مجدى أحمد على

عمر الشريف وأنا

الأحد، 14 يوليو 2024 05:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بدأت صداقتى بالمصور الكبير طارق التلمسانى بفيلم «خرج ولم يعد» من إخراج محمد خان، الذى نمت بيننا صداقة عميقة أثناء العمل على المونتاج، وكان خيرى بشارة هو من رشح طارق القادم من موسكو، فكانت تجربتى الأولى كمساعد أول للإخراج مع طارق كمدير للتصوير.. تطورت الصداقة مع طارق وكان دائما يروى لى عن عالمه الطفولى فى حى مصر الجديدة، أيام كان يحكمها بلطجى وسيم يدعى «ميمى»، وكنت أبادله ذكرياتى فى حى مصر القديمة والمنيل، حيث سيطر على الشوارع شاب ضئيل الحجم، وللغرابة كان يدعى «ميمى» ومع قصتنا المشتركة عن أيام الدراسة والشباب، نمت فكرة فيلم يراود طارق حلم بإخراجه «وهذه قصة أخرى».. المهم أنى بدأت كتابة سيناريو فيلم «ضحك ولعب وجد وحب» الذى كان أول وآخر فيلم من إنتاج شركة أسست على عجل بين طارق التلمسانى والفنانة يسرا، تحت إدارة عمرو عرفة، وفى شقة منحتها لنا «يسرا» بالعجمى، ووفرت بها كل سبل الراحة، تمكنت من الانتهاء من كتابة سيناريو الفيلم فى حوالى عشرة أيام، وبدأ الإعداد للفيلم بعثورنا على مجموعة من الشباب المتألقين، أذكر بعضهم اليوم مثل هشام المليجى وهادى الباجورى ومحمد التهامى وحنان ترك ولبنى ونس، ثم كانت موافقة عمرو دياب حاسمة ليتحول المشروع إلى إمكانية جادة وحقيقية.

كنا فى مكتب عمرو عرفة، حين اقترح أن نستعين بنجم كبير فى دور والد عمرو دياب، الذى لا يستغرق على الورق سوى عدد محدود من المشاهد، ولا أذكر من الذى اتقرح اسم عمر الشريف، ولكن طارق تحمس للفكرة وطب منى محاولة التواصل معه، نهضت نحو التليفون وطلبت فندق شيراتون الجزيرة، وطلبت من الاستقبال التحدث مع عمر الشريف وبعد لحظة جاءنى صوته، فوجئت تماما بسهولة الوصول إلى فنان بحجم عمر الشريف مما يعنى أنه لم يكن من الفندق أى إعاقة للاتصال به.

شرحت للفنان العمل الذى نعمل عليه، والدور الصغير الذى نرشحه له، سألنى إنت فين؟ أجبت فى المهندسين فقال: هات السيناريو وتعالى أنا فى أوضة كذا.. ذهل طارق وعمرو عرفة من سهولة الخطوة الأولى، وحملت السيناريو إليه فى غرفته «سويت متواضع»، فشكرنى وتحدثنا قليلا وطلب منى أن أتحدث إليه بعد يومين، «لم يكن هناك تلفونات محمولة»، وكانت المفاجأة الثانية أنه أحب السيناريو، ووافق دون تحفظ.

ولما لاحظ الجميع أن هناك حالة من الارتياح، والكيمياء الخاصة بينى وبين الفنان الكبير، طلبوا منى أن أفاوضه على الأجر والحصول على توقيعه على العقد، كانت هذه أول مهمة لى من هذا النوع، وكان اللقاء مرة أخرى فى جناحه بالفندق، ومباشرة قلت له أن أى أجر نقترحه لا يمكن أن يعبر عن قيمة عمر الشريف ولا محبتنا له، حيث إن الفيلم إنتاج أول لشركة تساهم فيها «يسرا» فالميزانية محدودة، فقال: قول على طول يا مجدى، قلت إننا سندفع 50 ألف جنيه + تذكرة درجة أولى لفرنسا+ الإقامة الكاملة بالفندق فى مصر، فوجئت به يقول دون تردد، أوكى هات العقد، ثم قال وهو يوقع دون أن يقرأ: بس على فكرة أنتم ناصحين بزيادة عشان أنا مش بدفع فلوس فى أى فندق، مش بدفع إلا الأكسترا ودى ماتقدروش عليها، فضحكت وقلت: والله ما نعرف
بدأت العلاقة بأن طلب أن أمر عليه بالغرفة للحديث عن السيناريو، لأن له بعض الملاحظات يريد مناقشتها معى لمزيد من الفهم لدوافع الشخصيات وخلفياتها الشخصية والاجتماعية، ورغم مرور كل هذا الوقت، فلا أتذكر مناقشة مع أحد أكثر احترافية وبساطة ورقى ومهنية، كانت أغلب ملاحظاته على شخصيات أخرى غير الشخصية التى يجسدها، وعلى تفاصيل تغنى العمل ولا علاقة لها بأى منطق تجارى أو شعبوى، قضينا أكثر من 10 ساعات من العمل، كنا نتفق على النقاط الخلافية فأدخل إلى الغرفة وأعيد صياغة المشهد أو التفصيلة،  فيبدى اندهاشه من سرعة استجابتى ثم تتكرر العملية، طوال عشر ساعات لم يتناول فيها عمر سوى بعض قطع من البسكويت السادة «مارى» مع القهوة التركى والماء، وطلب لى بالطبع غذاء بالغرفة تناولته أثناء العمل.

انتهينا بعد جلسة واحدة من ملاحظات عمر الشريف على السيناريو، ووافق بتحفظ واحد أنه لم يكن يفضل زيادة جحم دوره، وهو الأمر الذى طلبه منى طارق ويسرا، لأنه ليس من المعقول أن يكون لدينا عمر الشريف ولا نستغل وجوده على الشاشة.

قال لى عمر وأنا أسلم عليه حاملا السيناريو أن هذه الساعات العشر هى أطول فترة قضاها مع محترف أو محترفة، وفى الوقت نفسه أقصر فترة تم الاتفاق فيها على سيناريو كامل للعمل.

ثم بدأت لقاءات العمل التى كان أغلبها فى الفندق بدعوة من عمر الشريف لجميع عناصر الفيلم، وفى محل الكبابجى الذى كان المفضل لعمر على نيل القاهرة، وكانت رقته وكرمه مع الجميع فى هذه اللقاءات ما جعل الجميع يقع فى غرامه، فهو يعامل كل شخص وكأنه ضيفه الوحيد، ويضع الطعام فى فمه ويراقب ما يشرب كل شخص، وينهض بنفسه لملأ الكأس الفارغ، ويحب أن يستمع إلى الآخرين دون أن تحتويه شهوة الكلام.

أزعم دون مبالغة أن ما نفقه عمر الشريف على لقاءات العمل والصداقة على نيل القاهرة تساوى أكثر من أربعة أضعاف ما تقاضاه من أجر زهيد على عمله بالفيلم، وبدأت مراحل العمل فى الفيلم.. وهذا موضوعنا المقبل.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة