قد يبدو داء السكري للوهلة الأولى مرضًا واحدًا بأوجه مختلفة، إلا أن العلم الحديث يكشف عن صورة أكثر تعقيدًا. فهناك نوع خاص يُعرف باسم داء السكري المناعي الذاتي الكامن لدى البالغين (LADA)، وهو حالة فريدة تجمع بين خصائص النوع الأول والنوع الثاني من السكري، وتُصيب البالغين غالبًا بعد سن الثلاثين.
وفقًا لما ورد في موقع Vinmec، فإن هذا المرض يحدث عندما يهاجم الجهاز المناعي عن طريق الخطأ الخلايا المسؤولة عن إنتاج الأنسولين داخل البنكرياس، ما يؤدي إلى تراجع تدريجي في قدرته على إفراز هذا الهرمون الحيوي.
السكري المناعي الكامن ليس نهاية الطريق
داء السكري المناعي الذاتي الكامن لدى البالغين ليس مرضًا نادرًا كما يُعتقد، لكنه غالبًا غير مكتشف في الوقت المناسب.
إنّ الجمع بين التشخيص الدقيق والعلاج المبكر وتغيير نمط الحياة يمكن أن يحوّل مسار المرض تمامًا.ومع التطور المستمر في الطب المناعي والعلاج الجيني، قد يأتي يوم يتمكن فيه الطب من إعادة توازن الجهاز المناعي ليكفّ عن مهاجمة خلاياه الخاصة.حتى ذلك الحين، تبقى الإدارة الواعية والمسؤولية الشخصية هي الطريق الآمن للحفاظ على الصحة ومنع المضاعفات.
تعريف المرض: بين النوعين الأول والثاني
يُعرف LADA أحيانًا بـ “السكري من النوع 1.5” لأنه يقع في المنتصف بين الشكلين الأكثر شيوعًا من السكري.
فبينما يُدمّر الجهاز المناعي خلايا البنكرياس بسرعة في النوع الأول، يحدث ذلك في LADA بوتيرة بطيئة، مما يجعل المريض في البداية يبدو كأنه مصاب بالنوع الثاني من السكري.قد يستجيب الجسم في المراحل الأولى للأدوية الفموية وتنظيم النظام الغذائي، لكن مع مرور الوقت تفقد خلايا البنكرياس قدرتها على إنتاج الأنسولين، وتصبح الحاجة إلى العلاج بالأنسولين أمرًا لا مفر منه.
كيف يتطور المرض داخل الجسم؟
يبدأ المرض خفيًا. في البداية، يظل البنكرياس قادرًا على إنتاج كميات محدودة من الأنسولين، ما يسمح للمريض بالتحكم في مستوى السكر في الدم من خلال الغذاء الصحي، وممارسة الرياضة، والأدوية، غير أن الهجوم المناعي لا يتوقف، ومع مرور السنوات تتناقص خلايا بيتا المنتجة للأنسولين تدريجيًا حتى يعجز الجسم عن تلبية احتياجاته.
تُظهر الدراسات أن المواد السامة والالتهابات المزمنة قد تسهم في تلف هذه الخلايا، إلى جانب العوامل الوراثية التي تجعل بعض الأفراد أكثر عرضة من غيرهم.
التشخيص: كشف المرض الذي يتخفى خلف النوع الثاني
غالبًا ما يُشخَّص المصابون بـ LADA خطأً على أنهم مصابون بالنوع الثاني من السكري، نظرًا لتشابه الأعراض وبطء تطور المرض.
لكن هناك فروق دقيقة يستطيع الأطباء اكتشافها من خلال تحاليل دم خاصة تشمل:
فحص وجود أجسام مضادة تهاجم خلايا البنكرياس.
قياس مستوى الببتيد-C الذي يعكس كمية الأنسولين التي ينتجها الجسم.
إذا لاحظ المريض فقدانًا غير مبرر للوزن، أو عدم استجابة للعلاج الدوائي المعتاد، أو تدهورًا مفاجئًا في حالته، فهذه مؤشرات تستدعي فحصًا دقيقًا لاحتمال الإصابة بـ LADA. التشخيص المبكر يلعب دورًا محوريًا في إبطاء تدمير خلايا البنكرياس والحفاظ على وظيفتها أطول فترة ممكنة.
العلاج: بين الأدوية الفموية والأنسولين المبكر
يهدف علاج LADA، كما في جميع أنواع السكري، إلى تحقيق توازن مستمر في مستويات السكر بالدم ومنع المضاعفات المزمنة.
في المراحل الأولى، يمكن للأدوية الفموية التي تُستخدم عادة في النوع الثاني أن تساعد في تنظيم السكر، خصوصًا مع خطة غذائية متوازنة تهدف إلى خفض الوزن وتحسين حساسية الجسم للأنسولين.
لكن مع استمرار تراجع خلايا بيتا، تفقد هذه الأدوية فعاليتها ويصبح الأنسولين الخارجي هو العلاج الأساسي.
تشير دراسات متعددة إلى أن البدء المبكر في العلاج بالأنسولين بعد التشخيص مباشرة يساعد في الحفاظ على الخلايا المنتجة للأنسولين، ويحسن التحكم الأيضي ويقلل من الالتهاب المناعي الذاتي.
عادةً ما يحتاج المريض إلى الحقن بالأنسولين خلال خمس سنوات من ظهور المرض، وقد تتنوع الجرعات حسب احتياجات كل فرد ونمط حياته.
دور نمط الحياة في إدارة المرض
العلاج لا يعتمد على الدواء وحده. فأسلوب الحياة يُعدّ حجر الزاوية في السيطرة على LADA.بما يلي:
الالتزام بنظام غذائي متوازن منخفض السكريات المشبعة وغني بالألياف والبروتينات.
ممارسة الرياضة بانتظام لتحسين حساسية الجسم للأنسولين.
مراقبة مستويات السكر في الدم بشكل دوري لضمان ضبط العلاج بدقة.
الامتناع عن التدخين وتقليل التوتر النفسي، لأن الإجهاد المزمن يرفع مستوى السكر ويضعف استجابة الجسم للعلاج.
المضاعفات المحتملة إن لم يُعالج المرض بدقة
ترك المرض دون إدارة فعالة يؤدي إلى ارتفاع مستمر في السكر، مما يسبب سلسلة من المضاعفات تشمل:
أمراض الكلى المزمنة.
اعتلال شبكية العين وضعف البصر.
أمراض القلب والشرايين.
تلف الأعصاب وصعوبة التئام الجروح.
كما تزداد احتمالية إصابة مرضى LADA باضطرابات الغدة الدرقية بسبب الاضطراب المناعي المشترك، وهو ما يستدعي متابعة دقيقة للغدد الصماء بانتظام.
ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن من يلتزمون بالعلاج ومراقبة حالتهم الصحية يستطيعون التمتع بعمر طبيعي تمامًا مثل الأشخاص الأصحاء.
الوقاية ليست ممكنة بعد… ولكن يمكن إبطاء التقدم
لا توجد طريقة معروفة لمنع ظهور LADA، نظرًا لطبيعته المناعية الوراثية.إلا أن الكشف المبكر، والتدخل العلاجي السريع، والالتزام بنمط حياة صحي، كلها عوامل قادرة على إبطاء تدهور البنكرياس وتأجيل الاعتماد الكامل على الأنسولين.ويُعد وعي المرضى والأطباء على حد سواء بهذا النوع من السكري هو السلاح الأهم في مكافحته.