خلال لقاء وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، بمحررى ومراسلى الوزارة بالصحف والمواقع الإخبارية، الذى عقد الأسبوع الماضى بمقر الوزارة، تحدث عما أسماه "فوضى النشر" بسبب وجود 5 هيئات مسئولة عن النشر، وعدم وجود هيئة واحدة معنية بالأمر، ورأى "هنو" خلال اللقاء أن الأفضل اقتصار النشر على جهتين فقط، هما الهيئة العامة للكتاب، والمركز القومى للترجمة، بينما لم يشر إلى الهيئة العامة لقصور الثقافة، والتى تعتبر ثان أكبر قطاع للنشر فى الوزارة بعد هيئة الكتاب.
حديث وزير الثقافة أيضا تطرق إلى عودة المجلات الثقافية التى توقفت خلال السنوات الماضية مرة أخرى ولكن من خلال نسخة ديجيتال، ومنها مجلة الخيال التى توقفت منذ سنوات.
بالتأكيد حديث وزير الثقافة، أو خطته للنشر، تشبه إلى حد كبير "لجنة النشر الموحد" التى كانت أعلنت عنها وزيرة الثقافة السابقة الدكتورة إيناس عبد الدايم، والتى ترأسها وقتها الدكتور هشام عزمى الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة وضمت فى عضويتها مسئولى النشر بقطاعات الوزارة، لكن هذه اللجنة لم تقوم بأى عمل ولم تتوصل إلى رؤية ثابتة فى صناعة النشر الحكومى، وتوقفت أعمالها حتى قبل خروج الدكتورة إيناس من المنصب.
فوضى النشر
وصف وزير الثقافة حال النشر بالقطاعات الحكومية بالفوضى بالتأكيد يوضح جانبا من العشوائية التى تدار بها بها تلك القطاعات، خاصة مع تكرار العناوين التى تصدرها بعض تلك الجهات، وتوحيد النشر فى جهة أو اثنين على الأكثر هو أمر ضرورى للسيطرة على تلك العشوائية وعدم إهدار المزيد من المال العام فى الإصدارات المتكررة التى تحدث فى النشر الرسمي.
لكن إغفال جانب مهم وهام مثل النشر الإقليمى بالهيئة العامة لقصور الثقافة أمر خطير، إذ لابد من إعادة تصور لتلك السلسلة التى تخدم كتاب الأقاليم، سواء بتحديدها فى قصور الثقافة فقط، على أن تكون الهيئة مسئولة فقط عن هذا النشر باعتبارها أكثر الهيئات تواجدا بالمحافظات وأكثرهم اتصالا بكتاب الأقاليم، أو تحويلها إلى هيئة الكتاب بتصور ورؤية يحافظ على استمرارية هذا المشروع الذى يخدم المبدعين فى كافة المحافظات، وهو ما يتماشى بالتأكيد مع رؤية الدولة بتحقيق العدالة الثقافية.
كذلك الحفاظ على مسابقات النشر مثل المسابقة الأدبية المركزية بقصور الثقافة والتى تقوم بنشر الكتاب الأول لشباب المبدعين فى المحافظات، وهو الأمر الذى يحدث أيضا مع عدد من مسابقات المجلس الأعلى للثقافة، يحتاج إلى استمراره مع توحيد جهة النشر، ووضع معايير واضحة للنشر.
توحيد النشر الآن ضرورى أكثر من أى وقت مضى، وذلك من أجل إنهاء ظاهرة تكرار عناوين يتم نشرها فى قطاعات الوزارة، مما يجعل تلك الجهات وكانها تعمل فى جزر منعزلة، فلا يوجد تنسيق بين تلك القطاعات مع أنها فى النهاية تتبع جهة واحدة وهى وزارة الثقافة، اعتقد أن الوزارة فى حاجة إلى وضع خطة ورؤية متكاملة تكون قابلة للتنفيذ فى أسرع وقت ممكن.
المجلات الثقافية.. هل الرقمنة هى الحل؟
الدكتور أحمد فؤاد هنو، كذلك تطرق إلى وضع المجلات الثقافية، وهى أكثر إصدارات الوزارة التى تواجه عدم انتظام فى إصداراها، فأغلب الإصدارات الشهرية تحولت إلى إصدارات ربع أو نصف سنوية دون الاعتراف بذلك من جهات النشر، بل أصبح هناك نوع من التحايل بإصدار ثلاثة أعداد فى عدد واحد.
فكرة رقمنة المجلات الثقافية إلى نسخة ديجيتال، نٌفذت من قبل من خلال بعض مجلات الهيئة العامة لقصور الثقافة، فى مجلتى "مسرحنا" و"مصر المحروسة" لكن السؤال الأهم هل حققت تلك المجلات النجاح المطلوب، خاصة وأنه لم يتم تصميم مواقع خاصة بها، بل تحولت إلى أيقونات داخل موقع هيئة قصور الثقافة، مع أثر بالسلب على نسب مشاهدة وقراءة محتوى المجلة، فضلا عن غياب التسويق اللازم لها.
بالتأكيد تحويل إصدارات بعض المجلات إلى نسخ رقمية أمر ضرورى وهام، لكن الأهم هو وجود بوابة أو نافذة إلكترونية لكل مجلة أو على الأقل وجود بوابة مؤحدة تضم كافة مجلات وزارة الثقافة، بطريقة تلائم طبيعة تلك المجلات وبالشكل الذى يحافظ على محتوى نظرا لما يتضمنه محتوى تلك الإصدارات من مادة توثيقية وأشيفية هامة، بجانب توثيق خطة تسويقية تجعل وصولها إلى المستخدم أمر سهل ويسير، واعتقد أن بروتوكول التعاون الذى وقعه وزير الثقافة بمجرد استلام موقعه مع وزارة الاتصالات وهى خطوة موفقة بكل تأكيد يساعد على تحقيق تلك الرؤية، مما يخدم رؤية الوزارة الجديدة.
لكن يبقى هناك بعض الإصدارات التى يجعل أمر تحويلها إلى نسخة رقمية وإلغاء نسختها الورقية أمر صعب خاصة مع طبيعية تلك الإصدارات، فإصدار مثل مجلة "فصول" أحد أقدم المجلات الثقافية والإصدار المحكم الوحيد تقريبا بين جميع الوزارة، والتى تهتم بتقديم محتوى علمى وأكاديمى متخصص يحتاج إلى نسخة ورقية ولو محدود، كذلك إصدارات مثل مجلة المسرح التى توقفت حاليا، بعد معاناة كبيرة فى صدورها خلال السنوات الماضية، والتى كانت تمثل آخر إصدار ورقى متخصص فى المسرح، لعل فكرة استمرارها بشكل ورقى بجانب الإلكترونى ضرورى على الأقل للحفاظ على فكرة الريادة المسرحية المصرية، وهو الأمر الذى نحتاجه فى مجلة "أبيض وأسود" الإصدار الوحيد الذى يهتم بالسينما بين جميع إصدارات وزارة الثقافة.
فى النهاية تحويل المجلات الثقافية إلى إصدارات رقمية أمر ضرورى ولكن برؤية وبآلية محددة وواضحة وقابلة للتنفيذ، لكن أيضا الحفاظ على الإصدار الورقى على الأقل لبعض الإصدارات أمر ضرورى نظرا لطبيعة تلك المطبوعات، واستمراريتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة