الصراع المسلح بين دولتين أو طرفين، له آثار سلبية على كافة المجالات، التي تبدو جلية في الخسائر البشرية والمادية، والتغيرات الجيوسياسية، والانهيار الاقتصادي، ناهيك عما يصيب المجتمعات من صدمات نفسية مستدامة؛ لذا اتخاذ قرار الحرب ليس بالأمر الهين؛ لكن يقوم على دراسة استراتيجية عميقة؛ تضمن المقدرة على تحقيق الأهداف المنشودة، وتعمل على إذعان السلام وفق ماهية القوة، وتؤكد على إعمال ما تقره القوانين الدولية، التي تجرم صور الاعتداء غير المشروعة.
فلسفة حرب أكتوبر المجيدة قامت على مبدأ الثقة المتبادلة، بين شعب تحمل المسؤولية، وقدم كل صور الدعم المادي والمعنوي، وتمسك بقيمة الصبر الجميل، وتحلى بالإيمان، وبين قوات مسلحة أخذت بأسباب النصر؛ فأعدت ما استطاعت من قوة، من خلال تدريب في الميدان، وتخطيط يقوم على فكر استراتيجي، وتعبئة نفسية إيجابية، وارتباط وثيق بين القائد وجنوده؛ فصارت العزيمة والإرادة في أقصى درجاتها، بما ساهم في تجاوز التحديات، والتغلب على الصعوبات.
نفخر دومًا بجيش على أهبة الاستعداد لا يتوقف عن التدريب ولا يترك ساحة التطوير ولا يهجر قيم الثبات والمثابرة والولاء والانتماء؛ منتسبيه لديهم إيمان وإرادة وحب للوطن لا حدود لها، والقيادة العسكرية تمتلك الأمانة والشرف والعطاء الذي لا ينضب؛ ومن ثم تعمل مؤسسة مصنع الرجال على تحقيق أهداف الدولة الوطنية وتحرص على حماية المقدرات، وهذا سر تفوقها ونصرها المبين على عدو جاء في ظنه أنه لا يهزم أو يقهر؛ لكن ساحة النزال أكدت بسالة جيش الحق على المحتل الذي خارت قوته في الساعات الأولى من الحرب الضروس.
مؤسسة الفخر والعزة التي نحتفل بذكرى انتصاراتها لم تترك دروب المعرفة عبر التحري الدقيق لمعركة الحق؛ فجمعت المعلومات التي حددت نقاط القوة ورصدت نقاط الضعف وسطرت الاحتمالات وما ينبغي أن يحدث في حالات بعينها؛ كي تتجنب الخسائر في المعدات والأرواح وتكسب أرض المعركة في وقت قصير يقلل من تكلفة حرب باتت مفتوحة من جهات عديدة؛ ومن ثم نثمن ما قامت به جهاز الاستخبارات التي كان ركنًا رئيسًا في تحقيق النصر، وهذه رسالة واضحة للعالم بأسره تؤكد على أن التخطيط المتكامل يؤدي لنتائج مثمرة ويقوض محاولات العدو ويدحر مآربه.
إيجابية الشعب المصري العظيم قرأت من مواقفه الشجاعة؛ حيث كان ظهيرًا لمؤسسات الدولة الوطنية وداعمًا على أرض الواقع لقواته المسلحة؛ ومن ثم ساهم حالة ارتفاع الروح المعنوية في تحقيق نصر أبهر الدنيا كلها، وهنا ندرك الرسالة بكل وضوح؛ حيث تبقى الأوطان عندما تتضافر شعوبها مع مؤسساتها، وتصبح على قلب رجل واحد، وهذا ما عليه شعب مصر الذي يصطف على الدوام خلف قيادته الرشيدة ومؤسسات الوطن الحر، بما ساعد في تعزيز قوة هذا الوطن الذي يفيض حبه في وجدان أبنائه الأحرار.
منْ يقدم ضريبة الدم ويخلص لوطنه نضعه فوق الرؤوس ونقدر ما يقوم به من أعمال وممارسات تصب قطعًا في مصلحة الدولة العليا، ونعادي كل من يشكك أو يخون أو يسيء أو يتجاوز في حقه؛ فنحن ندرك أن ولاء جيشنا العظيم للوطن منذ فجر التاريخ وسيظل على العهد والوعد إلى أن يرث الله – تعالى – الأرض ومن عليها، ومؤسسة التضحية والفداء لا ينكر جميلها ولا يستهان برسالتها؛ فهي السيف والدرع وسياج الطمأنينة لشعب عظيم يستحق الخير على الدوام.
نشعر بالفخر عند تكريم أسر الشهداء والمصابين وأبطال الحرب الذي هم على قيد الحياة، ولدينا حالة من الرضا تجاه قيادتنا السياسية التي حافظت على المؤسسة العسكرية وعملت على تنميتها وتطوير أسلحتها وحرصها على التقدم في دروب العلم العسكري التقني، ونشارك على الدوام في تنمية مفاهيم الوطنية في قلوب فلذات أكبادنا عبر مؤسسات بناء الإنسان في شتى ربوع الوطن، ونحرص جميعًا على أداء الواجب إزاء هذا الوطن الذي يعشقه الجميع دون استثناء.. ودي ومحبتي لوطني وجيشي وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر