الصدمة لم تحتملها أعصاب النخبة الحاكمة فى إسرائيل والمشهد كان أكبر أن يوصف واحتاج أن يتصدى له بالتحليل والدراسة أكاديميون وسينمائيون إسرائيليون..!
فرغم الدمار الشامل والخراب فى قطاع غزة طوال 15 شهرا ورغم الركام الذى قدرته منظمات دولية بحوالى 50 مليون طن ويحتاج أكثر من 20 عاما لإزالته، رغم كل ذلك. كان مشهد اطلاق سراح الأسيرات الإسرائيليات يوم الأحد الماضى وصباح أمس السبت صادما ومدهشا لقادة الاحتلال والرأى العام الإسرائيلى، فمقاتلو حماس بالعشرات وبكامل تسلحيهم وعتادهم وبملابس عسكرية زاهية وبسيارات دفع رباعى حديثة وموديل العام الجديد ومسيطرة تماما على المشهد باستعراض قوة أصاب الإسرائيليين بالصدمة التى لا تعنى سوى أن حماس لا تزال تحتفظ بقوتها وأن أيام الحرب والدمار والابادة طوال الـ15 شهرا لم تؤت بثمارها ولم تحقق نتائجها المعلنة من البداية. فلم تدمر حماس تدميرا كاملا وشاملا ولم تحرر الأسرى والمحتجزين بالقوة ولم تنفذ مخطط تهجير الشعب الفلسطينى.
المشهد الصادم وصفه الكاتب الإسرائيلى شلومى إلدار فى صحيفة هآرتس بأنه مزيج من الدموع والدهشة التى سيطرت على المشهد. وقال “عرض مثير للإعجاب للقوة، كما لو كان حدثاً مسرحياً تم التخطيط له بدقة حتى أصغر التفاصيل، نظمته كتائب عز الدين القسام هناك. فمقاتلو القسام ظهروا بزى رسمى جديد ومكوى، بأسلحة متطورة، يحيط بهم موكب من سيارات بيضاء حديثة، فى ساحة السرايا وسط غزة.
يتساءل الكاتب: "لكن وسط دموع الفرح والعيون الرطبة، لا يوجد من لم يسأل نفسه: كيف؟ بعد عام وأربعة أشهر من القتال العنيف، ما زال المئات من مقاتلى حماس، بزيهم الرسمى الجديد والمكوى، يلوحون بأسلحتهم، تحيط بهم سيارات تويوتا بيضاء حديثة، فى مشهد سيظل محفورًا فى الذاكرة منذ يوم 7 أكتوبر الملعون. كيف يمكن أن يحدث هذا؟"
وانتقد شلومى إلدار رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وادعاءاته "حتى النصر الشامل"، واعتبر أن الواقع يثبت عكس ذلك. وأوضح أن السبب وراء اختلاط دموع الفرح بخيبة الأمل يعود إلى الفشل فى القضاء على حماس، بينما تم قتل بعض الأسرى بدم بارد، وسقط العديد من جنود الاحتلال خلال الحرب. وأشار إلدار إلى أن الاحتلال بحاجة إلى مواجهة الحقيقة: القضاء على حماس لم يعد ممكناً. وقال: "علينا أن نركز على تحقيق الهدف الذى كان ينبغى أن يكون الأولوية منذ البداية: إعادة جميع المختطفين إلى ديارهم، أحياء أو أمواتاً، وإدراك أن القضاء على حماس لم يعد ممكناً فى الأساس بسبب الظروف التى خلقناها بأيدينا."
وفى نفس الصحيفة، يكتب المحلل العسكرى البارز عاموس هرئيل مقالاً اعترف فيه بنجاح حماس فى تقديم استعراض للقوة داخل قطاع غزة، لافتا إلى أن حماس قدمت من خلال مئات المسلحين عرضا للقوة العسكرية وعلامات الحكم المدنى، وقد شوهدت قوافل المسلحين فى البداية فى جنوب قطاع غزة، حيث احتشد أعضاء حماس فى شاحنات صغيرة من طراز "تويوتا"، من النوع الذى اشتهر يوم 7 أكتوبر، وأطلقوا النار فى الهواء كعلامة على الفرح.
وأشار هرئيل إلى أن حماس تستثمر جهوداً كبيرة فى صياغة "رواية النصر" أمام سكان غزة، رغم المعاناة الشديدة التى واجهها القطاع خلال الأشهر الـ15 الماضية. وخلص هرئيل إلى أن "إسرائيل خسرت الحرب إلى حد كبير يوم 7 أكتوبر 2023، وكل ما فعلته منذ ذلك الحين كان محاولة لتقليل بعض الأضرار. ومن أجل إبرام صفقة لإطلاق سراح جميع الرهائن، تطلب الأمر تنازلات كبيرة، ".
مشهد تسليم الأسيرات تأكيد على حجم الهزيمة السياسية لدولة وحكومة الاحتلال. فبعد 15 شهراً من الحرب، بقيت حماس واقفة. هكذا قال محلل شؤون الشرق الأوسط فى صحيفة "يديعوت احرونوت" ايسخاروف. الصحف الإسرائيلية أجمعت على أن مشهد تسليم الأسرى خطف أنظار الإسرائيليين، إذ لم يقتصر حضور مقاتلى كتائب القسام على تسليم الأسيرات، بل جاء كرسالة واضحة وقوية بأن حماس ما زالت صامدة، وأن المقاومة لا تزال حية ومستمرة، رغم كل محاولات الإبادة التى واجهتها.
اخراج المشهد من حماس آثار اعجاب المخرجة الإسرائيلية عينات فايتسمان التى علقت على مراسم الإفراج عن الأسيرات المجندات بقولها : "يا للإخراج... الديكورات، الملابس، الإعداد المسرحى.. هكذا يتم إخراج الانتصار المطلق". فمهندس عملية التسليم لا يقل عبقرية عن مهندس إدارة الحرب. هذه عقلية من دخل المعركة وهو موقن بالنصر؛ فاستعد لهذه اللحظة بهذا الإخراج. الشعارات وُضعت بعناية فائقة.. كل شعار له مغزى. المنصة وجودة الترتيب لها مغزى. الحشد والاستعراض العسكرى المهندم له مغزى. وضع شعارات نخب وألوية وفروع الجيش الغاصب على المنصة له مغزى. كلكم تحت نعالنا.. استخبارات. ونخبة.. وفرق..
هذا المسرح للتسليم يشبه مسرح عمليات إدارة المعركة فى الجودة والإبهار. نحن نتابع مسلسلا رائعًا بدأت حلقاته من أول لحظات التسليم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة