حازم حسين

عن إنكار المحنة وإنكار الذات.. أولويات غزة بين الإصلاح والوفاق وتثبيت الاتفاق

الأربعاء، 29 أكتوبر 2025 02:00 م


لا يمكن أن يختلف اثنان، عاقلان وموضوعيان طبعا، على الأولويات المُعجلة بشأن غزة. وفى حكم البديهية المطلقة أنه لا شىء يتقدم على تثبيت الاتفاق الموقع فى شرم الشيخ، لجهة إنهاء الحرب وبدء مسار التعافى وإعادة الإعمار.

أما كل ما دون ذلك أو أعلاه، فمن قبيل التفاصيل التى تقبل الاختلاف فى تكييفها ومداها الزمنى، وتحتمل الإرجاء طالما يتعذر إدخالها فى نسيج اللحظة الراهنة، مع الجزم دائما بأهمية التوافق وبناء الإجماع، وأن تكون السلطة الوطنية شريكا أصيلا فى تخطيط معالم اليوم التالى، ومظلة تواكب تحركات الساعين إليه، حتى لو استعصى عليها أن تقضى برؤيتها الخالصة فى بنود وترتيبات الانتقال.

لم تعرف القضية منذ اندلاعها ما يُمكن أن يُحمَل على صفة «الرفاهية». لكنها بالقياس على ما وُضِعت فيه واختبرته طيلة السنتين الماضيتين، فقد عاشت حقبا وفترات تُعد من قبيل النعيم، إذا ما قُورنت بالجحيم والأجواء القيامية الصاخبة بعد «طوفان السنوار».

ومرحلة ما بعد أوسلو وفرت متسعا عريضا للبناء وتأصيل المشتركات الوطنية، بل إن السنوات التالية لخطوة «فك الارتباط» وانسحاب الاحتلال من غزة، كانت براحا يغلب عليه الهدوء والطبيعية، بالرغم من المناوشات وعمليات «جز العشب» على فترات متقطعة.

وإذا كانت الفسحة المشار إليها أنتجت الانقسام، ولم تفلح فى مداواته لنحو عقدين تقريبا، فقد لا يتيسر اليوم ما تعثّر بالأمس، أو يجد التفاؤل بالتعقل واستشعار حراجة الظرف موطئ قدم بين الإخوة الأعداء، ولو أبدوا قدرا من الانفتاح والتسامح، واجتهدوا فى الإيحاء بأنهم استوعبوا الدروس وراغبون فى استدراك العثرات.

كان الطوفان نفسه نتاجا للفرقة والتشظى، بعدما ابتلعت حماس قطاع غزة واكتفت به عن بقية الوطن الضائع، ولم تفلح فى إدارته أو تحريره بالمعنى الكامل للتحرر. وعلى التوازى، كانت السلطة فى رام الله تتداعى وتنقض جدرانها بأثر الشيخوخة والرتابة وغياب المبادرة.

وبقدر ما يشى ذاك الاستخلاص بأن الحل يكمن فى الالتئام ووصل المنقطع بين الجهتين، فإنه يحمل فى ثناياه بذور الإخفاق مخلوطة بوعود الانعتاق. إذ يتطلب التلاقى أن يتحرك كل طرف عن موضعه، والحركة تستلزم الاعتراف بخطأ التموضع السابق عليه أو انعدام فاعليته، والفتحاوين بطبيعة الحال يستنكفون الاعتراف لأنهم ليسوا مسؤولين عن الأزمة الراهنة من وجهة نظرهم، فيما يُغالب الحماسيون فكرة المراجعة من الأساس، لأنها تنطوى على إقرار ضمنى بالهزيمة وانطفاء الهالة.

والحال، أن القاهرة واكبت مزاج الشقاق منذ بدايته، ورعت جولات لا حصر لها، سرية ومعلنة، لترميم الجسور وتفعيل قنوات الاتصال بين الشقيقين. ولا تزال على دأبها القديم، وقد زادته النكبة الأخيرة جدية واجتهادا وحساسية عالية. لكن الخبرات القديمة تُرجح لها أن المهمة ليست سهلة، والنجاح فيها سيكون جزئيا فى الشكل والمضمون، وبطيئا فى التدحرج على طريق الاكتمال والعافية.

ولا دليل أكبر من أن الحرب الغاشمة فشلت فى إقناعهم بالحاجة إلى السلم الأهلى، وأن تدارسهم للتوازنات البينية يأتى متأخرا عن التوصل إلى صفقة مع الاحتلال، تفاوض عليها أحدهما، وأقرها الاثنان من منطلقات متباينة غالبا، فكأن الحوار وإنجاز التفاهمات مع العدو أقرب وأيسر لهما من تسوية المنازعات داخل البيت، وتحت سقفه الواحد بالتاريخ والجغرافيا والهمّ المشترك.

وكان يصح الاطمئنان إلى حلم المصالحة، لو أن أحد المتخاصمين سار إليه تحت النار، أو بادر بإطلاق إشارة واحدة تنُمّ عن رغبة صادقة فى نسيان الماضى وتجاوزه، وفى السعى إلى اغتنام الحاضر واقتسام ما فيه من أعباء والتزامات.

لكن الرواسب تبدو أعمق وأعلى من جبال الركام فى غزة، ومتاهة الاستيطان وتقطيع أوصال الضفة الغربية وعزلها عن بعضها. والسلطة تَعُدّ أنها تعرضت للخيانة بالانقلاب الحماسى عليها فى العام 2007، فيما الحركة تطمع فى تجيير رصيد التضحيات الطوفانية لحساب مشروعها الأيديولوجى، وتوظيف ما تبقى من فائض القوة للدفاع عن وجوده ضمن أى هامش ممكن، وباعتبار أنها تمرّدت على الشراكة وطمعت فى الكثير سابقا، فلن تُرحب باقتسام القليل اليوم، أو أيلولته إلى غريمتها اللدود.

كان لافتا أن تغيب حركة فتح عن لقاء الفصائل الأخير فى مصر. صحيح أن نائبها وأقوى رجالها، حسين الشيخ، عقد لقاء ثنائيا مع خليل الحية، لكنه على الأرجح كان تحت صفته الرسمية فى السلطة ومنظمة التحرير، وهو ما يتأكد بحضور رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج.

وتلك الازدواجية تُؤشر على أزمة عميقة فى نظرة رام الله ومقاربتها للملف، ذلك أنها تُوظف مؤسسات الدولة النظامية فى خدمة الرؤية الفتحاوية، وتستعين بالحركة لإعفاء الرئيس عباس وفريقه من واجبات اللحظة، ونقض ورشة التوافق قبل تمام عمارتها.

وليس أدلّ من بيانها المُعقّب بالرفض على ما تضمنه بيان الفصائل، والنافر من مجرد إثارة النقاش بشأن طبيعة المرحلة المقبلة فى القطاع، وتحصيل أفضل الممكن فى تدشين إدارته المؤقتة، على أن يُصار لاحقا إلى التقييم والتقويم وضبط الأداء فى الممارسة العملية.

يغلب الارتياح إلى الخروج من أسوأ فصول المأساة الغزية، وأن الحرب لن تعود مجددا تحت أى احتمال. لقد أبدت واشنطن رغبة قوية وصارمة فى إغلاق الملف، وتُراقب نتنياهو بوفود لا تنقطع من أرفع مسؤوليها، وتأكدت إرادتها بتفريغ ذريعة عدم التزام حماس إزاء الآجال المحددة لتسليم الجثامين، والصمت على ممارسات الحركة الخشنة فى أرجاء القطاع، بل تغطية مناوشاتها عند الخط الأصفر فى رفح قبل أيام.

يُضاف لذلك ما كان من إغلاظ القول علنا بعد إقرار الكنيست بالقراءة الأولى مشروع قانون لفرض السيادة على الضفة، وتنشيط مركز التنسيق المدنى العسكرى فى مراقبة الالتزام بالاتفاق، وتسيير طلعات جوية بالمسيرات للوقوف على حقائق الأرض، من دون التسليم بما يتدفق إليها من أجهزة الأمن والمعلومات الإسرائيلية.

وأخيرا، إعلان وزير دفاع الاحتلال، يسرائيل كاتس، إنهاء حالة الطوارئ «الأوضاع الخاصة» بعد أكثر من سنتين على إعلانها جنوبا، فيما تظل قائمة فى الشمال على تخوم لبنان وحزب الله، ما يعنى أن اشتعال النار مجددا تعلو احتمالاته فى لبنان، بقدر ما تخبو أو تنطفئ تماما فى غزة. توقفت الحرب ولن تعود، لكن مفاعيلها وأضرارها يمكن أن تستمر وتتعالى وتزداد تبعاتها الحارقة فى أجواء ظاهرها التبريد.

والفكرة أنه لا قيمة لإسكات البنادق من دون أن تتكلم السياسة، ويُصار إلى رفع الأنقاض المعنوية قبل المادية، وتعبيد الطريق نحو مرحلة تُبشّر بإمكانية تطبيع الحياة مجددا، واستدامتها بما يسمح بإعمار يستحق الصراع عليه والمغالبة فى استيعابه لفريق أو إبعاده عن متناول الآخر.

كانت حماس سببا فى الخراب العميم، والمنطقى أنها لا تصلح وكيلا فى مرحلة البناء ولا قَيّما على مستقبل القطاع. والسلطة عجزت عن فرض ولايتها عليه بالشرعية أو السلاح، وعن انتشاله من المحرقة، مثلما تعجز عن مداواته وتأهيله ليعود عضوا صحيحا فى الجسد الوطنى الكبير.

كلاهما فى حاجة لمنقذٍ من الخارج، إنما عليهما أن يتعاونا فى إسناد الجهود الإنقاذية، أو على الأقل ألا يكونا عقبة فى طريق إكمالها وانتزاع البلاد والعباد من عاصفة المخاطر التى تطوقهم من كل جانب، وبوتيرة لا تقل مع أى اتفاق مشوّه أو غير مُكتمل، عما كانت عليه فى سياق حرب هائجة، وسائلة فى زمنها وقواعدها، ومن دون أفقى سياسى أو عسكرى واضح.

والحقيقة أن الصورة مكتملة لدى مصر وحدها. ليس لأنها استشرفت مخططات الصهاينة مبكرا وتصدّت لها، إنما لأن الجميع عادوا مؤخرا لكل ما قالته منذ فاتحة الطوفان. تحوّل الموقف الأمريكى من الريفييرا إلى إعمار غزة لأهلها، واستُدعيت فكرة «لجنة الإسناد المجتمعى» المكوّنة من عناصر تكنوقراط غير فصائلية، لتكون حجر الارتكاز فى المرحلة الانتقالية.

والمؤكد أن الوسيط المصرى ما طرحها هكذا إلا لعلمه باستحالة بقاء الوضع القديم، وبأن الجديد المأمول دونه عوائق وصعوبات، وينبغى ألا تنحرف الجهود كلها عن الغاية الكبرى، ومدارها الوحيد وقف نزيف الدم والمقدرات، وتثبيت الاتفاق سعيا إلى انتزاع بقية مراحله الأثمن وفق تراتبية البنود فى خطة ترامب.
وإن كان نتنياهو يعجز عن الانفلات من حصار الإدارة الأمريكية، لتجديد القتال أو تجميد الأوضاع، فآخر ما يحتاجه الغزيون خاصة، والفلسطينيون على وجه العموم، أن يختلفوا على الطريق قبل الإقلاع من محطة التخشُّب وانعدام الرؤى والخيارات، أو يتنازعوا فى أيهم يقود العربة، ولم تُستَوف شروط تشغيلها وعلاج أعطابها بعد.

وإذا كانت حماس أمام استحقاقات قاسية، أكان فى التنحى عن إدارة القطاع وتفكيك السلاح، فإن نصيب السلطة من القسوة أن تواكب من البعيد، وتشترك بحسب المتاح، وتجدّ فى الإصلاح والانفتاح واحتواء الغاضب والنافر، والتحلى بالصبر وطول النفس، واليقين فى أنه لو صح العزم والنية فى الفواتح، فلن يصح إلا الصحيح فى المآلات.

ومفهوم تمامًا ما تتغيّاه السلطة، ومُقدّر ومُهم أيضًا. إذ يجب ألا يكون الانتقال بعيدًا من المظلة الشرعية، أو مقطوع الصلة بها، بما يُصعّب لاحقًا من مهمة تجميع الخيوط مُجدّدًا فى جديلة واحدة.

لكنّ الغاية الواحدة تُدرَك من طُرقٍ شتّى، وليس شرطًا أن تكون بالوصفة التى تعدّها رام الله مثالية، أو تتطلّع من ورائها إلى منافع استباقية كاملة، من دون بذل الجهد واحتمال المشاق الواجبة عن مرحلة عنوانها إعادة الهيكلة وتغيير الأفكار وبرامج العمل.

وعامل الاختلاف الراهن يدور فى نطاق اللجنة الإدارة المؤقتة. إذ نشر إعلام الاحتلال أن الفصائل توافقت فيما بينها، على أن يقودها مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أمجد الشوا، فيما ركّز بيان فتح على نفى التوافق، أو أنها أقرّت واعتمدت أسماء بعينها.

والحركة ترى أن تكون القيادة للسلطة عبر أحد وزرائها، وسوّقت تحديدا وزير الصحة ماجد أبو رمضان، باعتباره من أبناء القطاع. وقد يتّسع المقام إلى ناصر القدوة، ابن شقيقة ياسر عرفات، والعائد إلى الصف الوطنى مؤخرا بعد إبعاد طويل.

اتّهمت حماس بالانقلاب على التفاهمات، لأنها تنحاز لثابتة التكنوقراطية والاستقلال الكاملين للجنة وأعضائها. وإذا كانت تتحسّس من إبعادها عن ورشة الحل والتهيئة، وتستميت لتثبيت ولايتها السياسية والقانونية على غزّة، فإن الطرف الآخر ما يزال رماديًّا فى مواقفه أيضًا.

لقد تحدّث خليل الحية عن وحدة جناحَى الدولة، وأنه لا انفصال عن الضفة الغربية، من دون الإتيان على ذكر منظمة التحرير وكونها الممثل الشرعى والوحيد للشعب وقضيته، أو إبداء التجاوب مع دعاوى الانخراط فيها والعمل تحت مظلتها والتزاماتها.

وما يزيد فيه الفتحاويون، أنهم يرفضون أى دور لمجلس السلام الذى يقوده ترامب، باستثناء الإشراف والرقابة فى مدى زمنى مُحدّد، ولم يُطرَح ما يُناقض ذلك من الأساس. أمّا التمسُّك بأن تكون القوة الدولية من خلال تفويض أُممى صادر عن مجلس الأمن، فإنها مسألة طالبت بها مصر منذ البداية، ولا تختلف عليها الولايات المتحدة وقوى أُخرى.

وفيما يخص طبيعة انتشارها ونطاق ولايتها، فإنها قضية تحكمها الظروف والاعتبارات الميدانية، والمهام المُوكلة إليها، وما إذا كان تفعيل المرحلة الانتقالية بوفاقٍ كامل، أم مشمولاً بمُعاظلة واعتراضات من حماس، بما لا يُجيز وضعها فى مُقابلة عناصر الشرطة المُدربّة حديثا من أهالى القطاع، أو ترك أية ثغرة مفتوحة تُهدِّد بالسقوط فى مستنقع الاحتراب الأهلى.

السلطة مُتوجّسة من تجنيبها، والحماسيون ربما يُقلقهم الاقتصاص منهم عن الانقلاب بأثر رجعى. لكن المرحلة تحتاج إلى ترتيب الأولويات العليا، وتقديم العام على الخاص.

وما من شَكٍّ فى أن الترتيبات الانتقالية لا تصلح لأن تكون دائمةً، والصهاينة وحدهم ربما يُريدون ذلك، لكن الحاضنة العربية لا ترى سوى أنها فاصل مؤقّت، ولا بديل بعدها عن العودة إلى رام الله من جديد، إنما بعد أن تستوفى ما عليها من واجبات الهيكلية والإصلاح، لا سيما أن الضعف العام الذى تعيشه القضية يُرَد إليها، بقدر ما ينتسب لحماس والاحتلال أيضًا.

الرؤية واحدة واضحة، ويمكن أن تتنوّع الخطط فيها، ولا خوف طالما يحرسها الأشقاء المخلصون ويُواكبونها خطوة بعد أخرى، إنما لا ينبغى أن تكون الشواغل الحالّة عُرضة للهوى والغرض وشطط الأشقياء، أكان مدفوعا بثارات شخصية مُرجأة، أم بأطماع أيديولوجية تُقتَطَع بالاستخفاف من اللحم الحى، قبل أن تكون نصرةً له أو دفاعًا عنه. الوقوف على الأطلال انفصال عن الواقع، وما تحتاجه غزّة من الفصائل كلِّها بلا استثناء، إنكار الذات وليس إنكار المحنة.

لا بديل اليوم عن إنجاح خطّة ترامب، لأنها المرفأ الذى يمكن أن ترسو عليه السفينة قبل نفاد وقودها وطاقة ملاحيها، والمُنطلق الذى يصح أن تتأسّس منه مرحلة جديدة ومُغايرة فى العمل الوطنى، تستفيد من التضحيات وعوائدها الرمزيّة، وتُعيد تنشيط السياسة التى نُحِّيَت غصبا.

والأهم أنها تُؤهّل القوى الوطنية لاستشراف الأجواء ببطء واعتدال، واستكشاف المُشتركات وتعظيمها، وحلحلة العُقد والإحن القديمة من دون أن تكون قيدًا على الجديد، ولا أن تُوضَع على الموقد الساخن ويُطلَب حسمها عاجلاً باعتسافٍ وخارج الاقتناع والشراكات الرضائية.

المآخذ كثيرة، والسلبيات لا يُحاط بها، وليس أشد من الوقوف على أطلال غزّة، والبكاء على عَشر سُكّانها بين قتيل وجريح، وتسعة أعشار أُضيروا نفسيا ولن يتعافَوا قبل عقود. إنما لا يخلو السياق من إيجابيات يُمكن البناء عليها: توقفت الحرب، ويُمكن الانتقال منها إلى الحياة الطبيعية.

خطّة ترامب تقترب من إنهاء مرحلتها الأولى عبورا لِما بعدها، والمواكبة الدولية فى أَوجِها لكَبح الجناة وإعانة الضحايا. مرحلة الانتقال يُمكن أن تكون فُسحة للفهم والاحتواء، وفترة نقاهة تستعيد السياسة عافيتها فيها، ويتعقّل المندفعون عاطفيا، وتبرُد حماوة الغاضبين. وإن ارتبك المسار الراهن أو توقّف، فلا خاسر سوى فلسطين كلها، وليست غزّة وحدها، ولا رابح إلا نتنياهو وعصابته اليمينية المُتطرفة.

طُرِدَت حماس من رحمة السلاح والسياسة، ولا حاجة لها إلى التشغيب فيما لن تجنى عوائده. والسلطة بعيدة عن القطاع لنحو عشرين سنة، ولا يضيرها أن تصطبر لبُرهة أُخرى إضافية. ليس مُهمًّا طبيعة الإدارة الانتقالية، طالما أنها فلسطينية خالصة وغير مطعونة فى شرفها واستقامة عقيدتها الوطنية.

يجب ألا تكون السلطة والمُنظمة أداة لدى حركة فتح، ولا أن تتغلّب شهوة الربح من خسائر الآخرين، على أولوية التعاطف والتكاتف، وواجب التواضع أمام هزائم الآخرين، لأنها مهما اتّخذت من أشكال وتواصيف، تظل هزيمة جماعية ومُعمّمة على الجميع، كما أن الإنقاذ وإعمار البشر قبل الحجر يتعين أن يكونا جماعيِّيَن أيضا.

لا يقبل الداخل قبل الخارج بولاية حماس، وبالمثل فإنهم لا يقبلون بالسلطة على حالها، وقبل الهيكلة والإصلاح ومُغادرة هشاشتها القديمة والقائمة إلى اليوم. كلاهما لا يثق فى الآخر، لكن القاهرة الآن توفر مساحة التلاقى، وضمانات احترام الشواغل الخاصة والعامة، ولها رصيد تاريخى مع القضية بكل مكوّناتها، وتعرف المهم والأهم، وتمدّ للجميع أطواق النجاة بأعدادهم، وإلى وجهة واحدة عنوانها فلسطين، التى تمرض ولا تموت. ولن تموت، ولو ظلّ بعض أبنائها على غرامهم بأن يكونوا عِلَلاً وتوابيت وصُنّاع جنازات.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب