مشهد عشرات الآلاف من الغزاوية يرجعون إلى أنقاض منازلهم يكفى وحده للتدليل على رفض الغزاوية لمخططات التهجير، وأنهم شعب استحال ويستحيل اقتلاعه من أرضه، مهما كانت المخططات أو الطرق، وهو أمر يظهر من أسطورية التدفق الفلسطينى من مناطق غزة إلى أنقاض بيوت تظل رمزا لصمود الشعب، وهى لحظات يجب أن ينسى فيها الجميع الاختلاف والتنوع فى وجهات النظر، الوسائل والغايات، ويسعون إلى مواقف تؤكد الغايات، مهما اختلفت الوسائل.
وما زلنا نعتقد أن اتفاق وقف النار، هو خطوة نحو الخطوات الأهم، وهو تثبيت الوقف، والبدء فى إعادة إعمار غزة بسرعة ومن دون إبطاء، مع الأخذ فى الاعتبار أن أهالى غزة لم يشتكوا ولم يطلبوا هجرة مؤقتة حتى يتم الإعمار، ومصر كفيلة بكل ما يلزم لتسهيل كل سبل الحياة حتى يتم الإعمار لكل ما تم تدميره.
والواقع أن مصر الدولة والشعب، كانوا منتبهين إلى أن وراء رد الفعل المجرم من قبل الاحتلال على غزة، أمر يتجاوز مزاعم الدفاع عن النفس، ورغبة فى إبادة الشعب الفلسطينى، وهو أمر يستحيل على مدى عقود، مصر انتبهت إلى أن الأمر أبعد من رد فعل، وأنه بداية تنفيذ مخطط سابق فشل مرات، كانت التصريحات تدخل ضمن بيانات وتمثل أنواعا من جس النبض، ومن يراجع الأكاذيب والبيانات ضد مصر من قبل الاحتلال يدرك كيف كانت الدولة المصرية منتبهة لهذا المخطط، وأعلنت رفضه بكل الطرق واللغات، وفى كل مناسبة.
من يرجع إلى يوم 13 أكتوبر 2023 يجد ردا واضحا وحاسما من الرئيس عبدالفتاح السيسى، بعد استعراض لخريجى الأكاديمية والكليات العسكرية، فى احتفال العيد الخمسين لانتصار أكتوبر والعبور، حيث أكد أن القوات المسلحة المصرية قادرة على حماية تراب مصر، وأنها - بحكم التجارب والحروب - قوة رشيدة تحمى، ولا تعتدى أو تهدد، تضمن السلام وتسعى إليه من منطلق القوة، مؤكدا أن السلام العادل والشامل، القائم على حل الدولتين، هو السبيل لتحقيق الأمن الحقيقى والمستدام للشعب الفلسطينى، وأن مصر لن تسمح بتصفية القضية على حساب أطراف أخرى، وأنه «لا تهاون أو تفريط فى أمن مصر القومى تحت أى ظرف، وأن الشعب المصرى يجب أن يكون واعيا بتعقيدات الموقف ومدركا لحجم التهديد».
كان الرئيس يرد بوضوح على تصريحات خرجت من مسؤولين ومتحدثين لجيش الاحتلال «تطلب من الفلسطينيين أن يتركوا غزة إلى سيناء»، كاشفين عن مخطط واضح يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتخيير أصحاب الأرض بين الموت تحت القصف الإسرائيلى أو النزوح خارج أراضيهم، وهو ما رفضه أهل غزة على مدى التاريخ فى تعاملهم من أطروحات فاسدة تاريخيا وسياسيا تتكرر على مدار الصراع العربى الإسرائيلى، وتسعى جهات وأحلاف مشبوهة لتغليفه فى صفقات أو تخريجات، انتبهت لها الدولة المصرية بشكل حاسم، وتصدت وستتصدى لأى مخطط ضد الإجماع الشعبى الفلسطينى المتمسك بحقه وأرضه.
وخلال 15 شهرا كانت مصر تتصرف من منطلق المسؤولية، ترفض الخضوع لابتزاز أو أكاذيب الاحتلال، أو التنظيمات الإرهابية المتحالفة، بمزاعم إنسانية، وهو ما رفضته مصر، بل وكانت حريصة على أن يتم إدخال المساعدات فى مواجهة مخطط جعل غزة غير قابلة للحياة، ومن هنا كان تمسك مصر باستمرار تدفق المساعدات بأكبر قدر، مع تمسكها بالحق الفلسطينى والدولة الفلسطينية، ورفض كل مخططات التهجير أو التصفية، وأن السلام لم يعد خيارا، بل هو واقع تفرضه تحولات استراتيجية، تكشف عن فشل الاحتلال فى فرض أمر واقع.
وهنا فإن الرئيس السيسى ينطلق من موقف مصرى شعبى ورسمى، مؤيد أو معارض، مجلس النواب وكل الأحزاب والتيارات اتفقوا على رفض التصفية والتهجير واعتبروا بيان الخارجية المصرية معبرا عن موقف مصر كلها، حيث أكد «رفض أى مساس بحقوق الشعب الفلسطينى غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواء كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل، وبما يهدد الاستقرار وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلى المنطقة».
مصر كلها شعبيا ورسميا، مع فلسطين ضد التهجير والتصفية، ومع الدولة الفلسطينية، وضد صفقات ترامب، ومخططات الاحتلال وجرائمه التى ترقى إلى الإبادة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة