تأجل تصوير فيلم «مشوار عمر» الذى كنت أعمل به كمساعد للصديق محمد خان بشكل مفاجئ، فسمح لى بأن أعمل مع أى مخرج آخر أثناء فترة التوقف، كان لى فى مكتب يوسف شاهين صديقان أمير سالم، وكان يعمل كمستشار قانونى، وحسام على المدير الفنى والمسؤول عن الإنتاج فى كل أفلام «جو» الأخيرة، تمكن أمير من تحديد موعد لى مع «الأستاذ» الذى كان على وشك الدخول لتصوير فيلم «وداعا بونابرت» بعد تحضير طويل، تولى «حسام وأمير» تقديمى إلى «جو»، وبأنى أعمل منذ سنوات كمساعد أول للإخراج، وأزعم أن كيمياء جميلة، حدثت بعد حوارانا القصير، ولكنه اعتذر لى بأن هناك اثنين من المساعدين الأوائل حضرا كل الاستعدادات للفيلم، هما أحمد قاسم ويسرى نصر الله، وبالطبع لا يستطيع الاستغناء عن أحدهما، ولكن المكان الوحيد المتاح هو السكريبت أو ملاحظ السيناريو، وفوجئ الأستاذ بأنى أعلنت دون تردد أننى فقط أريد خوض التجربة معه كشرف، وفرصة لا تتكرر وأقبل بالعمل كسكريبت ومن دون تردد، فقال لحسام على: «وقع معه العقد الآن»، وأصبحت فورا جزءا من هذا العمل التاريخى الكبير.
وقعت العقد الذى كان «طبقا لأعراف السوق» يحدد أجرا أسبوعيا أتذكر أنه كان 300 جنيه قبل دفع الضرائب ورسم النقابة، وكاد هذا العقد أن يسبب مشكلة لحسام على، إذ تبين أن تقاضى هذا الأجر أسبوعيا فى فيلم تزيد فترة تصويره عن 10 أسابع، يعنى أنه سيصبح أجرا أكبر من المساعد الأول نفسه، الذى يتقاضى أجره طبقا لعقد شامل غير مرتبط بزمن التصوير..!! ولكن يوسف شاهين لم يرد أن تبدأ العلاقة بتخفيض الأجر، فوافق بعد وصلة تأنيب لحسام على.
ولما كان الصديق رضوان الكاشف يرغب أيضا فى العمل، فقد تم إسناد مهمة الكلاكيت، التى قبلها رضوان راضيا مرضيا، فكانت تجربة لا تنسى لـ«يسرى وقاسم ورضوان» مع «جو» المعلم العظيم، وطبعا كان ضمن عناصر الفيلم شريف مندور «ملابس» مع ناهد نصر الله وجمال فهمى وآخرين.
العمل مع يوسف شاهين شىء لا يمكن نسيانه، المتعة والحكمة والاحتراف والابتكار فى العمل، والأهم محبته لدور المعلم، وعندنا كان أحدنا «رضوان وأنا» نسأله فى أى تفاصيل فنية، يتوقف عن العمل ويشرح باستفاضة دون التفات لتوسلات حسام على بأن نتوقف عن مناقشة الأستاذ، أثناء العمل الذى يدفع الأستاذ نفسه تكلفته، كان «جو» عنيدا وديمقراطيا فى الوقت نفسه، يعرف بالضبط ماذا يريد، ولكنه يستمع إلى أى تعليق أو ملحوظة تأتى من أى من مساعديه، ما دام مفيدا للعمل.
كان «ديكوباج» يوسف شاهين، "هو التقطيع الفنى للمشهد إلى مجموعة من اللقطات" شديد التدقيق، يصعب فهمه للمقربين منه، خليط من الخطوط والرسومات واللغات بين عربية وفرنسية وإنجليزية، وكأنه شفرة خاصة بينه وبين مساعديه، وكان يكره مدرسة التلقائية التى كان يمثلها فى هذا الوقت الزميل خيرى بشارة، الذى كان يعتقد أنه على المخرج أن يعطى بعضا من روحه للتفاعل المباشر مع المكان وتفاصيله دون التقيد الصارم بـ«ديكوباج» مسبق، وكان «يوسف» بروح المنتج والمبدع معا يرى أن التفاعل يجب أن يسبق التصوير، وأن المعاينة الدقيقة والمتأنية كفيلة باستخلاص أقصى طاقة للموقع والأشياء والممثلين أيضا، وكان يرى أن «الديكوباج» الذى ينتج عن هذه المعاينة، ومع التفاهم مع مساعديه، قابل للتصوير حتى لو غاب هو نفسه عن التصوير.
كنا فى طريقنا إلى أحد المواقع على متن «مكروباص»، وعندما علم «جو» أن كل المساعدين كانوا فى الميكروباص نفسه غضب بشده، واعتبر أن هذا غير احترافى، إذ يمكن فى ظروف طارئة أن يتولى أحد المشاهدين تنفيذ المشهد الذى يتكلف آلاف الجنيهات لتجهيزه مرة أخرى، وتصديقا لذلك وكتدريب أيضا، كان يترك لمساعديه إخراج بعض اللقطات فى حضوره وتحت إشرافه، ولا ينتقده أبدا بل يشيد به ويدعمه أمام الجميع.
لو أحصيت ما تعلمته من تجربة العمل مع «جو» ما استطاعت أى مساحة للكتابة أن تستوعبه، وأرى أن أى مخرج لم يحظ بالعمل مع يوسف شاهين قد خسر أشياء من الصعب أن يجدها عند أى مخرج آخر، خصوصا أن أغلب هؤلاء كانوا يخفون صنعتهم، ويتعاملون مع المساعدين بروح «الأسطى» مع «بلية».. وإلى حديث آخر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة