أميرة خواسك

ترامب وحسابات الشعوب

الثلاثاء، 28 يناير 2025 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لا يعلم أحد إن كان ما صرح به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا بشأن تهجير أهل غزة إلى مصر والأردن هو يعنيه أم هو يهزل ؟ أو انه يلقي بالون اختبار يختبر بها تمسك البلدين بأرضهما أو انه يغازل الصهيونية العالمية؟ لكن من المؤكد أن ترامب لا يملك معلومات كافية عن الشعب المصري ، ولا يعرف أن مئات الآلاف من خيرة شباب هذا البلد قد ضحوا بحياتهم من أجل قطعة الأرض التي يعتقد انه سيحل بها مشكلة أهل غزة، وأن كل أسر وعائلات مصر لا تخلو واحدة منها من فقد شهيد أو مصاب في الحروب التي خاضتها مصر منذ نكبة ١٩٤٨، وحتى يومنا هذا من أجل الحفاظ على هذه الأرض.


كما أن ترامب يستهين استهانة كبيرة بالشعب الفلسطيني الذي ظل لقرن كامل متشبث بأرضه، ويكافح ببسالة من أجل بقاء قضيته على قيد الحياة ، رغم كل محاولات القوى الغربية والصهيونية العالمية ورغم كل المحاولات الإسرائيلية لقتل هذه القضية ومحوها من على وجه الأرض ، تاريخ طويل من النضال وخسائر هائلة تكبدناها من أجل يومٍ يعود فيه الحق لأصحابه ويعود الفلسطينيون إلى وطنهم .


أعتقد أن ما صدر عن ترامب ما هو إلا جهل بالتاريخ وبالأحداث وبفنون السياسة والدبلوماسية الدولية، وما هو ممكن وما هو مستحيل ، وهو بهذا لا يعمل على حل الوضع المتأزم في الشرق الأوسط لكنه يزيده تعقيداً واحتقانا ، ويدفع بالمنطقة نحو حروب لا نهاية لها وسيكون الخاسر الأكبر فيها هو إسرائيل وبالتبعيّة الولايات المتحدة الأمريكية التي لا أعتقد أنها في حاجة إلى إشعالها ، بل في حاجة إلى إطفاء ما أصابها من حرائق في الداخل الأمريكي.


مصر والأردن ليستا وحدهما في مواجهة تلك الاقتراحات الجنونية التي أطلقها دونالد ترامب ، ولكن المجتمع الدولي كله يعلم أن هذا الأمر مستحيل الحدوث ، وإن كان لابد من الحل بتلك الطريقة ، فمن الأفضل تهجير الإسرائيليين الذين هم مهاجرون أصلا من الشتات ، فليعودوا إلى أوطانهم الأولى أو إلى ألمانيا التي لا تمر فرصة إلا وابتزوها بتاريخ محارق اليهود ، أو إلى الولايات المتحدة التي ترعاهم وتتعاطف مع قضيتهم .
لو كان ترامب يملك قدرا يسيراً من الثقافة أوالمعلومات لكان عليه أن يدرك أن كل قضايا الاحتلال في العالم قد وجدت طريقها إلى الحل ، ماعدا القضية الفلسطينية التي لا تزال حتى يومنا هذا تتعقد وتتراجع بسبب الجهود الأمريكية التي تدعم القاتل ضد الضحية، والتي لولا مساندتها اللامحدودة لإسرائيل ما كان للأخيرة وجود منذ زمن بعيد ، ولكان قد أدرك أن كفاح الشعوب يمكن أن يستمر عقوداً وربما قروناً لكنه في النهاية يجب أن يجد طريقا إلى الحل العادل ، وليس لمضاعفة المشكلة.


لو كان ترامب قد قرأ جزءا ولو يسيرا من التاريخ لأدرك أن دولا عظمى وإمبراطوريات قد سقطت وتهاوت بسبب الغباء السياسيّ والاستعلاء بالقوة ، ولعله يعرف أن حليفته المملكة المتحدة البريطانية كانت إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس لكنها أفلت وتوارت وأصبحت تابعة لبلده لأنها لا تستطيع أن تستمر في احتلال الشعوب إلى الأبد ، وأن فرنسا الدولة الكبرى والتي كانت واحدة من أكبر القوى في العالم ومن أفظع الدول التي احتلت شعوبا، لم تعد كذلك لأن الشعوب ثارت وطردتها ، بل واليوم تذكَّرها بعار احتلالها .


قبل كل ذلك وبعده ، فان الفلسطينيين أنفسهم لن يقبلوا بأي حل آخر غير حقهم الشرعي في بلدهم ، وأنهم لم يتحملوا كل هذا الهوان طيلة قرن من الزمان حتى يأتوا اليوم ويقبلوا أن يكونوا مجرد لاجئين قد أضاعوا قضيتهم وحقوقهم ومستقبل أجيالهم القادمة .


كل هذا وغيره كثير لم يحسب له دونالد ترامب أي حساب ، لأنه ببساطة لم يقرأ ولم يعرف ولا يدرك فن السياسة ولا دهاء التاريخ ولا حسابات الشعوب .










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة