حازم حسين

انخفض الدولار فانكشف التجار.. عن السوق السوداء وظاهرة انتحار الحيتان

الأربعاء، 07 فبراير 2024 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اهتزّت سوقُ العملات المُوازية اهتزازًا واضحًا؛ فتراجع الدولارُ بنحو 30% بعدما كان قد لامس حدود 75 جنيهًا. لكن التصحيحَ الجُزئى لم ينعكس على بقيَّة أبواب المضاربة بالنسبة نفسها؛ إذ لم يتجاوز انخفاض تسعير الذهب 12% تقريبًا من أعلى ذُروةٍ وصلها، ولم تتبدَّل أحوال قطاعات السيارات والأجهزة الكهربائية وحديد التسليح وغيرها بمستويات مُكافئة. اختلافُ القاعدة فى الصعود والهبوط لا يُشير لحالةٍ ديناميكية يحكمها العرضُ والطلب فعلاً، بقدر ما يكشف عن مافيا تتَّخذ قراراتٍ فوقيّةً بمعزلٍ عن حركة الاقتصاد، وعن الاتّزان الطبيعى بين تكلفة السلع الحقيقية وتسعيرها للمُستهلك النهائى. ثمّة أيادٍ خفيَّة تستثمر فى الفوضى وإرباك الأسواق، وتستغلُّ قِصَر يد الجهاز التنفيذى وتشتُّتَه بين الالتزام الليبرالى والقيود القادرة على الضبط الصارم. وفى مناخٍ تحكمُه الأهواءُ الشخصية، واعتبارات المنفعة المباشرة ولو كانت على حساب المجموع، تُداسُ المصلحةُ العامة بقسوةٍ، ولا يجرى ذلك وفقَ معايير موضوعية تحت سقف الوفرة والندرة؛ إنما يسير بكامله على قاعدةٍ انتهازية خالصة، عنوانها «أنا ومن بعدى الطوفان».
 
تضخَّمت الأزمةُ طوال الشهور الأخيرة، واتّخذت هيئةً شديدة التركيب؛ فما عاد الحديثُ عن سوقٍ شرعيّة بيضاء تُقابل أُخرى سوداء مُنفلتة؛ بل عن أسواقٍ عديدة مُوازية، تُقدَّر فيها قيمة الدولار بإملاءاتٍ يصيغها أباطرةُ كلِّ قطاعٍ مع حيتان العملات. وهكذا خاض دولارُ البنوك نِزالاً غير عادل مع دولارات السيارات والذهب والسفر والمُضاربة الصافية، وانتهجت بعضُ القطاعات مسارًا مُنحرفًا نحو «دولرة» التعامل فى السوق المحلية، باستيداء حقوقها بالعُملة الأجنبية فى مُمارسةٍ يُجرِّمها القانون.. وصحيح أنَّ جانبًا كبيرًا من المُشكلة يعود لضَعف الحصيلة الدولارية لدى الدولة؛ إلَّا أنَّ جانبًا آخر تُحدِّده سلوكيات الاحتكار والاستغلال وانتهاز الفُرص، وقد تورَّط فيها مُستهلكون وأفرادٌ عاديّون بالداخل والخارج، واضعين منفعتَهم الظرفيّة العابرةَ فوق اعتبارات الانضباط والاستدامة، ومُتجاهلين مخاطر انعكاس حالة السيولة والعشوائية، التى شاركوا فى صناعتها، على مصالحهم طويلة المدى لاحقًا. ولو كانت المُقاربةُ المنطقية لا تُبرِّئ السياستين النقدية والمالية من بعض المسؤولية؛ فإنَّ الموضوعية والتوصيف الدقيق يُحمِّلان المجتمعَ قدرًا كبيرًا منها. بدأت الأزمةُ فى دولاب الدولة؛ لكنها نُفِخَت وتضاعفت نيرانُها فى حماية الشارع للأسف.
 
بدايةُ اللعبة كانت مع الإخوان. أعرفُ أنّ كثيرين لا تُعجبهم نغمةُ الجماعة المُلحَقة على كلِّ الألحان؛ إلَّا أنها الحقيقة ولو رفضها البعض أو تعالوا عليها. كانت «30 يونيو» لم ينضج عُودها بعد، ومعركةُ الإرهاب مُحتدمةً إلى مداها الأقصى، عندما قرَّر التنظيم أن يُوظِّف فوائضَه المالية لمُلاعبة الدولة فى حقل الاقتصاد. نشطت عناصرُه وشركاتُه بين المصريين بالخارج، خصوصًا دول الخليج، فكانوا يجمعون النقد الأجنبى بضِعف الأسعار الرسمية، على أن يُسلِّموا المُقابل بحسب رغبة العميل لذويه فى مصر، بعيدًا من القنوات المصرفية ومسارات التحويل والرسوم. وقد نجحت خطوةُ تخفيض الجنيه الأولى بمُوجب برنامج الإصلاح الاقتصادى 2016 فى ضَبط الأوضاع وقتها؛ لكنّهم كانوا قد عرفوا الطريق إلى التلاعُب وتمرسَّوا فيها. وعندما تلقَّت الأسواق ضربةً قاسية أوائل 2022، باندلاع حرب أوكرانيا وخروج نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، عادت مافيا الخارج لنشاطها، ثمّ التحقت بها مجموعاتٌ غير إخوانية تُمارس اللعبةَ نفسَها. واليوم صار سلوكًا شائعًا أن يكون الجنيه محلَّ تجارةٍ ومُضاربة خارج الحدود، وبينما نعرفُ أن الإسلاميِّين المُتأخونين يُمارسونه نكايةً فى البلد ورغبةً فى إسقاطه؛ فإنَّ كثيرين ممَّن لا شكَّ فى وطنيّتهم يعتمدونه وسيلةً للتربُّح؛ ولو أضرَّ بالوطن كاملاً، ولا يستشعرون تناقُضًا بين حماستهم الصادقة تجاه أهاليهم، وأن يكونوا أداةً تُضاعِف الضغوطَ الواقعة عليهم، وتُربك معيشتَهم بالجشع والأنانية.
 
كثيرون من المصريين غريبون فى محبَّتهم. إننا شعبٌ شديدُ التمسُّك بالعقيدة الوطنية لدرجة الشوفينية، ومصرُ فى عُرف أغلبنا دِينٌ بعد الدِّين أو قبله؛ لكنَّ الوعى الشعبى يحتفظ بمرويَّاتٍ وأماثيل بالغة الخِفَّة وعميقة التصادم مع ذلك الثابت العظيم، كأن يشيع بين البعض القول «لو خِرِب بيت أبوك خُد لك منه قالب»، أو «حريقة فى بلدك يا جُحا، قال طالما بعيدة عنى خلاص».. على هذا المعنى؛ يذوبُ الجميع عِشقًا وهيامًا فى مصر، ويتمنَّون لها الخير كاملاً؛ شريطة ألَّا تحول بينها وهذا الخير مصلحةٌ مُباشرة لهم. إنْ سألتَ تاجرَ عُملةٍ أو مُحتكرًا أو مُضاربًا على الجنيه فى الخارج، سيُحدِّثك عن «مصر التى فى خاطره وفى فمه»، وإن نظرت فى أفعال فريقٍ منهم فقد تجدهم مُتورِّطين فيما لا يأتيه الأعداءُ أنفسهم، وهم بين الخاطرين مُتشدِّدون فى المحبَّة إن كانت غير مُكلِّفة، ومُوغلون فى العداوة لو بشَّرت بكسبٍ أو منفعة. وإن كان الغالب علينا صدق القول والفعل؛ فإنَّ الفئة الضئيلة المُنجرفة إلى التناقض كافيةٌ لكَسر الميزان وصناعة المحنة.. فى ظاهرةٍ غريبة، تنتحر حيتانُ البحار بدفع أجسادها الضخمة إلى اليايسة. لا سببَ معلومًا إلى الآن؛ إلا أنها ربما تهربُ من خطرٍ أو تبحثُ عن أمل، وما يفعله حيتان المال لا يختلف فى مآله؛ إذ يتوهّمون المنفعة فيما يُمارسونه ضد الاقتصاد، بينما ينتحرون ببطءٍ كلَّما خنقوا السوق أو دفعوها إلى الاحتراق.
 
ما كان صعودُ الدولار لأكثر من ضعف سِعره الرسمى مُبرَّرًا؛ ولا نزوله الآن منطقيًّا. إن كان الأمرُ محصورًا فى مسألة النُدرة فإنها لم تتغيَّر، وإن أُعيدت لتوازُن العَرض والطلب؛ فلم ينشأ ما يُعدِّل المُعادلةَ القائمة. أجهزةُ الدولة شدَّدت الرقابةَ فعلاً، وتتابعت أخبارٌ إيجابية عن إيراداتٍ وشيكة من عُقود استثمارٍ وبرامج تمويل وإعاناتٍ دولية؛ لكنَّ السوق السوداء تُراوغ القانونَ طوال الوقت، ولم تكن بعيدةً من الرصد خلال الشهور الأخيرة على الأقل، كما أن التدفُّقات المُشار إليه ما تزال آمالاً واتّفاقات لم تدخل حيِّز النفاذ؛ أى أنه لم يطرأ أىُّ تبدُّلٍ حقيقى فى الأوضاع التى نمت فيها حالةُ المُضاربة حتى توحَّشت، وبالتالى فإن مسار التحسُّن مصنوعٌ كما صُنِعَت حالة التعقيد. يُحتمَلُ أنَّ أجواء الريبة والتحوُّط ضغطت على البائع والمشترى؛ فقلَّصت العَرض والطلب معًا، كما يُحتمَل أنَّ التجار يُناورون الدولة أو يُقدِّمون تطميناتٍ خادعة، وربما تكون جدّية الحكومة أقلقتهم فعلاً؛ لكنّ حصيلة الاحتمالات كلّها تُدين المُتلاعبين فى السوق بأكثر ممَّا تُترجِم أثرَ الانفراجة المُرتقَبة، وهو أمرٌ لا يخرجُ عن المسؤولية الجماعية؛ مهما سعى البعض للتبسيط؛ إذ سمح التكالبُ على النقد والذهب والعقار والسيّارات كأوعيةٍ ادّخارية، لا كإشباعِ احتياجٍ مُلِحّ، لخَلقِ طلبٍ وهمىٍّ سَعَّر جحيمَ المُضاربات وتوجيه السوق على هوى الحيتان الكبار، وبمعنىً آخر؛ فإن المُستهلكَ فى آخر السلسلة كان شريكًا بدرجة مُباشرة فى إحكام قبضة المُهيمنين على أوَّلها، وفى إرباك الدولة سعيًا إلى أمانٍ زائف، أو طمعًا فى ربحٍ سهل.
 
وإن كُنّا نقف الآن على حدٍّ فاصل فى المعضلة، بين الاستفحال السابق وبشائر الحلحلة الوشيكة؛ فإن النقدَ الاجتماعى والاقتصادى بغلظةٍ ومُكاشفة من الواجبات العاجلة. وقد كانت إجراءاتُ بعض البنوك مُحفِّزةً لحالة السُّعار بدلاً من كَبحها، عندما اشترطت لفتح اعتماداتٍ مُستندية للمستوردين أن يُدبِّروا دولاراتهم دون بحثٍ فى مصدرها، شريطةَ أن يتنازلوا عن 20% من قيمة الصفقة بالسعر الرسمى، ثمَّ وُظِّفَ ذلك فى صفقاتٍ أُخرى بعُمولاتِ تدبيرٍ مُرتفعة إلى حدود السوق المُوازية. وقبل ذلك وبعده نشطَ أشخاصٌ عاديّون فى حركةٍ دؤوب لنزح الدولار من النور إلى الظلام، وكانت الوسيلة السهلة أن يستخرج أحدُهم بطاقاتِ ائتمانٍ من عدَّة بنوك، ثمَّ يسافرُ رحلةً سريعة لإحدى الدول القريبة، يستوفى فيها حدودَ بطاقاته نقدًا، ويعود لبَيعها مُحقِّقًا مكسبًا طائلاً من فارق السعر. اكتشف البنكُ المركزى اللعبة، ووُضِعَت ضوابطُ لحصارها؛ بتقليص حُدودِ السحب بالخارج ووَقفه تمامًا للإصدارات الجديدة؛ لكنَّ شهور الانفلات كانت قد أكلت أموالاً ضخمةً، وأنعشت السوق الحرام وشهوات المُضاربين، كما أكَّدت أن طيفًا عريضًا من المجتمع بكلِّ فئاته، ينظرون للمسألة باعتبارها امتحانًا يخصُّ الدولةَ وحدَها، وأنه يحقُّ لهم الانتفاع بالمال العام. ورغم فارق المُقارنة؛ فلا ينفصل ذلك قَطعًا عمَّن يُلقى قمامته فى الشارع أو يسرقُ الكهرباء ويُفسد مُمتلكاتٍ مشاعيّة؛ إذ كلُّها تُشير فى الأخير لنزعةٍ فرديّة تتعارضُ تمامًا مع المدنية الحديثة، ومع فكرة التضامن والمصلحة المشتركة واتِّصال الخصوصى بالعمومى.
 
يتربَّحُ التاجر بأكثر ممَّا يحقُّ له؛ ليُنفِق بعضَ أرباحِه لدى تاجرٍ آخر لا يقلُّ شراهةً. والمُستهلك العادى يُحبُّ اللعبةَ ويُشجِّع عليها، ويتمرَّن طوالَ الوقت ليكون بين اللاعبين كلَّما سنحت الفُرصة. يُمكن أن تلحظ ذلك واضحًا فى سوق السيارات المُستعمَلة، بينما يطلبُ المُلّاكُ أرقامًا خُرافيَّةً فى مركباتٍ مُتقادمة، فتجد بائعًا يعرضُ سيّارةً صينيّة عمرها 10 سنوات بنصف المليون جنيه، وهى لا تتجاوز 2000 دولار بالخارج وأقل من 150 ألف جنيه بالداخل؛ لو حُسِبَت بأعلى تسعيرٍ وصلته السوق السوداء. وفى الصاغة تجاوزَ الوضعُ نطاقَ العرض والطلب على السلعة نفسها، إلى مُضاربةٍ فجَّة ومكشوفة على النقد الأجنبى، لا المعدن.
 
سعرُ الأُوقيّة عالميًّا لم يتحرَّك سوى أقل من 1.5% آخر ثلاثة أشهر، لكنّه قفز بنحو 60% محليًّا. وعندما قرَّرت الحكومة فى نوفمبر الماضى إعفاءَ واردات المشغولات والسبائك من الضريبة الجمركية والرسوم، هلَّل أباطرةُ السوق للقرار وبشَّروا بأثره فى ضَبط الاختلال؛ لكنهم سرعان ما وظَّفوه فى تعظيم مكاسبهم.
 
أكثر من أربعة أطنانٍ تقريبًا أُضِيفَت للمُتداوَل فى السوق؛ لكنّ الجرام قفز بأكثر من ألف جنيه. وزادت المحلات الفارقَ بين البيع والشراء بأكثر من 200 جنيه للجرام، ونشطت رؤوسُ أموالٍ ضخمة فى جمعه وتسييله؛ فتحوَّل الذهب إلى دولارٍ أصفر، وصار تجّاره يُحدِّدون السعر على مجموعات «واتساب» بإرادة مُنفردة، أو اتّصالاً بمُضاربات تجّار العُملة وشُركاؤهم فى قطاعاتٍ استهلاكية مُجاورة، لا بحسابات العَرض والطلب والتكلفة والربح العادل.
 
طرح بعضُ السياسيِّين أفكارًا غير عمليّة، منها اقتراح أحد الأحزاب أن يلتزم المُغتربون بتحويل خُمس مداخيلهم من النقد الأجنبى. ثمّة عقباتٌ دستورية وإجرائية؛ فكلُّ ما لا يُمكن قياسه لا تسهُل إدارته، أو التحكُّم فيه والإلزام به والمُعاقبة على اختراقه، كما لا يُمكن النزول عن حُرمة المال الخاص مهما كانت الضغوط؛ لكن لقاء ذلك ينبغى التشديد على حركة الأموال فى الداخل، ومع المُسافرين، ومن خلال الحلقة المحلية المُشترِكة فى عملية المُضاربة الخارجية، أفرادًا أو كيانات، وتسريع عملية الشمول المالى لإنهاء التعامل النقدى بالكامل فوق حدٍّ مُعيَّن. وقد يكون مُفيدًا التلويح لبعض القطاعات غير الضرورية بإمكانية تقييد التعاملات لو استمر الانفلات؛ إذ لن يخسر الاقتصاد كثيرًا لو جُمِّدت سوقُ الذهب لأسابيع أو شهور، وربما يليق أن نناقش تكوين قاعدة بياناتٍ تجارية واسعة، تُسجِّل حركةَ الصاغة والسيارات والعقار؛ ربطًا بالمزايا الاجتماعية وضرائب الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين، مع إعادة النظر فى ضريبة الأرباح الرأسمالية؛ ولو لمرحلةٍ انتقالية، بما يتناسب مع الظرف الاستثنائى غير المُعتاد.
 
وضعت الدولةُ يدَها على العُقدة، وتحرَّكت خُطاها نحو الحلّ؛ إلَّا أن المسؤولية المجتمعية ينبغى أن تُواكبَ ذلك وتُحوِّط عليه؛ إذ لا ضمانة لانقطاع المُضاربة أو مُغادرة المسار الصاعد نهائيًّا. قد لا يكون منطقيًّا أن نطلُبَ من المستهلكين مُقاومةَ الاستغلال فى الأساسيات؛ لكنهم يستجيبون له فى أمورٍ كماليّة ليست من مسائل الاستعجال والحاجات الوجودية. سيكون مطلوبًا أن تنشط مُؤسَّسات المجتمع المدنى وآليّات الرقابة الشعبية بالتوازى مع نشاط الأجهزة الرسمية، وأن يتكاتف الجميع فى حصار مافيا التلاعب بالنقد أوّلاً، ثمّ بحركة السلع والخدمات تاليًا. وإذا كانت التدفُّقات المُنتظَرة بموجب تفاهُماتٍ مع الاتحاد الأوروبى وصندوق النقد وكياناتٍ استثمارية دوليّة، ستُوفّر ملاءةً دولارية مُكافئة للالتزامات المرحليّة تجاه الواردات وخدمة الدين؛ فليس مأمولاً أن تمتدَّ فاعليّتها من دون حوكمةٍ شاملة للسوق، وتلك تكاد تكون مستحيلةً لو لم يُشارك فيها المُستهلكون بجدّية وإخلاص لأنفسهم قبل أى طرفٍ آخر.
 
يتعيَّن ألَّا يستجيبَ المواطنُ لحالة المُضاربة المُستعرة، ولا أن يُشجِّع «الدولرة» بسداد قيمة أيَّة سلعة أو خدمة بعُملةٍ غير الجنيه، وأن يتخلَّى عن أطماع أن يكون تاجرًا فى قطعة ذهبٍ منفوخة بالكذب أو فى سيارةٍ صدئة ومُتهالكة. وعلى الدولة بمرافقها التشريعية والتنفيذية أن تتصدَّى للموجة وتُرمِّم جدار الاقتصاد، وليكُن ذلك عبر فَرض ضريبةٍ مُركَّبةٍ على مبيعات الذهب غير المشغول خلال مدَّة مُعيّنة من تاريخ الشراء، وزيادة رسوم تراخيص ونَقل ملكية السيارات المُتقادِمة بما يُوازى التضخيم غير المعقول فى أسعارها، مع تكثيف الرقابة على عمليات «الدولرة»، وتشديد عقوبات الاتجار فى النقد خارج القنوات الشرعية. كانت المُخدرات سوقًا سهلةً إلى أن صارت عقوبة الجَلب والتجارة تصل للإعدام بدلاً من السجن والغرامات، ويدُ القانون لو بطشت بالمُنحرفين فلن يعود الانحراف إلى ما كان عليه، أو على الأقل سترتدع فئاتٌ عدَّة من العاطلين والانتهازيين الذين فشلوا فى التحقُّق الذاتى العادل؛ فقرَّروا أن يُصدّروا خيباتهم للمجتمع كاملاً، وبدلاً من السرقة الصريحة؛ ارتدوا ملابسَ فاخرةً وصاروا مُضاربين وتجَّار أقوات وعُملات.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة