عادل السنهورى

حكاية "نادي السيارات"

الخميس، 02 مايو 2024 12:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

العمارات في القاهرة الخديوية ليست مجرد مباني صماء أو جدران صامتة. كل مبنى يسكنه تاريخ وكل جدار يحكي عما دار خلفه من حكايات مصر، وكواليس أبطال هذه الحكايات من ساسة وحكام و مشاهير المحكومين، نساءا وشبابا وشيوخا . مباني وجدران شاهدة على مواقف الرجال وهزائمهم وانتصاراتهم وانكساراتهم في كافة مجالات الحياة. في السياسة والحرب والثورة والحب والنساء أيضا.

يوم الجمعة الماضي احتفل أحد هذه المباني بمرور 113 عاما على انشاءه في وسط القاهرة بشارع قصر النيل حيث يقف " نادي السيارات المصري" – الملكي سابقا- شامخا عفيا صلبا في وجه الزمن بتقلباته وعواصفه من عصر الى آخر ومن وجوه الى آخري أحيانا متشابهة وأحيانا آخرى لا تجمعها أية سمات أو صفات وخصائص.

10 شارع قصر النيل ...هذا هو نادي الملك فؤاد والملك فاروق وأمراء العائلة المالكة قبل ثورة يوليو الذي ظل محافظا على مكانته ووقاره وهيبته حتى ما بعد يوليو 52 بل وحرص رجالها على نيل عضويته. هذا هو النادي الذي يسيل على جدرانه وتختبأ في غرفه وطرقاته وردهاته وصالاته تفاصيل مهولة من التاريخ الشعبي والمسكوت عنه في مصر من دسائس ومؤامرات وبطولات أيضا. فلم يكن كل ما هو ملكي أو ينتسب اليها غارقا في الشبهات والملذات. فهناك أمراء وساسة أصحاب مواقف وطنية وانتماءات فنية واجتماعية وشيدوا المصانع والجامعات ومعاهد الفنون والعلم.

مرات ومرات وأثناء مروري أمام المبنى التاريخي ذو الفخامة والعراقة بمدخله المتفرد وتفاصيله المدهشة في البناء. أقف قليلا أمامه مشدوها ومندهشا أتأمله في صمت وأتخيل ما بداخله  وما كان بداخله وفوق مقاعده وصالوناته الفخمة. هنا جلس فاروق وأمراءه وحولهم رجال الحاشية والمحاسيب والأقارب والأراجوزات لزوم التسلية والترفيه والتسلية. هنا جلس الأمير محمد علي توفيق- الوصي على العرش- يتدبر ويدبر طريقة الوصول الى عرش الحكم. هنا اتخذ الوفديون ورموز الأحزاب مكانا قصيا لدراسة القضية الوطنية والاستقلال التام والموت الزوؤام...وهنا هام وذاب نبلاء العائلة المالكة في قصص العشق وحكايات نساء القصور والفيلات في جاردن سيتي وعابدين وقصر الطاهرة وغيرها...هنا وهنا مجالسات الكبراء من الشعراء والأدباء والفنانين ومشاهير المجتمع من باشوات وبكوات ملوك السكر والقطن ومحتكري صناعات مصر.

طوال الوقت كان يغالبني ويسيطر علي ويتحكم في شعور أبناء الشرائح الاجتماعية الأقل حظا في الثروة أو في الشهرة والمناصب. هذا الشعور الذي ينبهني دائما ويحذرني من مغامرة الدخول أو حتى الاقتراب من باب النادي الملكي. صوت داخلي يتردد صداه دائما كلما تصادف مروري من شارع قصر النيل وبعد محل جروبي الشهير هاتفا:" ابتعد لقد اقتربت وحاذر حتى من النظر، فحراس المكان سوف يلقوا بك بعيدا عنه ليس بأيديهم وانما بسياط نظرات أعينهم وملامحهم الجادة القادرة على فرز الوجوه والأشخاص اللائقين بالدخول للمبنى الملكي وعالمه والقيام وقوفا واحتراما للترحيب بهم والتهليل لهم، أو بهؤلاء الأشخاص الذين لا يحق لهم حتى متعة النظر للمبنى حسدا أو " حقد طبقي" أو خيال وأمنية قد تتحقق ذات يوم.

تدور عجلة الزمن وتتبدل الوجوه وتتغير العصور وتختفي شخوص و تسطع آخرى بحكايات وكواليس وأسرار جديدة، ويبقى " النادي السيارات الملكي" بمهابته وعراقته وغموضه مثل خادم المعبد وكاتم الأسرار وشاهدا على العصر والتاريخ

بعد 10 سنوات من دخول أول سيارة الى مصر عام  1890وصل عدد السيارات في القاهرة 110 سيارة وفي الإسكندرية 56 سيارة بمعدل استيراد 10 سيارات في العام الواحد خلال هذه الفترة للقاهرة وست سيارات من نصيب الاسكندرية.
كان المصريون لا يطلقون كلمة سيارة على أي عربة وانما ” أوتوموبيل ” وهي كلمة فرنسية تعني عربة أو سيارة ، وكان ذلك طبيعيا لأن كل السيارات التي دخلت مصر منذ عام 1890 فرنسية الصنع .. بدأ أهل القاهرة والاسكندرية يعتادون على السيارات وهي تتحرك بعد 10 سنوات من البداية وكثرت السيارات في الشوارع ونتيجة لانتشارها كان لا بد من تنظيم حركتها وإصدار تراخيصها، حيث أصدر حكمدار القاهرة قرارا ينظم سرعة السيارات، بحيث لا تزيد على 20 كيلومترا في الساعة، وكان استخراج الرخصة يتكلف نحو 10 قروش
الطريف أن أول حادثة مرورية وقعت عام 1904، عندما اصطدم الأمير محمد علي توفيق بعربة كارو تحمل أخشابا .. وبعد ما أصبح في مصر مايقرب من 200 سيارة عام 1905 كان من الطبيعي أن يظهر مجتمع جديد من ملاك السيارات وكان أفراده كما قلنا من صفوة المجتمع ، ومن هنا ظهرت فكرة تأسيس نادي يلتقي فيه ملاك السيارات وبالفعل تحولت الفكرة الي واقع وأنشئ نادي السيارات
مرت 119 عاما على تأسيس أول نادي للسيارات- عام 1905-أحد أقدم نوادي السيارات في العالم. وترأسه صاحب أول سيارة في مصر وهو الأمير عزيز حسن حفيد الخديوي إسماعيل
وكان مقر النادي يقع في 25 شارع المدابغ (شارع شريف حاليا) تحت رعاية واهتمام الخديوي عباس حلمي الثاني. لكن الدكتور فتحي حافظ الحديدي صاحب كتاب " التطور العمراني لشوارع مدينة القاهرة" يذكر أن النادي تأسس عام 1909، وكان موقعه الأول في 27 شارع شريف، أي في القصر الشهير للبارون دي جليون والذي لازال قائما في هذا المكان. و رسوم الانضمام الى النادي في هذا الوقت كانت حوالى 6 جنيهات اما الاشتراك السنوي فبلغ خمسة جنيهات و كانت مبالغ باهظة بمقاييس تلك الفترة كانت مهمة النادي هي جمع محبى الأوتومبيل من المصريين و أجانب مقيمين و بالطبع كان الشرط الأساسي للانضمام لهذا النادي هو امتلاك سيارة و لهذا السبب كان عدد الاعضاء قليلاً.

بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى(1914-1918) تم حل النادي. وفي عام 1924 تم التأسيس الثاني للنادي باسم نادي السيارات الملكي، وكان الرئيس الأول هو الأمير محمد علي توفيق صاحب القصر الشهير في جزيرة المنيل والوصي على العرش بعد وفاة الملك فؤاد، أما الرئاسة الشرفية فكانت لجلالة الملك فؤاد الأول، وتم الافتتاح في المقر الحالي للنادي في 10 شارع قصر النيل، وقد أهدي هذا المقر للنادي من قبل الأميرة فاطمة إسماعيل.
عقب قيام ثورة 1952 تم تغيير اسم النادي إلى نادي السيارات المصري، ثم في 1967 تم دمج نادي الرحلات مع نادي السيارات ليصبح اسمه نادي السيارات والرحلات المصري.

كان للنادي فيما مضى أنشطة ومجهودات عديدة بخصوص تطوير الطرق والخرائط والتشريعات المتعلقة بالسيارات، لكنه اليوم لم يعد معروفا سوى بأنه المكان الذي يتم منه استخراج رخص القيادة الدولية.النادي نظم أول سباق دولي للسيارات في مصر عام 47 وأول معرض عالمي للسيارات قبل يوليو 52. تأسس النادي  بـ 18 عضواً و ويبلغ عدد أعضاءه حاليا أكثر من 4500 عضو










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة