كان بابلو إسكوبار، زعيم كارتيل مديلين وأحد أكثر رجال العصابات شهرة في التاريخ، نموذجًا فريدًا للجمع بين الثراء الفاحش والعنف المفرط والغرابة المذهلة، ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على مقتله فى عام 1993، لا يزال إرثه يثير الدهشة، ليس فقط في كولومبيا، بل في العالم بأسره.
وإسكوبار، الذي سيطر في ذروة قوته على نحو 80% من تجارة الكوكايين في العالم، راكم ثروة تجاوزت 30 مليار دولار، جعلته ضمن أغنى رجال العالم في الثمانينيات. لكنه لم يكن مجرد تاجر مخدرات؛ بل كان يحيط نفسه بهالة من الأسطورة، عاش حياة مليئة بالمفارقات والغرائب، بين بذخ لا يوصف وحروب دموية أودت بحياة الآلاف.
وأحد أبرز رموزه الغريبة كانت "مزرعة هاسيندا نابوليس"، الواقعة في إقليم أنطيوكيا، التي تحولت لاحقًا إلى منتزه سياحي. اشترى إسكوبار المزرعة في السبعينيات، وجعل منها جنة استوائية خاصة به تضم مطارًا صغيرًا لطائرات تهريب الكوكايين، وحديقة حيوانات فريدة من نوعها، ومتنزهًا مائيًا، ومنازل فاخرة لعائلته وحراسه، وفقا لصحيفة انفوباى الأرجنتينة.
من بين أغرب ما اشتهرت به المزرعة، كانت أفراس النهر الأفريقية، التي جلبها إسكوبار بنفسه إلى كولومبيا في طائرات خاصة، لتكون جزءًا من حديقته الخاصة، ومع مرور الوقت، تكاثرت هذه الحيوانات بشكل غير مسبوق بعد وفاته، حتى أصبحت مشكلة بيئية حقيقية تهدد النظام الإيكولوجي المحلي في وادي نهر ماجدالينا.
لكن الغرابة لم تتوقف عند الحيوانات، فقد عُرف عن إسكوبار أنه دفن ملايين الدولارات في أماكن سرية داخل المزرعة والغابات المحيطة بها. ويقول بعض سكان المنطقة إنهم ما زالوا يعثرون أحيانًا على أوراق نقدية متحللة تحت الأرض، بينما تحول البحث عن "كنوز إسكوبار" إلى هوس شعبي في بعض المناطق.
ومن مظاهر بذخه المفرط، امتلاكه أسطولًا من السيارات والطائرات الخاصة، إضافة إلى طائرة صغيرة وضعها كزينة في مدخل المزرعة بعد أن استخدمها في واحدة من أولى رحلاته لتهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة. كان يعشق جمع السيارات النادرة، وامتلك نسخًا فاخرة من سيارات رولز رويس ومرسيدس وفيراري، إلى جانب دراجات نارية ذهبية اللون.
أما من الناحية الشخصية، فقد كان إسكوبار يرى نفسه "روبن هود" كولومبيا، كان يبني المدارس والمستشفيات ويوزع الأموال على الفقراء، ما أكسبه شعبية كبيرة في أحياء ميديين الفقيرة. لكن هذا "الكرم الدموي" كان يخفي وراءه إمبراطورية من الرعب، إذ لم يتردد في قتل السياسيين والصحفيين والقضاة الذين وقفوا في طريقه، وأشعل حربًا مفتوحة ضد الدولة الكولومبية.
وبعد مقتله في عام 1993، تحولت مزرعته إلى رمز مزدوج للغنى الملوث بالدم والجنون الممزوج بالأسطورة، واليوم، وبعد عقود من سقوطه، تسعى كولومبيا إلى إعادة كتابة هذا التاريخ المظلم. فقد أعلن الرئيس جوستافو بيترو هذا الأسبوع عن تسليم جزء من مزرعة نابوليس إلى نساء من ضحايا النزاع المسلح، في خطوة تهدف إلى تحويل المكان من رمز للجريمة إلى مساحة للأمل والعدالة الاجتماعية.
بهذه الخطوة، تمحو كولومبيا أحد أكثر رموز العنف فسادًا، وتحول "جنة إسكوبار" السابقة إلى أرض جديدة للحياة والمصالحة، بينما يبقى إرثه الغريب شاهدًا على حقبةٍ جمعت بين الترف المفرط والوحشية المطلقة، لا تزال تثير خيال السينما والجماهير حول العالم.