حازم حسين

طوفان الأيديولوجيا ودوامة التكرار.. ذاكرة الشرق وفتنتها الدائمة بالتجارب الفاشلة

الثلاثاء، 14 يناير 2025 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لا يعود الزمن للوراء، ولا تكرر الحوادث نفسها، هذا بالمنطق ولدى العقلاء، إنما فى البيئات التعسة تتلبّس البلايا أقنعة المعجزات، ومن أسفٍ، أن كثيرين فى شرقنا المنكوب يدمنون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وبدء التجارب من الصفر كأنهم ما اكتووا بنارها سابقًا.

ولا عجب أن الجراح لا تطيب، وتتكسَّر النصال على النصال، بين وجيعة يرفض أصحابها البرء منها، ومآس لا تتوقف عن التناسل من أرحام بعضها، وعقائد تتسلّط على مُعتنقيها، حتى أنهم صاروا خدمًا لها، بدل أن تكون فى خدمتهم، وأُسروا فى دوّامتها، دون رغبة أو اقتدار على التحرّر والانفكاك.

تنزف الذاكرة العربية دمًا وجغرافيا، كلّما مرّت على الخاطر رائحة العثمانيين، أو تردّدت لدى الأسماع أهازيج القومية وخُطبها الحماسية، أو فكّرت مع نفسها فيما جنته الأصولية عليها، وما تسبَّبت فيه الدعايات الدينية وجماعاتها النشطة من هزائم وانكسارات.

وعلى كثرة التعداد ووفرة الشواهد، ورغم فداحة ما خلّفته لنا من أطلال، واستخلفته على عقولنا من ضلال، فما زال فريق عريض من ناكبى المنطقة ومنكوبيها، يدورون فى حلقاتهم المفرغة، ويحملون صخرتهم الثقيلة صعودا وهبوطا بكَللٍ كاسر، ومن دون ملل أو اعتبار.

ولا فارق فى النظر بين حال فلسطين اليوم، ونكبتها الأولى فى زمن التقسيم. الربيع العربى لفظ أنفاسه فى بعض الدول، ويأكل غيرها حتى اللحظة، وثمّة فريق يُعيد إنتاجه فى المجال السورى. جبهة الصمود والتصدّى وُلِدَت ثانية تحت عمامة المُمانَعة، وها هى تُخترَع مُجدَّدا على وجه آخر، من جهة الأناضول وتحت راية جرّبناها وسُفِحَت دمانا تحت سنابك خيولها، ونزوات سلاطينها المعجونين بالوحشية والغباء.

الأُمميّة التى أُسقِطت بأثر الحرب العالمية الأولى، تحوّرت لتتّخذ صِفَة عروبية، اتصالا بغرام الكُتل الكبيرة، والافتتان بتجميع الضعفاء فى سلّة واحدة. دخلت الأبدان فى الحداثة، وظلّ العقل أصوليًّا، وما كان يتمرّد عليه فى زمن «سايكس بيكو»، ويعتبره ضربًا للوحدة التى ما تحقَّقت قطّ على وجه صحيح، صار يطلبه اليوم دون أُفق لتحصيله، ودون وعى عميق وجاد بأن الحصانة فى الدولة الوطنية، لا فى تسييل الخرائط وتصليب الأيديولوجيات.

المنطقة التى مُنِعَت من إدخال المطبعة لأكثر من ثلاثة قرون، كانت تُساقُ قهرًا إلى الجهالة والتغييب عن الواقع. صارت الدولة بهذا المعنى حائلاً بين الناس والحياة، وقيدًا على الوطنية المُختَزَلة فى مُعتقدٍ وطائفة. ومن يَومِها، نعرف عن الأفكار ما تعكسه لنا المرايا من صورتها، وما يُقرِّره الفاعلون فى المشهد بالاستحقاق أو الاستلاب، بينما تُداس الحقائق تحت أحذية الخطابات الكُبرى، وفى ظلام الغرف المُغلقة واتفاقاتها المشبوهة.

ما كان منطقيًّا مثلا أن يسير «السنوار» إلى الطوفان بوعى كامل، وأن يختار مُجابهة الظلم بإيقاد النار من تحته حتى الغليان، ولا أن يتمرّد على الموازين المائلة بتكسير كفّة وترفيع الأخرى. والمؤكد أنه لم يكن مُغيَّبًا عن حقيقة التوازنات، ولا غافلا عن حماوة اليمين الصهيونى واشتهائه لفُرص التصعيد بأكثر مما يشتهيها الحماسيون. ربما تساوت لديه الخيارات فدخل اللعبة على طريقة «إنك ميّت وإنهم مَيِّتون»، أو دُفِع إلى المُغامرة لحسابات فوق فلسطينية، وعلى مواقيت لا تحتكم لساعته، ولا تحترم ما فى إيقاع القطاع من آمال وآلام.

وعلى المنوال نفسه سار الحزبيّون، فأطلق حسن نصر الله حرب الإسناد والمُشاغلة بعنوان واحدٍ مُعلن، وعناوين كثيفة مُضمَرة. وُضِع لبنان على فوّهة البركان تطوّعا، ومن دون مُبرِّرات، وبارتهان كامل لإرادة الشيعية المُسلَّحة وفق ما اعتنقته فى صراعها مع الشيطان الأكبر وقوى الاستكبار العالمى. أفضت المُقامرة إلى طاولة محروقة بالكامل، وخسائر لا حصر لها، وعَودٍ على بدءٍ كما فى كل التجارب السيئة، وإلى انكشاف جديد ومُوجِع أمام الجغرافيا والتاريخ، والأسد إذ رأى شرر الربيع العربى يتطاير يمينًا ويسارًا، فإنه ما استوعب دروس الناجين فى مصر وتونس، ولا اعتبر من انتكاسات المشمولين بالنار إلى الآن فى ليبيا واليمن. عاد إلى سيرة الأب، وقرأ فى كتاب حماة ومجازرها الصاخبة، مُختزلاً الغضبة الشعبية فى طيفٍ واحد، ومعتبرا أن ما جُوبِهت به الأصولية فى الماضى يصلح للتكرار حاضرا، فكان أن استنزف ما تبقّى لديه من شعارات المنعَة والاستقلال، وصار نظاما فى صورة ميليشيا، أو بلدًا تحت الوصاية الخارجية الكاملة، إلى أن سلَّم التركة بتمامها إلى بديل يختلف فى الشكل لا المضمون، ويصطحب راعيًا يُشبه الجمهورية الإسلامية مع لهجة هادئة وقدرٍ من مساحيق التجميل.
يختصم الزمن فى أحشاء الإقليم منذ البداية. لُضِمت الخرائط بالقومية فى أزمنة الفرس والروم، وطُبخِت بالدين والعرق معًا تحت راية الدولة العربية المحمولة على الإسلام، وتنازعتها الأعراق والمذاهب من وقتِها دون انقطاع، والمأساة أن أهلها صاروا يرون أنفسهم بعيون الآخرين، وينظرون لما بينهم من روابط وانقطاعات كما أرادها الخارج لهم، وأحيانًا، بل غالبا، ما تكون الصِلَة مع الغريب أوثق مِمَّا هى عليه مع القريب.

ما كان منطقيًّا أن يُراهن الحماسيون بأرواح مليونين وعشرات الآلاف لإرضاء الشيعية المُسلَّحة، أو للتشغيب على مسار التطبيع بين الرياض وتل أبيب. إن كان فى المسألة قلق من انزياح القضية للوراء، فقد أزاحها مقاتلو القسام بهجمتهم الاستعراضية الساذجة.

وما تبقَّى إلا الأثر الأخير: تقول الجمهورية الإسلامية للدولة العبرية إنها قادرة على إزعاجها من داخلها، ويتعثّر المسار الإبراهيمى قبل الوصول إلى الكعبة الشريفة، وتتأكَّد حقيقة أن بعض أهل المنطقة يعملون لصالح أعدائها من كل لون، أو بالأحرى لا يتوقفون عن اللعب ضد أنفسهم، بمعزلٍ عن حجم الخسارة وهُويّة الفائزين، ودائما لا يكونون من أصحاب الحقّ أصلاً.

تُوضَع التوراة على أسنّة الرماح اليوم، كما فعل الأمويون مع القرآن فى فاتحة الفتنة وقبل مهزلة التحكيم. نصوص تصطرع مع نصوص، وهُويَّات حارقة فى خصومة لا فكاك منها، ولا حسم لها. وعليه، فالعمامة السوداء لا تختلف عمليًّا عن القلنسوة إلا فى لُغة صاحبها، ومقدار قدرته على الخداع والتلطّى وراء المُشتركات، وكلاهما على خطٍّ واحدٍ مع العثمانية فى وجهيها القديم والجديد، وما أطلقت الأناضول على المنطقة من قبل إلا ذئابًا تنهش الثقافة والعمران قبل أن تفترس الأجساد والأرواح.

الأصوليّة أفسدت الشرق بكامله عقودًا، ثم تلتها القوميّة فى ذات المهمّة المقدسة. رحل الآباء وتبقّى شر خلفٍ عن شرّ سلف، وما أخفق فى سابق القرون والمُنعطفات، يُساق اليوم لنا على صِفَة الموعدة بالاستدراك والتغيير.

ما ملأ بشار مكان حافظ، ولا حلّ البعث بدلا من عبد الناصر، وغادر عرفات سجنه الناعم فى رام الله قبل عقدين، وما زالت فلسطين تائهة من دون قائد حكيم أو مُقاتل أمين. وبينما تخلّص طرف الشام الجنوبى من أكذوبة حزب الله، جزئيًّا على الأقل، تُباع تلفيقة شبيهة به لبقيّة المتن الشامى فى صورة الجولانى/ الشرع. كأننا نقفز من الهاوية نفسها، رهانًا على أن الطبوغرافيا تبدّلت، أو أن الأرض ستترفّق بسقوطنا، بينما لم نكن رفقاء على ذواتنا من الأصل.

كل هزائمنا تخلّقت من الوهم، واستفحلت بالإنكار، رأينا فى «سايكس بيكو» خلاف ما كانت تُبشِّر به، فاصطدمنا بعد سنوات قليلة بالبديل الأسوأ، وقُسِّمت المنطقة عِرقيًّا وعقائديًّا بالفعل فى «سان ريمو». استأمنّا الباب العالى على فلسطين فضيّعوها بالصمت المشبوه، وربما بالتخاذل أو التواطؤ، وذهبنا إلى الحرب عُراةً من كل شىء إلا الشعارات.

مُسِحَت غزة من كتاب الحياة تقريبًا، وما يزال الباكون على قبر السنوار يقبضون سرديّة النصر مع الرمل والركام، ولا يتحرّج نعيم قاسم من ادّعاء القوّة والبأس فى مواجهة الصهيونية المُتبجحة، بينما يتعذّر عليه أن يُشيّع سلفه الجليل، ماكينة الشعارات الرنانة، سماحة السيد حسن نصر الله، فى جنازة تقول للناس إننا على الأقل قادرون على الحزن بطريقة لائقة. حتى الهزيمة المُرضية تفوق طاقتهم، ويتجرّؤون على تتويج أنفسهم بأكاليل المُنتصرين.

إزاء الدوران فى حلقة الأساطير الجهنّمية، يُعاد إحياء الدولة الأُمويّة من أردأ نقاط الحاضر البائس. كان طموح معاوية فاتحةً لفتنة مذهبية لم تنطفئ من وقتِها، وما يترشَّح عن الجولانى فى الكلام والسلوك يُنبئ بأنه حبيس تلك الحقبة، صحيح أنه انتقد استعادة طهران لذاكرة أربعة عشر قرنا وفرضِها على الشام، إلا أنه لا يفعل خلاف ذلك، ويصرف جُلّ طاقته لاختصام الشيعية المُسلحة من منظور دينى كامل، لا على قاعدة وطنية أو جغرافية، وإلا كان استرعاه أن إيران غادرت سوريا تقريبا، بينما هُويّة المحتل الحالى واضحة تمامًا فى الجنوب والشمال.

أزمة الأصولية أنها تردُّ الناس لروابطهم الأولية بكل ما فيها من بدائية واحتدام. تصبح الموالاة والمُعاداة محكومة بظاهر اللسان ولو اختلف مع مكنون الصدور، وبالعاطفة وما يُتوَهَّم عن الدين وإرشاداته. وكما كانت قُم أهم عند حزب الله من بيروت، فلعل أنقرة تتقدَّم على دمشق فى أولويات هيئة تحرير الشام.

تُنتقد ميليشيات «فاطميون وزينبيون» القادمة من باكستان وأفغانستان لعملها تحت راية شيعية، ويُدمج المقاتلون التُرك والآسيويون والأوروبيون فى الجيش العربى السورى، لمُجرَّد أنهم إخوة فى الدين، أو مُنخرطون فى قطيع العثمانية الجديدة من مراكز متساوية، كيفما قضت الرابطة الإرهابية سابقًا، ويُريد لهم سادتهم المستترون الآن.

تُصنع البطولات لدينا وتُهدَم من الخارج. الثورة الخُمينية دُعِمَت من الولايات المتحدة مباشرة، قبل أن تستأسد عليها من زمن رهائن السفارة وإلى اليوم. دُفِع صدام للحرب مع جارته الشيعية، وشُجِّع بنعومة لغزو الكويت، ثم علقته واشنطن على المشنقة بيدها. أوهام البعث تضخّمت فى رعاية الغرب، لمُعادلة الكفّة مع الناصرية، ثم اتُّخِذت ذريعة لتفكيك الضلعين الثانى والثالث فى البناء القومى نفسه.

صعد حزب الله من ركام الحرب الأهلية، وعلى حساب حركة أمل وخطابها الاعتدالى، وبدا أن تسلُّطه على الدولة واختزالها فى صورة الميليشيا يُلبّى تطلعات الصهاينة، أو تقبله السحابة الأمريكية المخيّمة على الإقليم، وعندما حان الأوان كان الذريعة أو شرارة الإشعال فى عملية الإجهاز على الأصول الشيعية فى المنطقة. وحماس ذاتها دُعِمت لا من تل أبيب بشكل عام، إنما من خلال بنيامين نتنياهو نفسه، واستثمر فيها طويلاً، وكان يرعى تغوّلها على السلطة ويُشجع انقلابها والاستئثار بالقطاع، ولعلّه نظر إليها على صفة الذُخر أو المخزون الاستراتيجى، موقنًا بأن اللعب معها بقواعد الميليشيا وحروب العصابات، أسهل من الانخراط مع رام الله وفق الأطر السياسية والالتزامات القانونية.

وما فى الشام اليوم تكرار للمسألة، يُنتدَب أسوأ الخيارات على الإطلاق ليتصدّر الواجهة، فتكون له الغلبة بالقوة والرعاية الخارجية، ويظل قيد السيطرة بسوابقه القديمة وشُبهاته الحديثة، واتصال حبله السُّرّى بالداعم الذى يتكفل مهمة غسل سمعته وتقديمه للعالم.

ولأن توالى الأحزان يُعلم البكاء كما تقول الأمثال والخبرة الشعبية الذائعة، فإن افتراض المدنيّة فى الآتين من عُمق الوهابية الحنبلية وخارج ثقافة الدول يبدو افتراضا ساذجًا بالكُليّة، والتسليم بأنهم قادرون على تجاوز تناقضاتهم البينية، ومع المحيط الهادر بألوانه وتنوّعاته الصاخبة، ينطوى على حُسن ظنٍّ لا يُناسب الحال الراهنة، ولا ينسجم مع طبيعة البيئة السورية وسابق عهودها المُغرمة دومًا بأقصى اليمين فى كل فكرة ومُعتَقَد.

والقول بالتسامح والإحسان والإحسان كما تهدرُ حناجر الإدارة الجديدة فى سوريا، إنما ينبع من وعى ماضوىٍّ يُرتِّب لفريق يدًا عُليا على الآخرين، ويمنحه حق الإدانة والصفح بمعزلٍ عن القانون ومادّته المُجرّدة، وينظر للناس على صِفَة الرعايا لا المواطنين، يُحسَن إليهم بأكثر مِمَّا يستوفون حقوقهم، وتُدار روابطهم بالولاء والبراء فقهيًّا، وبالأغلبية والذميَّة عمليًّا، ولا مجال للحديث عن المواطنة والتكافؤ الكاملين من الأساس.

تكرار ممجوج لكل الأفكار الحارقة، كما أحدثت جماعة الإخوان شرخًا عميقًا فى الوعى منذ تأسيسها، وواصلت الضغط عليه والحفر لتوسيعه، ونصّبت نفسها فى موقع «الفرقة الناجية»، وقضت على الآخرين بالضلال والانحراف عن جادة الصواب.

وجوهر الأصولية أنها مُتخشّبة لا تتحرك فى الزمان والمكان، كما لا ترى سواها، وتُقيِّم الحوادث والمُشاهدات من منظارها الضيق، وعلى قاعدة مصالحها فحسب. وبهذا لا تختلف الأممية الإسلامية عن القومية العربية، والشيعية المسلحة عن العثمانية الجديدة، والصهيونية العرقية والتوراتية عنها جميعًا. أيديولوجيات رديئة تتناحر، وفواصل زمنية شديدة البؤس لا تتوقف عن التجدُّد على شاشة الحياة.
ارتدّ الطوفان على الحماسيين، وقبلهم أبرياء غزّة الذين ما اختاروا الذهاب للقتال ولا مُنِحوا حق العودة عنه. وإذ أُريد منه إزالة إسرائيل من الوجود كما كان فى العام 1948، فإنها توحشَّت ووسَّعت حيّزها الجغرافى، وأربكت جبهة المُمانَعة بكاملها على كل المستويات، وما أحرز «طوفان السنوار» شيئًا إلا أنه خدم نتنياهو وقت محنته، ومكَّن له أن يتحدث عن تغيير الشرق الأوسط، وتطاولت أمواجه حتى أسقطت بشار الأسد، واستخلفت ميليشيا سُنيّة تنتمى لمشروع أيديولوجى فوق وطنى لا يقل خبالاً عمّا اقترحته الجمهورية الإسلامية على المنطقة.

الموجة الطوفانيّة الوحيدة التى أثمرت كانت فى لبنان، إذ هذّبت سلوكيات حزب الله، وأعادته ولو على سبيل التقيّة إلى حاضنة الدولة، وفضاء الوفاق الوطنى وميثاقيّته الجامعة، ويسّرت إنهاء الشغور فى منصب الرئاسة، والذهاب لمشاورات نيابية أسفرت عن تكليف رئيس جديد بتشكيل الحكومة، بجانب ما كان من العماد عون فى خطاب أداء القسم، وقد أكَّد فيه من دون مواربة نهائيّة الكيان، وواحديّة الدولة ومؤسساتها، وأنه لا مجال لتجاوز حقوقها الحصرية فى احتكار السلاح، ورسم السياسة الخارجية وتحديد أوفق المسارات وأنسبها إلى مصالحها العليا.

كأنها فرصة مُستقطَعة من غابة الجنون لإنقاذ بلد جميل، أكبر من حجمه على الخرائط، وأصغر من أن يصمد أمام الرياح العاتية، وأن يُفلت من حبائل النزاعات الجيوسياسية وضغوط «لعبة الأُمم» بأحمالها المُضنية. إنما ما يزال الخطر قائمًا للأسف، بمقدار مكابرة الحزب فى الاعتراف بالهزيمة، ومساعى إيران لإبرام صفقات كبرى على حساب دول المنطقة، وحدود الصراع والتسوية بين أضلاع الطامعين الثلاثة: الشيعية والصهيونية والعثمانية.

كُسِرَت الدائرة مرحليًّا فى بيروت، ويحتاج الإقليم إلى تكسيرها على امتداد العواصم والساحات الساخنة. لا معنى لأن تتسبَّب حماس فى نكبة ثانية وتظل متشبّثة بحظِّها من كعكة السلطة، ولا أن يُشرعن الحوثيون وجودهم بتهديد الملاحة والإخلاص لأجندة طهران، بينما يئن اليمن جوعًا وضياعا.

ولا منطق فى الرقص على إيقاع ارتداد الشام إلى الخلف، وقد انحلّ نظام شمولىّ طائفى ومُستتبَع، وحل بديل يتفوّق عليه فى كل السلبيات تقريبًا، لكنه لم يمزجها معًا فى طبخةٍ واحدة حتى الآن. علينا أن نخرج من دوّامة الزمن الدوّار، وأن نتوقف عن استنساخ ذكرياتنا السيئة، وإعادة إنتاج أسوأ تجاربنا كُلّما بدا أننا مُؤهّلون لإصلاحها أو الإفلات من فخاخها. المعركة فى الذهنية والذاكرة، وحتى الآن ننزح من الخزان القديم، ونلعب بالنار طالبين الدفء، ونتجاهل عن أنها أحرقت من قبلنا ملايين العابرين.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة