثقافي متميز، ورؤية متكاملة لعمل المنظمة تقوم على مبدأ الاستماع والتواصل وبناء الشراكات.
30 شهرًا من التحركات الميدانية والدبلوماسية
قاد الحملة الانتخابية فريق شاب بتنسيق مباشر مع وزارة الخارجية المصرية، بلغ متوسط أعمار أعضائه 35 عامًا، تحت الإشراف الكامل لوزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج الدكتور بدر عبد العاطي، الذي تولّى إدارة الحملة بنفسه نظرًا لأهمية المنصب.
وشملت تحركات العناني خلال حملته زيارات إلى 65 دولة بين يونيو 2023 وسبتمبر 2025، أجرى خلالها أكثر من 400 لقاء رسمي مع وزراء ومسؤولين وممثلي منظمات ومجتمع مدني، عرض خلالها رؤيته لـ«اليونسكو من أجل الشعوب».
رؤية قائمة على الشراكة والاستماع
وفي أول تعليق له بعد الفوز، قال الدكتور خالد العناني: «اليوم، اختارني المجلس التنفيذي لليونسكو لتولي منصب المدير العام. أشعر بامتنان عميق تجاه هذه اللحظة، لما تحمله من مسؤولية وفرصة لتحقيق الأمل».
وأضاف: «كانت حملتي قائمة على مبدأ الاستماع والتواصل؛ زرت خمسة وستين دولة، وأجريت أكثر من 400 لقاء مع نساء ورجال، شكلت أفكارهم وطموحاتهم أساس رؤيتي. هذه الرؤية وُضعت لهم وبمشاركتهم، متجذرة في أصواتهم، وحاملة لطموحات مشتركة».
وتابع: إذا تم تأكيد تعييني، فسأحمل هذه الثقة الجماعية كبوصلة لمسيرتي: العمل بنزاهة، وبناء جسور التفاهم بين أقاليم العالم المختلفة، وتحقيق رؤية (اليونسكو من أجل الشعوب) لتكون رؤية تمثل الجميع».
دعم رئاسي وتنسيق مؤسسي
وجاء هذا الفوز تتويجًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بدعم الترشيح المصري ومتابعة تفاصيل الحملة على أعلى مستوى، في إطار سعي الدولة المصرية إلى تعزيز حضورها الدولي في المؤسسات متعددة الأطراف، خاصة في مجالات الثقافة والتعليم وحماية التراث.
وشكّل فوز العناني امتدادًا لمسيرة مصر في قيادة المنظمات الدولية الكبرى، بعد تولي مصريين سابقًا مناصب بارزة مثل سكرتير عام الأمم المتحدة، ومدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومدير عام برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والمديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
محطة جديدة في الحضور المصري العالمي
ومن المقرر أن يُثبت المؤتمر العام لليونسكو تعيين الدكتور خالد العناني رسميًا خلال انعقاده في مدينة سمرقند في الفترة من 30 أكتوبر إلى 13 نوفمبر المقبل، على أن يتسلّم مهامه رسميًا منتصف نوفمبر 2025.
ويُعد فوز العناني، الأكاديمي المصري وخبير علم المصريات، إنجازًا ثقافيًا ودبلوماسيًا تاريخيًا، يضع مصر في صدارة المشهد الدولي الثقافي، ويمثل اعترافًا عالميًا بريادتها الممتدة في حماية التراث الإنساني وتعزيز الحوار الحضاري بين الشعوب.