كانت الساعة تقترب من الواحدة صباحا حينما جلس الفنان الكوميدى إسماعيل ياسين على السرير متعبا، وطبقا لصحيفة الأهرام فى عددها الصادر صباح مثل هذا اليوم «24 مايو 1972»: «لم يكن هناك سوى زوجته وابنه ياسين الذى لم يستطع الاتصال بأى من الأطباء، فأسرع إلى بوليس النجدة طالبا معاونته، وعندما وصل طبيب الإسعاف كان إسماعيل ياسين قد لفظ أنفاسه الأخيرة فى الساعة الواحدة صباح 24 مايو، مثل هذا اليوم، 1972.
كان موته ختاما لدراما إنسانية وفنية عاشها فى سنواته الأخيرة، فبعد أن ظل لسنوات نجما وبطلا سينمائيا ومسرحيا، وكسب مالا وفيرا، وازدحم نهاره بالتصوير لأفلام هو بطلها، وفى المساء يقف على المسرح مع فرقته، وفجأة تبخر كل ذلك، فلم تعد هناك بطولة سينمائية، وأطفئت أنوار المسرح، وكانت الحصيلة ضيق حال دفع الدولة إلى تخصيص معاش له كى يمضى حياته.
هى قسوة النهايات لفنانين كبار مروا فى تاريخنا الفنى دون أن يعملوا حساب الزمن، فحملت أيامهم الأخيرة أحزانا هائلة، وتذكر «الأهرام» فى تقريرها عن وفاته: «لأكثر من 12 عاما كان يصعد كل ليلة على خشبة مسرحه الذى كون فرقته عام 1954، وكانت أولى مسرحياته التى بلغت 51 مسرحية «حبيبى يا كوكو»، وظل مسرحه يعمل دون أن ينقطع موسما واحدا صيفا وشتاء، حتى اضطر إلى إغلاقه عام 1966 عندما عجزت ظروفه المادية عن مجابهة مصاريف الفرقة المتزايدة، وفى السنوات الأخيرة كانت الظروف قد ضاقت من حوله لمرضه بالنقرس، ثم بالتهاب الغشاء البرينونى نتيجة وجود مياه على الرئتين، ما اضطره إلى إغلاق مسرحه بعد أن عجز عن دفع إيجاره».
وأضافت «الأهرام»: «كانت فرص العمل نفسها قد ضاقت أمامه حتى اضطر إلى السفر إلى لبنان حيث عمل فى عروض تليفزيونية إعلانية، ولما عاد إلى القاهرة لم يجد فرصة عمل إلا فى ملاهى شارع الهرم، ثم منحته الدولة معاشا استثنائيا تقديرا لجهوده».
كان طفلا يتيما محروما من حنان الأم والأب، حسب كتاب «إسماعيل ياسين فى السينما» للناقد محمد عبدالفتاح، مضيفا، أنه ولد فى أسرة متوسطة الحال بميدان الكسارة بالسويس(15 سبتمبر 1912)، وكان والده يعمل فى تجارة الذهب إلى أن تدهور الحال به بسبب جلسات الأنس والحظ والكوكاكين، وفجأة يجد نفسه وحيدا يشق طريقه بحثا عن عمل حتى لا يكون عالة على جدته، ويأتى وحيدا غريبا إلى القاهرة، وترفض ابنة خالته أن تؤويه لأنه هارب من والده، وينطلق فى الحياة دون مأوى ومأكل، فيضطر إلى العودة من جديد إلى السويس، وبعد مضى سنوات بين ممارسة أعمال صغيرة وشهرته كمنولوجست يلتقطه فؤاد الجزيرلى عام 1939 ليقدمه فى دور صغير فى فيلم «خلف الحبايب» ومنذ هذا التاريخ وحتى آخر أفلامه «الرغبة والضياع» عام 1972 بلغ عدد أفلامه 207 أفلام ومنذ بداياته، وإلى نهاياته السينمائية أصبح «بلا شك الممثل الكوميدى الظاهرة الفريدة من نوعها فى السينما العربية»، وفقا لمحمود قاسم فى كتابه «أبطال الضحك فى تاريخ السينما المصرية»
وفيما يراه محمد عبدالفتاح: «فنان بالفطرة، ذو ملامح مميزة ووجود مستقل، وشخصية فنية أصيلة بذاتها»، يتساءل المخرج المسرحى جلال الشرقاوى فى كتابه «رسالة فى تاريخ السينما العربية»: «هل يستطيع أى ممثل خلال ثمانية أشهر أن يتقن الدور الأول فى 18 فيلما مرة واحدة؟»،غير أن الشرقاوى يؤكد، أن إسماعيل برع فى تمثيل دور الأبله والعبيط وطيب القلب، ساعتده ملامحه وضحكاته وبعض الحركات والإيماءات»، وجاء تساؤله لأن إسماعيل بلغ الأمر به أنه ظهر فى 17 فيلما عام 1953 وفى 18 فيلما عام 1954 ثم هبط إلى 6 أفلام فى عام 1955، ثم هبوط حاد وصل إلى فيلمين عام 1961.
يوضح الكاتب الساخر محمود السعدنى أسباب أفول نجم إسماعيل ياسين وانصراف الجمهور عنه فى سنواته الأخيرة، قائلا فى كتابه «المضحكون»: «أصبح بطلا للأفلام، ثم أصبح البطل الوحيد فى السينما المصرية على مدى خمسة عشر عاما، واستطاع أن يفرض اسمه على شباك التذاكر والموزعين، ثم صار هو اسم الفيلم، ثم فجأة تدحرج من القمة إلى النسيان، وكان السقوط رهيبا وخاطفا، وضاع، وكان ضياعه حكما على مدرسة الكروتة والاستهانة والاستخفاف بعقول الناس».
يضيف السعدنى: «إسماعيل ياسين لم يعمل حسابا لشىء كان مسرح إسماعيل ياسين هو المسرح الوحيد فى العالم القادر على تقديم رواية جديدة كل أسبوع، وإذا كان عرض الرواية يستغرق ثلاث ساعات، فأبوالسعود الإبيارى قادر على تأليف الروايات فى ثلاث ساعات أيضا، ولا شىء يهم إذا كانت الرواية الجديدة فيها نفس حوادث الرواية القديمة، ولا يهم إذا كان إسماعيل ياسين يردد نفس النكت التى رددها من قبل، فالنكت واسماعيل ياسين هما محور المسرح ولا شىء بعد ذلك».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة