أحمد إبراهيم الشريف

طه حسين.. دوافع العميد

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025 05:00 م


تمر، اليوم، ذكرى رحيل طه حسين، عميد الأدب العربي، الذي توفي في 28 أكتوبر 1973، بعد أيام من حرب التحرير، فغاب جسدًا وحضر أثرًا، هذا الأثر امتد وطال لأن حياة العميد كانت قائمة على منهج واضح ودوافع لا تكل، مما خلد اسمه.

عادة ما أجدني مشغولًا بحياة طه حسين، وعلى وجه التحديد بدوافعه التي صاحبته وجعلته يكمل طريقه ويصنع مصيره، ويصبح هذا الإنسان القادر على التأثير والفعل حتى بعد رحيله.

فى رأيى أن أول الدوافع أنه أبصر حاله جيدًا وعلم علته وتوقع نتيجة استسلامه، فلم تكن حكاية فقد البصر عند طه حسين خبرًا يُروى في هامش السيرة، بل كانت محركًا لتحويل المحنة إلى مشروع، ففي "الأيام" تتجلى الفكرة البسيطة والقاسية معًا، أن يملك الإنسان حقه الكامل في التجربة والمعرفة، وأن يفتش عن نفسه بلا شفقة ولا امتنان، فطه حسين لم يتعامل مع الإعاقة كقدر يطلب يستسلم له، بل كند يستثير الهمة ويصقلها، ويسعى لمقاومتها والانتصار عليها.

وأما ثاني الدوافع فـ"حرية العقل"، فقد كان عقله حرًا مهما حاول الكثيرون أن يقيدوه، ومن رأيي أنه حين كتب "في الشعر الجاهلي" لم يكن يطلب صدمة مجانية من باب الظهور والإعلان عن كونه "مشاغبًا"، بل كان يسمح لعقله الحر أن يقرأ التراث بمناهج حرة، حمل روح الشك وراح يقرأ بها، لا ليهدم الموروث، بل ليكشف منطقه الداخلي، ويحرر العقل من غواية التسليم.

وثالث الدوافع إيمانه بأن له دورًا مجتمعيًّا عليه القيام به والمتمثل في السعي لتحقيق "العدالة التعليمية"، فلم تكن المدرسة عند طه حسين مؤسسة لنقل المعلومات، بل أداة لبناء المواطنة، ولعل عبارته الشهيرة "التعليم كالماء والهواء" كاشفة عن رويته فهي ليست مجازًا بل سياسة عامة، أن يكون الحق في التعلم حقًا يستحقه الجميع.

ورابع الدوافع "بناء الذائقة العامة"، ولعل كتبه في "حديث الأربعاء ومع المتنبي ومن حديث الشعر والنثر" لا نقرأ عرضًا لأبيات وأسماء، بل برنامجًا ذوقيًا يُدرب القارئ على التمييز، وعلى أن يحب بأسباب ويكره بأسباب، فقد كان العميد يعلم أن النهضة لا تصنعها الكتب وحدها، بل تصنعها عيون تتذوق وتختبر وتعارض.

وخامس الدوافع "المعيارية الأخلاقية للسياسة والثقافة"، ففي "الفتنة الكبرى وعلى هامش السيرة" يتقدم مبدأ ثابت: رد التاريخ إلى بشره، وإخراج الرموز من أسر الضجيج إلى فضاء الفهم. لم يكن مشروعه في كتابة التاريخ تبريريًا ولا تشهيريًا، بل محاولة للاعتدال الصعب، إنصاف الوقائع وهموم الناس بلا تهويل ولا تبرؤ.

دوافع كثيرة صنعت في النهاية هذه العقلية التي يختصرها البعض في تحدي الإعاقة، لكن من وجهة نظري الأمر أكبر من ذلك، إنه صنع أسطورة خاصة، ومن يريد أن يعرف أكثر عن شخص طه حسين ودوافعه فعليه أن يقرأ كتاب "معك" الذي كتبته زوجته ورفيقته "سوزان" وقد صدر الكتاب في سنة 1977 عن دار المعارف، وصدر بعدها باللغة الفرنسية، وهو كتاب اقترب من شخص وروح العميد، ومن رؤيته أيضا للحياة، وهو أمر يحتاج إلى وقفة كبيرة وقراءة متأنية.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب