تحل اليوم الذكرى الـ171 لميلاد الشاعر الفرنسي آرثر رامبو (20 أكتوبر 1854 – 10 نوفمبر 1891)، أحد أكثر الشخصيات الأدبية إثارة وغموضًا في تاريخ الأدب العالمي، ويعد رامبو رمزًا للتمرد والجنون الشعري، ولُقب بـ“الشاعر الملعون” الذي كتب أروع القصائد في سنوات مراهقته، ثم انقلب على الشعر والأدب والغرب بأسره، ليترك قلمه ويسافر إلى الشرق تاجرًا للأسلحة والعبيد.
رامبو الذي غيّر وجه الشعر الفرنسي الحديث، تحول في نهاية حياته إلى لغزٍ كبير، تتقاطع فيه العبقرية مع الجنون، والتصوف مع القسوة، والشعر مع التجارة، ليظل اسمه علامةً فارقة على الشاعر الذي لم يحتمل وهج ذاته فاحترق بها.
وتحدث من قبل الشاعر والمترجم الكبير الراحل رفعت سلام، عن الشاعر الفرنسي آرثر رامبو الذي تحولت مسيرته من العبقرية الشعرية إلى الغموض والضياع في الصحراء الإفريقية.
يصفه رفعت سلام بأنه "حالة استثنائية في تاريخ الشعر العالمي”، فقد انقطع نهائيًا عن كتابة الشعر في سن الحادية والعشرين، وأدار ظهره للأدب ولأوروبا بأكملها، ليهاجر إلى عدن والحبشة (إثيوبيا حاليًا)، ويعمل في تجارة الأسلحة والعبيد، في تحول قاطع ما زال لغزه مجهولًا حتى اليوم.
يرى رفعت سلام أن هذا التحول المفاجئ لا يمكن تفسيره إلا في ضوء عداء رامبو العميق مع قيم المجتمع البرجوازي الفرنسي والأوروبي، إذ وجد نفسه عاجزًا عن التكيف مع بيئة شعرية واجتماعية خانقة.
ولعبت علاقته المضطربة مع الشاعر بول فرلان دورًا رئيسيًا في هذا الانفصال، بعد معركة كادت أن تودي بحياته. فبين العاشقين وقعت واحدة من أشهر الحوادث في تاريخ الأدب الفرنسي، أُطلق فيها النار من مسدس ما زال يُعرف حتى اليوم بـ“أشهر مسدس في تاريخ الأدب”.
وتعود الحادثة إلى العاشر من يوليو عام 1873، حين وقف رامبو أمام فرلان ووالدته في إحدى غرف فندق بشارع “براسور” في بروكسل، وسط توتر شديد.
وقبل أن تهدأ الأجواء، أطلق فرلان النار على رامبو قائلاً: "خذ هذا بما إنك راحل.”
أصابته الرصاصة الأولى في رباط المعصم، بينما أخطأت الثانية. ووفقًا لما رواه رامبو في التحقيقات، فقد اشترى فرلان المسدس في صباح اليوم نفسه من تاجر أسلحة في بروكسل، ومعه علبة تحتوي على خمسين رصاصة، بعد أن تملكه الشك في أن “عشيقه الشاب” يريد الهرب منه.
قضى بول فرلان عامين في السجن على خلفية الحادثة، كتب خلالها 32 قصيدة. وبعد الإفراج عنه، التقى العشيقان مرة أخرى عام 1875 في شتوتغارت، لكن العلاقة كانت قد انتهت فعليًا.
يذكر الكاتب اللبناني سمير عطا الله في كتابه «في مديح رحلة: في خطى رامبو»، أن الشاعر الفرنسي قضى السنوات العشر الأخيرة من حياته في اليمن وإفريقيا ومصر، محاولًا أن يكون تاجرًا لا شاعرًا.
كان يعمل في تجارة البن والأسلحة والعبيد، متنقلًا بين عدن وهرر (في الحبشة)، دون أن يعلم أن القليل الذي كتبه من الشعر سيجدد وجه الأدب الفرنسي بأسره، خاصة أعماله الشهيرة مثل "إشراقات" و"فصل في الجحيم".
ويضيف عطا الله أن رامبو كتب رسائل إلى أمه من القاهرة والإسكندرية، كان فيها ساخطًا على الحياة، باحثًا عن معنى جديد خارج حدود الشعر والغرب.
في كتابه "في خطى رامبو"، يتتبع الكاتب الفرنسي سيباستيان دو كورتوا خريطة أسفار الشاعر “الملعون”، مشيرًا إلى أن رامبو في سنواته الأخيرة اقترب من روحانيات الشرق، وتعمق في قراءة الإسلام.
ويؤكد دو كورتوا أن رامبو تعلم القرآن، وكان يقرأه بنية أن يفهمه وربما يعلّمه، في محاولة منه للبحث عن خلاص روحي بعد حياة مضطربة مليئة بالعنف والضياع.
ومع ذلك، لم تمنحه الحياة الفرصة الكاملة؛ فقد عانى من الأمراض الإفريقية مثل الملاريا واليرقان، قبل أن يصاب بورم سرطاني في ركبته أدى إلى بتر ساقه، ليموت بعدها عن عمر لا يتجاوز السابعة والثلاثين.