عصام محمد عبد القادر

الثقافة الغائبة

الخميس، 16 أكتوبر 2025 05:00 ص


المنظومة القيمية فى المجتمع، تعبر عن ضميره الجمعى، وعند فقدان فعاليتها، أو غياب اتصافاتها، التى نرصدها فى ملامح السلوك المعتاد؛ فإن رؤية الحق تبدو ضبابية، وتحمّل المسئولية يشكل صعوبة بالغة، وتطبيق منطق العدالة ليس له محلٌّ من الاهتمام، وعندما يكتفى بالعنوان، ولا نقبل على تفاصيل الفكرة؛ فإن المقدرة على القراءة التحليلية، والناقدة، قد أضحت بلا أهمية؛ ومن ثم نُصاب طواعية بمرض الفراغ المعرفى، وهنا نحكم على الثقافة بأنها باتت غائبة عن عظيم المجتمع.

نرصد حالة غير مسبوقة لدى الكثيرين منا، ترقى إلى مستوى الظاهرة؛ حيث الانبهار بالمحتوى الرائج، وشغف المتابعة لكل جديد منه فى مجال مُحبّبٌ لدى المتابع، واستهلاك مزيد من الوقت، دون ثمرة تُذكر، وهنا نخشى الانفصال التام عن جوهر ثقافتنا، واستبدال ملامحها بالاندماج مع مفرزات التقنية المتجددة، والمستوردة على حدٍّ سواء، وهذا بالطبع يضير بالهويّة الثقافية؛ حيث القيمة، والمعتقد، وعمق التاريخ، وهنا نعانى من صعوبة فى استيعاب مُجريات الأحداث؛ نظرًا لفقدان مقومات بناء الوعى فى إطاره السليم، ووفق أنماطه المختلفة.

التسلية، ومنافذ التواصل عبر الفضاء الرقمى، لا نستطيع أن نحجر عليهما؛ لكن ينبغى ألا نترك لأنفسنا الحبل على الغارب؛ ومن ثم يتوجّبُ علينا ضبط العنان، وإذعان حالة الانضباط لدى أنفسنا؛ كى لا نغرق فى بحور التقنية، ويصير استهلاكنا إلى مستويات الحد الأقصى؛ حينئذٍ نتجاهل عالم الواقع، ونتعلق بالعالم الوهمي؛ فتصبح إنتاجيتنا فى معدلاتها الضعيفة، وجُلّ تركيزنا تجاه مطالعة خبرات الآخرين، دون مقدرة حقيقية على توظيفها، أو محاكاتها بصورتها القويمة فى بيئات نعيش تفاصيلها.

غياب الثقافة الأصيلة لها من التداعيات، والمخاطر ما ينبغى أن ننتبه إليه؛ كونها سياج يحمينا من أن نذوب فى طوفان ثقافات مستوردة، لا تجد لها متسعًا إلا عبر فضاء منفتح؛ فتصيب من لا هويّة له، وهذا يؤكد أن حماية التراث، الذى يمثل البصمة الحضارية، التى نتفاخر بها، ونعتز بملامحها، ونحاول أن نغرس أطيافًا منها فى وجدان فلذات أكبادنا؛ لتوجه وعيهم التاريخى نحو الكشف عن أهميتها فى فرز الغثّ من الثمين، بل، تعد أداة يميز بها الإنسان النافع من الضار؛ ومن ثم نتعامل مع العالم الرقمى، ولدينا منعة ضد كل ما يستهدف النيل من قيم نبيلة، وثوابت راسخة حوزناها.

العولمة الرقمية سلاح ذو حدّين؛ فرغم ثمار التبادل الخبراتى فى إطاره الفكرى، والاجتماعي؛ إلا أن الإصرار على الهيمنة من خلال ضجيج المحتوى الرائج، وترك مساقات تعزيز الأذهان بتطبيقات، أو معلومات، أو أطروحات مفيدة، تصيب الإنسان بالارتباك، وتجعله يوظف التقنية بصورة غير مُجدية، ناهيك عن استهلاك للوقت دون جدوى، والوقوع فى فخاخ عادات، وممارسات لا تتسق مع قيمنا النبيلة، وتتعارض قطعًا مع سلوك قويم تدربنا عليه، وهنا نخشى التحول اللاإرادى، خاصة بفئة الشباب، التى تمثل سواعد تنمية، ونهضة الأمة المصرية.

تربّينا على ثقافة تدعم فكرة الإنتاجية فى صورها المختلفة؛ كى يسعد الإنسان منا بكل ممارساته، وأفعاله، ويستشعر طعم الحياة من خلال ما يضيفه فى مجتمعه؛ فهذا دون مواربة يزيد من التنافسية؛ لبلوغ أبواب الابتكارية فى مجالاتها المتنوعة، بل، يبعث فينا الأمل تجاه تحقيق ما نصبوا إليه؛ لذا دعونا ندقُّ أجراس الخطر تجاه ظاهرة نستهجنها، تتمثل صراحة فى ثقافة الاستهلاك الرقمي؛ حيث إنها تقوّض جهود التنمية الذاتية، وتنال من العزيمة، والإصرار من غايات نسجنها فى وجداننا، بل، تؤثر سلبيًا على مسار تقدمنا الفردى منه، والجمعى على حدٍّ سواء.

السيطرة، أو الهيمنة الرقمية، أو ما نسميه بالاستلاب الرقمى، حالة لا نُنكرها فى مجتمعنا، وهذا الأمر يتوجّب أن ننتبه إليه؛ لأن جل السلوك الذى نعانى منه الآن على الساحة يأتى جرّاء هذا الأثر المدمر؛ فهناك من يحاول بطرائق شتى أن يفقدنا هويتنا، ويقنّن حريتنا؛ لتصبح تحت تصرفه، وتوجيهه المباشر، من خلال غرس قيم، وسلوك مستجد من قُبيل زعم الحرية المطلقة، التى تبيح للإنسان أن يستوفى احتياجاته، ومطالبه، بل، يلهث وراء شهواته، ونزواته، دون الالتفات إلى المخاطر، التى تضير بالنسيج المجتمعى، وتقوّض تقدمه، وتورده موارد الخسران.

نودُّ أن نستكمل مسار نهضتنا فى ظل ثقافتنا، التى يتسع تراثها كل شيء فى الوجود، وألا نتوقف طويلًا على بوابة يؤدى استخدامها أو توظيفها غير السليم إلى ضياع، أو غياب هويتنا الثقافية؛ فما نأمله أن تظل صناعة العقول التى تؤمن بالمستقبل الواعد فى حيّز الاهتمام، والرعاية المؤسسية، والمجتمعية.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب