مجدى أحمد على

يا سينما يا غرامي

يوسف شاهين 7

الجمعة، 13 سبتمبر 2024 06:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فوجئنا ذات مساء بتوقف التصوير واختفاء جو وميشيل بيكولي، ومعهما عباس من موقع التصوير، "وكان بيت السحيمي على ما أذكر".. كان المشهد المعد للتصوير بين ميشيل ومحسن محيى الدين.. عرفنا فيما بعد أن ميشيل استهوته طريقة لبس المصريين أثناء قدومه وذهابه من حي الغورية، ومن المؤكد أنه قرأ عن الفترة التاريخية للحملة وعرف أن الجلباب "البلدي" كان هو الزي الغالب لأغلب المصريين وخاصة فئاتهم الشعبية.. ولم نعرف هل كانت فكرته أم فكرة جو ولكنهما عادا وقد أرتدي ميشيل جلبابا إشتراه لتوه من محلات الغورية كي يضفي مزيدا من المصداقية لمشهد بناء "الصداقة" مع المصري الشاب!


كان مشهدا حواريا طويلا تعلمنا فيه من جو "ومن ميشيل طبعا" أن القواعد يمكن أن تكسر في أي عمل فني بشرط أساسي واحد هو أن تجيد فهم القاعدة التي أنت بصدد كسرها، وشرط آخر لا يقل أهمية هو أن تكون هناك ضرورة فنية لهذا الكسر وليس مجرد إستعراض لقدرتك على التلاعب بالأساسيات.

ميزة يوسف شاهين الأساسية أنه "ولد" سينمائيا ولم يتأثر بالمسرح الذي مارسه في مصر وخارجها.. وكان مولعا بفكرة "كسر الإيهام" متأثرا بـ "بريخت"، وكانت رؤيته الإخراجية لا تلتزم بأسلوب واحد جامد، بل تتنوع بغزارة داخل العمل الواحد.

كان بارعا في خلق إيقاع صاخب بواسطة حركة الكاميرا المتوترة وأحجام اللقطات ومحتواها.. فكان من الطبيعي أن تختلط المشاعر على وجوه شخصياته مع لقطات تفصيلية لحركة الدماء داخل أوردته "أثناء الأزمة القلبية التي أصابته".

وربما يأتي "عدم الفهم" الذي كان يردده مشاهدوه من حيرة شاهين نفسه.. وهو أمر أراه ميزة وليس عبيا.. لم يكن يدعي أبدا امتلاكه للحقيقة المطلقة حتى وهو يعرض رأيه بشراسة وقوة ..ولم يكن أي من أبطاله "كاملا" فهم حائرون مثله في البحث عن الحقيقية.. وهو "المندهش " الدائم والغاضب على أوضاع لا يعرف بالظبط كيفية تجاوزها..


التكنيك عند ويوسف شاهين لم يكن أبدا منفصلا عن طريقة تفكيره..وكان "الحائط الرابع" هو التعبير المسرحي الذي يمثل له الإزعاج الأكبر فهو ما يمنع استغراق الشخصيات ويذيب علاقتها بالمكان والإلغاء الكامل لوجود "الكاميرا" أو الإحساس بها رغم تدفقها وإيقاعها الصاخب.


في السينما هناك كاميرا واحدة تصور كل شيء وهو ما يجعل "التمثيل " أمامها أمرا شديد الدقة والصعوبة والحرفية.. فعند تصوير مشهد حوار بين شخصين أو ثلاثة، فأنت تضبط الكاميرا "العدسة + زاوية التصوير+ خلفية المشهد+ الإكسسوار+ الإضاءة.. الخ" بحيث تصور الشخصية "أ" بالكامل قبل الانتقال إلى الجانب الآخر، وإعادة ضبط كل هذه العناصر لتصوير الشخصية "ب" من الزاوية المضادة.. فإذا كان المشهد مكونا من 12 لقطة مثلا مقسمة بين شخصين فأنت مجبر لأسباب اقتصادية وتقنية على تصوير لقطات 1، 3، 5 ، 7 ، 9 ، 11 ، قبل أن تنتقل إلى الجهة الأخرى لتصوير 2 ، 4، 6 ، 8، 10 ، 12.. ولما لم يكن متاحا لنا في هذه الأيام "مونيتور" لنرى ونقارن فكان على الممثل المحترف أن يتذكر كيفية أداءه والتنقل بين الفعل ورد الفعل المفترض طوال المشهد..ولكن ماذا تعلمنا من يوسف شاهين؟
كان المشهد طويلا بين ميشيل ومحسن وقد بدأنا بزاوية بيكولي "مجاملة له بالطبع" ولكنه توقف بعد أن صور 4 أو 5 لقطات معتذرا بأنه لن يستطيع أن يتصور أداء الشخصية المقابلة، وبالتالي قد يفقد حميمية المشهد، ولم يتردد جو الذي يعرف تماما مشاعر "الممثل" ويقدرها في أن يطلب من محسن نصر أن ينتقل إلى الجهة الأخرى رغم ما في ذلك من إهدار للوقت والجهد الذي يتطلبه تغيير كل شيء ثم العودة إليه مرات عديدة بنفس الدقة "وأعتقد أن أحد مساعدي محسن نصر كان مكلفا بوظيفة "راكور" الإضاءة إضافة إلى "عذابنا" كمساعدين في ضبط وإعادة ضبط كل عناصر الكادر.. كان جو يفعل ذلك ببساطة إحتراما للممثل الذي كان يحمل له كل الإحترام ويراه شخصية شبه مقدسة وهي المسئولة الأولى عن نقل "رسالة" أي عمل فني.


وأذكر موقفا مشابها لي مع عمر الشريف في "ضحك ولعب وجد وحب" عندما تأخرت الفنانة يسرا في غرفة الماكياج، فاقترحت كمساعد مخرج أن نبدأ المشهد بزاوية عمر لحين وصول الفنانة.. وبدأنا فعلا في الإعداد لذلك حتى فوجئنا برفض عمر الشريف الحاسم، وقال أنه لم يسبق له العمل مع يسرا، ولا يعرف شيئا عن طريقة أدائها، وبالتالي لن يستطيع أن يؤدي قبلها.. وأجبر هذا الموقف المخرج "طارق التلمساني" على الانتظار حتى حضرت يسرا وبدأت في الأداء من زاوية التصوير التي تخصها بينما قبع عمر الشريف وراء الكاميرا مرددا جملة بعد جملة لكي يساعدها على أداء متناسق.. وبعد أن انتهت يسرا نظر عمر إلى نظرة ذات معنى وهو يقول لي :كويس إني أتأخرت..كانت ها تحصل كارثة!!









الموضوعات المتعلقة

يوسف شاهين "4"

السبت، 24 أغسطس 2024 08:00 ص

يوسف شاهين 1

الجمعة، 02 أغسطس 2024 09:32 م

يوسف شاهين 5

السبت، 31 أغسطس 2024 05:07 م

يوسف شاهين «2»

الجمعة، 09 أغسطس 2024 03:08 م

يوسف شاهين «3»

الجمعة، 16 أغسطس 2024 05:19 م

يوسف شاهين 6

الإثنين، 09 سبتمبر 2024 12:20 ص

مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة