العالم يتغير.. هذه هى الحقيقة الوحيدة فى عالم تحكمه التكنولوجيا، ومهما كانت الدول تمتلك أدوات للضغط والمناورة، هناك تحولات فى العالم غيرت- ولا تزال- من شكل السلطة فى العالم، ومع أن الولايات المتحدة قوة عظمى تمتلك الكثير من الأوراق، فإنها ليست القوة الوحيدة المطلقة، لأن السنوات الأخيرة تشهد صعودا لدول متنوعة اقتصاديا وسياسيا بشكل يجعل إطلاق القرارات أمرا محاطا بالتنافس. هناك قوة اقتصادية تمثلها الصين، ومنظمات إقليمية ودولية تواجه ازدواجية وضعف النظام السياسى والاقتصادى العالمى أبرزها «بريكس» و«بريكس بلس»، التى تمثل مواجهة متصاعدة لاحتكارات الاقتصاد العالمى.
نقول هذا بمناسبة الحروب التى أطلقها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والواقع أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بدأ عصره بخليط من الإصرار والتهور، ويبدو أنه يفتح عدة معارك، أشهر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب سلاح القوة الاقتصادية فى وجه خصوم أمريكا وحلفائها، ضمن حروب تجارية وأخرى متعلقة بالهجرة، وهدد بفرض عقوبات اقتصادية وتعريفة جمركية، ولم يفرق ترامب بين حلفاء تجاريين مثل كندا والمكسيك وخصوم مثل روسيا، ودول صغيرة مثل كولومبيا والدنمارك، وهو ما ينعكس على الاقتصاد الأمريكى، خاصة فيما يتعلق بتوطين الصناعات بالولايات، ولهذا تراجعت إدارة ترامب عن تعريفات وعقوبات على كولومبيا، تم إقرارها ربطا بقضية الهجرة، ورفضت كولومبيا وهددت بفرض رسوم على أسعار صادرات البن، أو على البضائع الأمريكية، وهذه الأفعال والرد عليها كما نشرت واشنطن بوست، نقلا عن جون كريمر الدبلوماسى المخضرم ونائب وزير الخارجية السابق، واعتبر ما يفعله ترامب يعد ممارسة عنيفة لم يشهدها العالم منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة أن فرض تعريفة على واردات الصلب والألومنيوم والنحاس، يمكن أن يثير ردود أفعال مضادة، ومعاملة بالمثل من دول حليفة مثل فرنسا وكندا، أو على المكسيك وكندا بدءا من أول فبراير، ما لم تتحرك الدولتان للحد من الهجرة، وتعريفة 10% على الواردات من الصين، كما أعلن فرض مستويات مرتفعة من الضرائب والتعريفة والعقوبات على روسيا، ما لم تنته الحرب فى أوكرانيا، وهذه الدول الصين أو روسيا وحتى أوروبا يمكن أن ترد بالمثل، وتضاعف من أعباء الاقتصاد الأمريكى.
وبالتالى فإن أى تهديدات من قبل ترامب لا يمكن أن تكون حقيقية، ويمكن أن يكون هناك إمكانيات للرد عليه، وهو ما ينطبق على أى تصريحات حول تهجير الفلسطينيين، أو أى تحركات ضد فلسطين أو حتى لصالح إسرائيل، وقد سعى ترامب إلى إعلان ما أسماه بصفقة القرن، قبل ذلك فشل فى تمريرها، بل وحتى نقل سفارتهم للقدس وواجه معارضة ورفضا من حلفاء أمريكا.
قبل 8 سنوات فى عام 2017، أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نقل سفارة الولايات المتحدة للقدس، فى خطوة بدت مخالفة لاتجاهات الرؤساء السابقين عليه، ومع ذلك فقد ردت 128 دولة، منها أكبر حلفاء أمريكا لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالرغم من أن واشنطن مارست أقصى درجات التهديد، ويومها هدد ترامب بوقف المساعدات عن الدول التى تعارض قراره، ووجه رسائل مباشرة لـ180 دولة قبل التصويت، بل إن مندوبة أمريكا فى الأمم المتحدة لوحت بما تقدمه بلادها للأمم المتحدة، وقالت: إن أمريكا تدفع بسخاء، وإن هذا الإنفاق لا يقابل بالاحترام اللازم، يومها اعتبر دبلوماسيون ومحللون أوروبيون أن تهديدات ترامب وتصريحات مندوبته فى الأمم المتحدة وقتها جعلت الاتحاد الأوروبى والعالم يتوحد لصالح فلسطين.
كان التصويت على قرار تقدمت به مصر، وحشدت دولا، ونجحت فى مواجهة الولايات المتحدة التى رفعت الفيتو، ومع هذا بدا الأمر واضحا، ويومها كان الرأى أن منطق التهديد يحول الولايات المتحدة إلى شركة وليس دولة، ويومها فإن قرار ترامب أعاد قضية فلسطين إلى بؤرة الاهتمام العالمى بعد سنوات من التراجع، وهو ما قد يحدث فى كل خطوة تتعلق بالقضية الفلسطينية، وفى مواجهة دعوة ترامب لنقل السفارة للقدس، كان التحرك المصرى فى مجلس الأمن مؤكدا على الموقف الثابت والرافض للتهديدات الأمريكية، وهو ما يستمر فى مواجهة أى قرارات تتعلق بتصفية القضية أو التهجير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة